من المفترض أن يكون كلام قائد الجيش التابع لمجلس النواب، خليفة
حفتر، في خطابه الأربعاء الماضي، صادما لشركائه في الاتجاه السياسي الذي انتهى إلى تشكيل الحكومة الليبية برئاسة فتحي
باشاغا، ذلك أن ركيزة أساسية من ركائز التأييد لهذا الاتجاه هو الاعتقاد بتغير حفتر، وتأكيد تحوله من خيار الحرب والسيطرة على مفاصل الدولة بقوة السلاح، إلى مبدأ الشراكة السياسية والقبول بالإدارة المدنية للدولة.
حفتر خرج عن صمته الذي كان وفق رأي بعض الداعمين للحكومة الليبية إيجابيا، ويؤكد النوايا الحسنة لـ"المشير". وصمت حفتر لم ينته إلى التماهي مع الشراكة والالتزام بالخيار السلمي لحل أزمة البلاد، بل إنه عاد إلى سالف خطابه بالتعهد بتدخل الجيش لدعم خيارات الشعب، وخيارات الشعب تعني خيارات حفتر بلا شك، وهو الاختزال الذي يتحدث به المستبدون في كل العصور.
من الطبيعي أن يستخدم حفتر لغة التهديد والوعيد ويتحدث عن الدور الوطني للجيش وجهوزيته لتحقيق آمال وخيارات الشعب، فالعسكر يدركون مدى تأثير مفردات القوة والحزم في الرأي العام. ولقد خسر حفتر كثيرا خلال سنوات سيطرته العسكرية شرقا وجنوبا ومحاولة ضم الغرب إلى نفوذه، الذي بضمه تكتمل حلقات مسلسل التحكم في الدولة. كما أن حديثا انتشر حول مرضه، وهو من ثم يحتاج إلى أن يزيل بعض الركام ويجدد نظارته، خاصة أنه مناسبة الاحتفال بالذكرى الثامنة لإطلاق عمليته العسكرية لمواجهة الإرهاب، التي تحولت لاحقا إلى مشروع سياسي ورافعة إلى كرسي الحكم.
حفتر يتوق إلى الحرب، وفي تعثر المسار السياسي ما يحرك شجنه لمعاودة هوايته في استخدام القوة لإعادة ضبط "رتم" العملية السياسية لصالحه. فقد فشل رئيس الحكومة الليبية المدعوم من حفتر في الدخول لطرابلس
إلا أن حفتر يتوق إلى الحرب، وفي تعثر المسار السياسي ما يحرك شجنه لمعاودة هوايته في استخدام القوة لإعادة ضبط "رتم" العملية السياسية لصالحه. فقد فشل رئيس الحكومة الليبية المدعوم من حفتر في الدخول لطرابلس، وأمام حكومة الوحدة الوطنية برئاسة عبد الحميد
الدبيبة، أيام قبل
انقضاء أجلها وفق اتفاق جنيف، وسيصبح التلويح باستخدام القوة مبررا بل ضروريا، فكانت إشارات حفتر واضحة في هذا الاتجاه.
أيضا لا يمكن استبعاد الحاجة لمثل هذا الخطاب للتأثير على
حوار القاهرة، والضغط لدفعه باتجاه هوى حفتر ورغباته، فالأيام القليلة القادمة ستشهد انطلاق الجولة الثالثة للتفاوض بين مجلس النواب والمجلس الأعلى للدولة، التي ستتركز على معالجة نقاط الخلاف بين الجسمين؛ من بينها الاقتصار على الانتخابات النيابية أو المزامنة بينها وبين الانتخابات الرئاسية، وشروط الترشح للانتخابات الرئاسية، وهي مسائل تمس حفتر بشكل مباشر، ولن يقبل باتفاق بين الجسمين ينتهي بإخراجه من سباق التنافس على كرسي الرئاسة أو يفسح المجال لمرشحين أقوياء.
على الأرض، تظهر تحركات عسكرية تعطي لخطاب حفتر يوم الاحتفال بذكرى كرامته دلالة تتجاوز الأغراض والغايات السياسية، فالمعلومات تشير إلى تقديم حفتر الدعم لبعض الكتائب المسلحة في الغرب الليبي الموالية له والداعمة للحكومة الليبية برئاسة فتحي باشاغا، وهناك حديث عن تشكيل عسكري جديد يضم بقايا اللواء التاسع الذي قاده "الكانيات" بترهونة، واشتهر بقوة تسليحه ومهارة عناصره القتالية، الذي تفكك بعد خسارة حفتر وأنصاره في الهجوم على العاصمة، أيضا تجميع مقاتلين من بعض المناطق في الغرب الليبي التي دعمت حفتر في تحركه لدخول
طرابلس.
الشرخ الذي وقع ضمن القوات التي واجهت هجوم حفتر على العاصمة عام 2019م ببسالة يغري بمعاودة الكرة، إلا أن تماسك الجبهة التي تعارض حلف "حفتر- باشاغا" لا يستهان به، ولأن أنقرة ما تزال تتحفظ على هذا الحلف وتعتبره خادما للمصالح المصرية على حساب المصالح التركية، حيث إن التقارب التركي المصري لم يتطور إلى توافق حول الملف الليبي
تزامن هذا مع أخبار وصول قوات من الشرق إلى بعض مناطق الجنوب، فالقوة الموالية لحفتر التي تقوم بمطاردة خلايا تنظيم الدولة التي تتحرك في الجنوب كافية، ووصول القوة الجديدة، لا بد أن له علاقة بالرسائل التي يريد حفتر إرسالها إلى الداخل والخارج، من أن الشرق والجنوب تحت سلطته، والغرب ليس ببعيد عن حلفائه في الزنتان والزاوية وورشفانة وطرابلس حتى مصراتة، وهي الكتائب التي تؤيد فتحي باشاغا.
الشرخ الذي وقع ضمن القوات التي واجهت هجوم حفتر على العاصمة عام 2019م ببسالة يغري بمعاودة الكرة، إلا أن تماسك الجبهة التي تعارض
حلف "حفتر- باشاغا" لا يستهان به، ولأن أنقرة ما تزال تتحفظ على هذا الحلف وتعتبره خادما للمصالح المصرية على حساب المصالح التركية، حيث إن التقارب التركي المصري لم يتطور إلى توافق حول الملف الليبي، بل إن الشك والحذر هو الغالب حتى اليوم، فإنه من غير المتوقع أن يقدم حفتر على مغامرة كمغامرته قبل ثلاث سنوات.
وننوه إلى أن حفتر عبّر عن سخطه من تركيا في خطابه الأخير؛ بقوله إن الغرب الليبي يرزح تحت الاستعمار، في إشارة إلى الوجود العسكري التركي هناك، الأمر الذي يؤكد أن الموقف على الأرض ما يزال على ما هو عليه منذ عام 2019م، عندما تدخلت تركيا عسكريا لصالح حكومة الوفاق، والجبهة العريضة الداعمة لها، لردع حفتر وحلفائه الروس والفرنسيس والإماراتيين والسعوديين والمصريين.