في عام 1993 قُدِّر لي مشاهدة شريط فيديو للدكتور بسّام جرار، لأكثر من ساعتين، بعنوان "حتمية زوال إسرائيل"، وكان بالنسبة لي في هذا الوقت شيئًا جديدًا، وخصوصًا أسلوب طرح الدكتور جرار، بطريقة رياضية عددية، مستخدمًا في ذلك آيات قرآنية وردت في سورة الإسراء والمائدة، كذلك ما ورد عن بعض حاخامات اليهود، وما ذُكر في تلمودهم.
وكان الدكتور جرار ضمن المبعدين في مخيم "مرج الزهور" في جنوب لبنان عام 1992، وألقى هذه المحاضرة في السنوات الأولى من عام 1993، وتنبأ بنسبة كبيرة زوال إسرائيل في عام 2022.
وسار على نفس النهج مستدلًا بالآيات القرآنية، والأحاديث النبوية، والأحداث التاريخية، الشيخ أسعد بيوض التميمي، إمام المسجد الأقصى ومديره الأسبق، في كتابه "زوال إسرائيل حتمية قرآنية". والكتاب موجود على الإنترنت.
رواية إيهود باراك
في مقال له بصحيفة "يديعوت أحرونوت" الإسرائيلية قال إيهود باراك رئيس وزراء إسرائيل الأسبق "على مرّ التاريخ اليهودي لم تعمّر لليهود دولة أكثر من 80 سنة إلا في فترتين: فترة الملك داود( )، وفترة الحشمونائيم( )، وكلتا الفترتين كانت بداية تفككها في العقد الثامن". وقال إن تجربة الدولة العبرية الحالية هي التجربة الثالثة وهي الآن في عقدها الثامن، وإنه يخشى أن تنزل بها لعنة العقد الثامن كما نزلت بسابقتها.
وأشار باراك إلى أنهم ليسوا وحدهم من أصابتهم لعنة العقد الثامن؛ "فأميركا نشبت فيها الحرب الأهلية في العقد الثامن من عمرها، وإيطاليا تحولت إلى دولة فاشية في عقدها الثامن، وألمانيا تحولت إلى دولة نازية في عقدها الثامن، وكانت سببًا في هزيمتها وتقسيمها، وفي العقد الثامن من عمر الثورة الشيوعية تفكك الاتحاد السوفياتي وانهار وانفرط عقده".
إذا سلمنا جدلاً بصحة التوقعات والتنبؤات التي تتحدث عن زوال دولة (إسرائيل)، فإن هذا الأمر يتطلب تحركًا كبيرًا للقيام بهذه الإزالة، على مختلف الأصعدة، ولا بد من التأكيد أن أكثر ما يقلق (إسرائيل) هو المقاومة الباسلة التي تردعهم في كل ميدان.
وتابع باراك قائلاً "إن إسرائيل تقع في محيط صعب لا رحمة فيه للضعفاء"، محذرًا من العواقب الوخيمة للاستخفاف بأي تهديد، قائلا "بعد مرور 74 عامًا على قيام إسرائيل أصبح من الواجب حساب النفس"، منبّهًا إلى أن "إسرائيل أبدت قدرة ناقصة في الوجود السيادي السياسي".
كما ذكر أن "العقد الثامن لإسرائيل بشّر بحالتين: بداية تفكك السيادة، ووجود مملكة بيت داود التي انقسمت إلى يهودا وإسرائيل، وبوصفنا كيانًا وصلنا إلى العقد الثامن ونحن كمن يتملكنا العصف، في تجاهل فظ لتحذيرات التلمود".
المسيري يؤكد نهاية إسرائيل
هناك العديد من المفكرين والمؤرخين والسياسيين، يذهبون إلى ذات النتيجة بزوال إسرائيل، وعلى رأسهم الدكتور عبد الوهاب المسيري، الذي يرى أن هاجس نهاية إسرائيل هو شعور يضرب بجذوره عميقًا في الوجدان الصهيوني، فالصهاينة، كما يؤكد المسيري، يتخوفون من تكرار ما حدث للممالك الصليبية التي زالت جميعًا، إذ باعتقادهم أنه قانون صارم من شأنه أن يسري على كل الكيانات الاستيطانية، ومن ثمّ يتملكهم شعور بأنهم يَسبَحون ضد حركة التاريخ وقوانينه الصارمة.
