أكد فيصل الفرحان وزير الخارجية السعودي خلال مشاركته في مؤتمر دافوس الثلاثاء الماضي إحراز بعض التقدم في الحوار مع طهران ولكن "ليس بشكل كاف".
تصريحات الوزير جاءت تعليقا على الجولة الخامسة من المفاوضات بين طهران والرياض نهاية الشهر الماضي في بغداد؛ فالفرحان لا يرى إشكالا في الاتفاق النووي مع طهران بقدر ما يرى في الملفات الأمنية والسياسية الإقليمية المشتركة وعلى رأسها اليمن والهجمات على المنشآت النفطية في السعودية.
الانفتاح السعودي على إيران لا يمكن النظر إليه بمعزل عن العلاقة الفاترة والمتوترة مع إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن والحزب الديمقراطي طوال العام ونصف العام الفائت؛ بعد أن عبر بايدن أكثر من مرة عن عدم رغبته لقاء ولي العهد السعودي محمد بن سلمان؛ كما تجاهل الهجمات العنيفة على المنشآت النفطية السعودية طوال عام كامل دون ردود فعل أو إجراءات مؤثرة ورادعة.
موقف الإدارة الأمريكية تغير بعد الحرب الأوكرانية؛ فالخشية من فشل عقوباتها النفطية على روسيا وضغوط الأوروبيين على واشنطن لتوفير البدائل؛ دفع البيت الأبيض للتواصل مع ولي العهد السعودي محمد بن سلمان سواء عبر الهاتف أو عبر زيارات لوزير الخارجية توني بلينكن ومستشار الأمن القومي جيك سوليفان بهدف إقناع محمد بن سلمان بالانسحاب من اتفاق (أوبك +) الذي يجمع الرياض وموسكو.
حاجة الإدارة الأمريكية للنفط الإيراني والسعودي تعاظمت بعد انفجار الحرب الأوكرانية والصراع مع روسيا في أوروبا لتلعب الولايات المتحدة دور الوسيط والضامن لوقف إطلاق النار في اليمن مقابل رفع الحظر الجوي عن مطار صنعاء والبحري عن ميناء الحديدة.
واشنطن قدمت ضمانات للسعودية مقابل وقف إطلاق النار ورفع الحظر البحري والجوي عن الحوثيين بتشكيلها القوة المختلطة 159 التابعة لقوات (السينتكون) القيادة المركزية في البحرين لمراقبة حركة الملاحة في خليج عدن وباب المندب والبحر الأحمر؛ عاكسة بذلك انخراطا أمريكيا كبيرا في ملفات المنطقة على أمل إقناع الرياض بالانحياز لمعسكرها في أوكرانيا وتخفيف معارضتها للاتفاق النووي مع طهران في الآن ذاته؛ فحاجتها المزدوجة للنفط الإيراني والسعودي والموافقة الإسرائيلية دفعتها للبحث عن استراتيجية مناسبة تجمع بين المتناقضات تحت مظلة واحدة عنوانها حصار روسيا.
حاجة الإدارة الأمريكية للنفط الإيراني والسعودي تعاظمت بعد انفجار الحرب الأوكرانية والصراع مع روسيا في أوروبا لتلعب الولايات المتحدة دور الوسيط والضامن لوقف إطلاق النار في اليمن مقابل رفع الحظر الجوي عن مطار صنعاء والبحري عن ميناء الحديدة.
الجهود الأمريكية لم تقتصر على البحر الأحمر وأمن الخليج؛ فالإدارة الأمريكية أوفدت مستشار الرئيس بايدن، مستشار الرئيس لشؤون الشرق الأوسط بريت ماكغورك ومبعوث الطاقة الأمريكي عاموس هوشستين، في زيارة وصفها موقع أكسيوس (Axios) بالسرية إلى المملكة العربية السعودية؛ لإجراء محادثات حول زيادة إنتاج النفط، وصفقة جزر البحر الأحمر تيران وصنافير حيث تسعى الرياض لإخراجها من نطاق عمليات قوات حفظ السلام الأممية بعد تنازل مصر عن الجزيرتين.
