"هل يستطيع التابع أن يتكلم؟"، كتاب يقع
في 115 صفحة، نُشر لأول مرة كنصٍ كامل عام 1988. لكاتبته الناشطة والناقدة
والباحثة الأمريكية من أصل بنغالي غاياتري سبيفاك. تناقش غاياتري مفهوم التّابعين
أو التّبع من الفئات الاجتماعية من أي لون أو جنس أو مكان ما. نَقله إلى العربية
المُترجم خالد حافظي، عن دار نشر صفحة سبعة/السعودية. نتناول بإيجاز أهم ما جاءت
به سبيفاك في كتابها عن التابع ومَفهومه.
من هو التابع subaltern؟
سطَّر اسم التابع، الفيلسوف الإيطالي أنطونيو غرامشي في كتابه "رسائل
السجن". يمثل التابع الفئات المُهمّشة، من الطبقات الفقيرة والأَدقع فقرًا،
بمختلف حِرفهم وأعمارهم ووجودهم الجغرافي في العاصمة والأقاليم. كَثُرت الدراسات
التي تتمحور حول "التابع" كمفهومٍ وممارسة، على السواد الأعظم من الشعب
الهندي المُستغَل من الطبقات البرجوازية الهندية المُتعاونة مع الاحتلال
البريطاني، والحاكمة بعد زواله.
مع بداية الثمانينيات، برز حقل دراسات
التابع، من أشهر منظّريه المؤرخ الهندي، رانغيت غوها، ولحقه شهيد أمين، وغيانيندرا
باندي، وسوميت ساركار، ودايفيد هادريمان، وبفضل تنظيرهم المبدئي، اهتم آخرون،
وصدرت مجلة دراسات التابعين Subaltern Studies. كما في مصر أيضًا تواجد
بعض المُهتمين بـتأريخ حياة التابعين، أبرزهم أستاذ التاريخ، خالد فهمي، كما في
أطروحته "كل رجال الباشا" عن حياة فلاحي مصر، أوائل القرن التاسع عشر.
تناقش غاياتري في كتابها، التنظير حول
مفاهيم السُلطة والمعرفة والخطاب، بين مجموعة من الكتاب وأساتذة الاجتماع مثل
ميشال فوكو وجاك دريدا وجيل دولوز وغوتاري، من ثم تنتقل وتركّز وتضرب بالممارسات
التاريخية على فترة الاستعمار البريطاني في الهند وما بعده.
تنتقد سبيفاك كَاتبي التاريخ الهندي،
سواء في الحقبة الاستعمارية البريطانية أو بعد الاستقلال، حيث تُنسب أي إنجازات
ثقافية أو قومية، إلى الإداريين والحكام البريطانيين، ومن بعدهم النخبة البرجوازية
سواء الاقتصادية أو الثقافية، فيما وصفتهم سبيفاك بـ "المُخبرين
المحليين"، في تهميش كبير لفئات من الشعب الهندي، دافعت عن استقلالها، أرضا
وثقافةً.
ومن ثم تنتقل سبيفاك لتحليل وتفكيك،
مدى الصمت الذي يلزَم هؤلاء التّابعين رجالا ونساء، وما هي دوافعهم للخروج عن هذا
الصمت والحديث والثورة، تستعين هي بـ الثوري الروسي فلاديمير لينين، بتعريفه
للوعي، حيث يقول "يرتبط الوعي بمعرفة العلاقات المتبادلة بين الطبقات
والمجموعات المختلفة، أي معرفة الموارد التي تُشكّل المجتمع"، وهذا ما يساعد
على فهم كيفية قياس مدى عدل الوضع القائم من عدمه، ومن ثمَّ كيفية الثورة عليه
وتغييره.