والحقيقة أن هذا الهاجس، هو هاجس مركزي متأصل في الوجدان الصهيوني منذ البدايات الأولى لهذا الكيان الغاصب، فقد كان "ديفيد بن جوريون"، أول رئيس وزراء لإسرائيل، يردد: "ستسقط إسرائيل بعد أول هزيمة تتلقاها". بل إن كثيرًا من الصهاينة لديهم قناعة تامة بحتمية النهاية، مؤكدين أن أكبر عُمْر لمملكة يهودية، وهي مملكة الحشمونائيم، لم يتجاوز الثمانين عامًا.
وفي الوقت الراهن تزايد هذا الإحساس، في تحدٍ لما اعتقدت الحركة الصهيونية أنه سيزول بمرور الوقت، وأن إسرائيل ستندمج شيئًا فشيئًا في محيطها الإقليمي ليصبح هذا المحيط غير قادر على العيش بدونها.
ساسة يهود يؤكدون نفس النتيجة
أعرب السياسي الإسرائيلي "يوسي ساريد" عن تشاؤمه إزاء مستقبل دولة الكيان الصهيوني، مؤكدًا أنه إذا استمرت الأوضاع هكذا فضمان استمرارية الدولة في المستقبل هو أمر من المشكوك فيه، لذا لا بد أن ينتهي الاحتلال عاجلًا أم آجلًا.
والكاتب الإسرائيلي "أوري أفينيري"، صحفي إسرائيلي وأحد أشهر ناشطي اليسار في إسرائيل، قد صرّح لوكالة أسوشيتد برس الأميركية في مقابلة له عام 2013 قائلًا: "لدي شعور قوي بأن دولة إسرائيل هي السفينة تيتانيك، حيث نتجه بقوة نحو جبل الجليد، وحتى الآن لدينا فرصة ذهبية لتغيير مسار السفينة، غير أننا لو بقينا أغبياء سنصطدم بجل الجليد لتكون النهاية".
كما يرى المفكر الأمريكي "ناعوم تشومسكي"، الذي يصفه الصهاينة بأنه اليهودي الأكثر كُرهًا لذاته اليهودية، يرى أن إسرائيل تتجه إلى دمار نهائي، مؤكدًا أن إسرائيل "تنتهج سياسات يترتب عليها قدر هائل من التهديدات والمخاطر الأمنية المحدقة، فهي سياسات تنحاز للتوسع على حساب الأمن، وتهوي بها إلى قاع الانحطاط القيمي والأخلاقي، وتؤدي إلى عُزلتها ونزع الشرعية الدولية عنها".
وفي عام 2021 صرّح "يوفال ديسكين"، الرئيس السابق لجهاز الأمن الإسرائيلي العام (الشاباك)، بأن: "إسرائيل لن تبقى للجيل القادم لأسباب وعوامل داخلية"، حيث تزايد الانقسام بين الإسرائيليين عمقًا، كذلك انعدام الثقة في أنظمة الحكم وهو الشعور الآخذ في الاتساع مع انتشار الفساد، وفقدان قوتها العسكرية للسيطرة على كثير من المناطق.
وتلتقي هذه الأخبار مع توقعات بعض المفكرين والعلماء والخطباء والمهتمين من العرب والمسلمين، بأن زوال إسرائيل سيكون عام 2022 اعتمادًا على استقراءاتهم لبعض النصوص القرآنية، ومن ذلك ما ذكره الشيخ "أحمد ياسين" في شهادته على العصر بقناة الجزيرة من أن (إسرائيل) ستزول عام 2027.
هل زوال إسرائيل أُمنية؟
من الواقع يبدو أنّ زوال (إسرائيل) هو من الأمنيات التي يمكن أن تتحقق؛ ولكن لن تزول اليوم، أو غدًا، أو هذا العام، كما ذهب إلى ذلك العديد من العلماء والمفكرين، لكنها حتمًا ستزول، وذلك يحتاج إلى الأخذ بالأسباب والعمل، وعدم الركون إلى الأوهام؛ فدينُنا يأمرنا أن نأخذ بالأسباب وأن نعدّ للعدو العدّة: (وَأَعِدُّوا لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنفِقُوا مِن شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنتُمْ لَا تُظْلَمُونَ) (الأنفال: 60).