إجراء أعاقه الكيان الإسرائيلي برفضه سحب المراقبين الدوليين من المنطقة؛ ما فتح الباب نحو البحث في خطوات التطبيع الممكنة بين السعودية والكيان الإسرائيلي بحسب كاتب التقرير الصحفي الإسرائيلي باراك رافيد.
الصحوة الأمريكية والالتفاتة التي أبدتها نحو السعودية لم تنجج في دفع الرياض للتخلي عن اتفاق (أوبك +) أو رفع إنتاجها من النفط لتلبية احتياجات السوق بخفض أسعار النفط؛ والتعويض عن النفط الروسي الذي عملت إدارة بايدن على فرض عقوبات عليه.
لم تنجح واشنطن في تجاوز العقبات المتعلقة بالاتفاق النووي وخصوصا العقوبات على الحرس الثوري نتيجة المعارضة الإسرائيلية؛ لتبدو مفاوضاتها مع طهران والرياض كمساومة ومفاضلة بين خصمين متنافسين في الإقليم.
رغم ذلك فإن الجهود الأمريكية للاقتراب من الرياض ازدادت زخما وقوة مع اقتراب جولة الرئيس الأمريكي بايدن إلى المنطقة والتي تشمل الكيان الإسرائيلي والسعودية؛ فإدارة بايدن وعلى غير ما هو متوقع أوروبيا عمدت إلى فرض مزيد من العقوبات على كيانات تتبع للحرس الثوري الإيراني ما دفع رئيس وزراء الكيان نفتالي بينت للإشادة بهذه الإجراءات بقوله: إن بايدن وضع الحرس الثوري حيث يجب أن يكون؛ ويقصد بذلك قائمة العقوبات؛ علما بأن إيران أبدت مرونة في اشتراط رفع الحرس الثوري من القائمة لاستئناف العمل بالاتفاق النووي.
أمريكا عالقة بين طهران والرياض والكيان بعد أن عجزت عن توفير بدائل للنفط الروسي لأوروبا بتفعيل الشراكة مع الرياض أو بتفعيل الاتفاق النووي ورفع العقوبات عن إيران؛ ولا يتوقع لها النجاح رغم انخراط بايدن العجوز في إدارة الملف بنفسه هذه المرة محطما الحواجز النفسية السميكة التي فصلته عن محمد بن سلمان.
النشاط الأمريكي لن يعيد الثقة للعلاقة السعودية الأمريكية فرغم الترتيبات المحمومة والنشاطات واللقاءات التي تستبق زيارة بايدن إلى الرياض؛ تجد السعودية صعوبة في الثقة بالإدارة الأمريكية التي خذلتها أكثر من مرة في صراعها في اليمن أو منافستها مع إيران؛ أمر أمكن ملاحظته خلال تصريحات وزير الخارجية الفرحان في دافوس (سويسرا) إذ أكد أن زيادة الإنتاج من النفط السعودي ودول أوبك لن يعالج الاختلالات في سوق الطاقة؛ مرجعا الأمر إلى مصافي التكرير ومشتقات النفط كمسبب للأزمة؛ ملقيا بذلك الكرة مجددا في ملعب الإدارة الأمريكية التي تسعى لوقف تصدير مشتقات النفط المكررة أملا في خفض أسعاره داخل الولايات المتحدة حيث اقترب سعر الجالون من 5 دولارات.
ختاما.. تلميح الفرحان الذكي محرج لإدارة بايدن إذ يكشف دوافع التحرك الأمريكي نحو السعودية كتكتيك سرعان ما سيتغير بتغير منحنى أسعار الطاقة والتضخم والنمو الأوروبي الأمريكي؛ معززا بذلك صعود منحنى الشك وانعدام ثقة الرياض بواشنطن.
hazem ayyad
@hma36
ورحلت أيقونة الإعلام في فلسطين وبقي الأثر
عن استهداف حمادي الجبالي.. سؤال للرئيس قيس سعيد