تُشير غاياترك أيضا إلى مدى صمت النساء
من الفئة التابعة، حيث ترصد سبيفاك، أن تابعين ما بعد الاستعمار، لا يملكون تاريخا
ولا يمكنهم الكلام، والتابع المؤنث في هذه الحالة، تكون أكثر وأعمق تهميشا وصمتا
من التابع الذكر، بل وازديادا على هذا البؤس، تواجهه التابع المؤنث، في وقتٍ ما
اضطهادا آخر، كوّنها امرأة، يقمعها ويَستفحل عليها ذَكرها التابع. تؤكد سبيفاك
دعمها للمرأة التابعة، وتؤكد على حقّها في الوعي، مثلها مثل الرجل، كما توضح أنّها
عانت بما أنها امرأة من بُعد استعماري من نظراتٍ دونية حول مدى وعيها بالمعرفة
والثقافة.
تتطرق سبيفاك إلى إشكالية المركزية
واللامركزية، المركزية التي لها الحق في العلم والتحضّر والنهوض، بينما تواجهه اللامركزية
التهميش وكُل ما هو أدنى وأقل من المركزية. ولذلك، تتولّد مفاهيم قائمة على
العنصرية والطبقية بين أهل هؤلاء وهؤلاء، ينتج عنها صَرع طبقي وأخلاقي، يَكمُن
بداخله حقدٍ واستحقار مُتبادل بين الشعب الواحد.
ما يجعل الكثيرين من أهل اللامركزية
ينزحون إلى المركزية، هروبا من التهميش، وبحثا عن الانتماء، كذلك بحثا عن الفرص
الاقتصادية التي تساعدهم بشكلٍ أو بآخر على التّرقي الاجتماعي والثقافي والمادي.
تُحذر أيضا هؤلاء المُهاجرين إلى المدينة، أن يحافظوا على هويتهم وألّا ينجرّوا
وراء حيوات الاستهلاك التي لا تنتهي، إغراءً من الثانية، أي الاستهلاك، التي تُعطي
لهم الاعتراف الاجتماعي والسُلطوي، كما يسمّيه أستاذ الاجتماع الألماني أكسيل
هونيث "النضال من أجل الاعتراف".
أيضا ركزّت سبيفاك في كتباها على نقد
كل التعريفات، التي تُنتجها الأكاديميا الغربية والأمريكية، بـوصفها البلاد
العربية والآسيوية والإفريقية بـ "الآخر"، تُسمّيه عنف امبريالي. تحاول
كذلك، نقد وتفكيك وجدال بشأن مفاهيمٍ فلسفية، عن السُلطة ودور المُثقف والاقتصاد
السياسي، في الحالة الاستعمارية وما بعد الاستعمارية.
في منطقتنا العربية والإفريقية ما زالت
دراسات التابعين مُهمّشة، بالرغم من أنّها تحمل الكثير والكثير من الحكايات
والمفاهيم والممارسات، التي شكّلت وسَتُشكل أحداث كثيرة وفارقة. في مصر تحديدا. لا
تستقر السردية التاريخية لدى التابع وهُم عُرفوا في فترة ما باسم "حزب الكنبة"،
أي الحزب الذي لا يتبَع أحد.
سردية التابع مُتغيرة دائمًا، فربما من
كان يرى أن ثورة يناير هي الخلاص الحقيقي يصفها بعد مرور أكثر من 11 عاما، بأنّها
كانت مؤامرة، والعكس. وربما من ثار وقاوم السلطوية القمعية والبرجوازية الفاسدة
قديمًا، يُستغل منها الآن في الحشد والتأييد. يجب أيضًا تأريخ حياة التابعين
ورؤاهم بمختلف أعمارهم وحرفهم عن أهم الأحداث في تاريخ مصر الحديثة، ألا وهي ثورة
يناير. من زاوية الشاشة، فقد نجحت السينما المصرية بطرحها عدة أفلام بالاقتراب من
حياة التابعين ونظرتهم لِثورة يناير، مثل فيلم "صرخة نملة" 2011،
"بعد الموقعة" 2012، "18 يوما" 2011، "حظ سعيد"
2012، "حرام الجسد" 2016، وغيرها. لكن، ما زال الواقع يحتاج إلى كثير من
الدراسات التي تتحدث عن التابع، مَتى تَكلم، وأين؟ وهل يستطيع مرة أُخرى؟ وكيف؟