ومن اتخاذ الأسباب، أيضًا، ليس الاهتمام بالقوة العسكرية فقط، رغم أنها مهمة، وإنّما الاهتمام بالعلم والتكنولوجيا والصناعة؛ ومن هنا نستطيع أن نعرف لماذا يركِّز الكيان الإسرائيلي على إيران، وحزب الله، وحماس كخطر استراتيجي عليه، لأنهم اتخذوا أسباب القوة.
ولنا أن نتصور ماذا لو كان لدى العرب تعليمٌ جيد، وتقدمٌ اقتصاديّ وصناعيّ، ومراكز أبحاث، وإنتاج غزير في المعرفة؟ ماذا لو كان المواطن العربي يتنفس الحرية في حياته اليومية، بعيدًا عن الديكتاتوريات المستبدة الجاثمة على رؤوس الناس، والفساد المستشري في كل مكان؟
علينا أن نتفاءل حين نطالع تلك النتائج، غير أنه يجب أن يكون مقترنًا بالعمل وفقًا لخطط مدروسة بشكل جيد، دون التفاؤل الساذج الأحمق الذي يتعاطاه الكسالى كمخدر حيث يحلمون بمستقبل باهر، وهم نائمون في سبات عميق.
إن زوال (إسرائيل) هو حقيقة حتمية يعلمها صُنّاع القرار في الكيان الإسرائيلي قبل غيرهم. وربما يطول الوقت أو يقصر، لكن ذلك لن يلغي حتمية الزوال، ولا يلغي أهمية اتخاذ الأسباب وترك الأُمنيات جانبًا؛ فالزوال لن يتم هكذا من تلقاء نفسه دون كفاح وعمل ومقاومة، وإلا فإنّ هذا من التواكل غير المحمود.
كما علينا، كعرب ومسلمين، التمسك بموقفنا الداعم للقضية الفلسطينية، فكل أسباب وعوامل الانهيار تلك لن تتفاقم وتؤتي أُكُلها إلا بضغوط متصاعدة منّا على كافة المستويات: سياسيًا، واقتصاديًا، وثقافيًا، ونفسيًا، واجتماعيًا. والقاعدة التي علينا أن نعيها جيدًا أن هناك علاقة طردية بين تزايد الضغط على الكيان الصهيوني، وبين تفاقم تلك العوامل المؤذنة بانهياره.
وإذا سلمنا جدلاً بصحة التوقعات والتنبؤات التي تتحدث عن زوال دولة (إسرائيل)، فإن هذا الأمر يتطلب تحركًا كبيرًا للقيام بهذه الإزالة، على مختلف الأصعدة، ولا بد من التأكيد أن أكثر ما يقلق (إسرائيل) هو المقاومة الباسلة التي تردعهم في كل ميدان.
ومن ثمّ فإن زوال (إسرائيل) هو حقيقة حتمية يعلمها صُنّاع القرار في الكيان الإسرائيلي قبل غيرهم. وربما يطول الوقت أو يقصر، لكن ذلك لن يلغي حتمية الزوال، ولا يلغي أهمية اتخاذ الأسباب وترك الأُمنيات جانبًا؛ فالزوال لن يتم هكذا من تلقاء نفسه دون كفاح وعمل ومقاومة، وإلا فإنّ هذا من التواكل غير المحمود.
والخلاصة أن (إسرائيل) كيان غاصب وظالم ومصطنع، لا يجمعه عرق ولا أصل واحد جيء بهم من جنسيات شتى، هذا الواقع لا بد أن يتغير، وهذه طبيعة الأشياء. (وَيَقُولُونَ مَتَىٰ هُوَ قُلْ عَسَىٰ أَن يَكُونَ قَرِيبًا) (الإسراء:51).
https://twitter.com/drgamalnassar
هَلْ مِن وَقفَةٍ عَرَبيَّة غَداً.. بأَعلامٍ فلسْطينيَّة؟!
اغتيال شيرين أبو عاقلة.. درس لكافة الأحرار
السوشيال ميديا وغياب الذوق عند الموت