كشفت صحيفة الواشنطن بوست عن فضيحة مدوية للنظام
السوري، وما أكثر فضائحه التي لا تنتهي، والتي لا يكلّ ولا يملّ منها، فكان آخرها
استئجاره
لمؤثرين غربيين على مواقع التواصل الاجتماعي من أجل غسل جرائمه ومجازره
التي ارتكبها؛ ولا يزال يرتكبها بحق الشعب السوري على امتداد حكم عائلة الأسد
المستمرة لنصف قرن.
فقد استأجرت هذه العصابة بحسب الصحيفة؛ المدونة نيوهام
لتتجول في أسواق مدينتي دمشق وحلب، وهي تُحمّل الجماعات المسلحة والقوى الأجنبية
مسؤولية تدمير المدينتين وغيرهما من المدن السورية على امتداد سنوات الثورة، لكن
المدونة النحريرة لم تقم بزيارة جامعة دمشق، ولم تعكس ما يجري في صالونات وكليات
الجامعة، ولا حرصت على عكس ما يجري في شوارع دمشق نفسها من بيع الكبتاغون كالعك،
ولم تتحدث أيضاً عن انقطاع التيار الكهربائي لساعات طويلة، ولم تتحدث عن معاناة
الأهالي والمدنيين ومضايقتهم في رزق عيشهم، ولا في حياتهم، التي تحوّلت معها دمشق
لأسوأ عاصمة للسكن بحسب التقييمات الدولية.
المدونة الغربية وأمثالها ممن استأجرهم النظام السوري،
ينطبق عليهم تماماً النائحة المستأجرة؛ لا يعنيهم في شيء مواصلة الاحتلال الروسي
وهو يدك محافظة إدلب بصواريخ موته الزؤام. ففي الوقت الذي كانت تتجول المدونة
الغربية وتبث من دمشق عن مسؤولية الجماعات المسلحة وحلفائها عن التدمير الذي لحق
بدمشق وحلب، كانت قذائف طائرات بوتين تمزق أجساد سبعة أطفال، بينهم أربعة إخوة،
ليحيل حياة أسر بكاملها إلى حزن وبؤس وعويل وبكاء، لكن النائحة المستأجرة لا
يعنيها ذلك كله، فهي تنوح لمن يستأجره
المدونة الغربية وأمثالها ممن استأجرهم النظام السوري، ينطبق عليهم تماماً النائحة المستأجرة؛ لا يعنيهم في شيء مواصلة الاحتلال الروسي وهو يدك محافظة إدلب بصواريخ موته الزؤام
ا ويدفع لها، وللهدف التي أتت من أجله.
أحرار الثورة من الإعلاميين والناشطين والمثقفين
والنخب بشكل عام، كانوا في المقابل الأم الثكلى يتألقون بعكس ما يجري للشمال
السوري المحرر، ورأينا اعتراضهم حتى على حليفهم التركي حين أدلى بتصريحات تمس
ثورتهم، مما عكس حالة من التوحد الثوري على مبادئ ثورية أعلن الجميع الالتزام بها،
وهو عدم التصالح مع العصابة الطائفية، والتمسك بمبدأ إسقاط النظام بكافة مفاصله
الأمنية والعسكرية، فكان الموقف عاماً وموحداً من أقصى يسار الفصائل الثورية إلى
يمينها.
المثير للضحك أن المؤثرين الذين يتم استئجارهم من قبل
العصابة الحاكمة في دمشق لا يتعدّى متابعيهم المائة والسبعين ألفاً، بينما نرى أن
متابعي مشاهير الثورة السورية أكثر من هذا بكثير، ويصر هؤلاء المؤثرون الغربيون
على عكس ما يقال لهم، فهم كالأبواق المستأجرة، وإلا فما هو تفسير عدم عكسهم ما
يجري على أيدي المحتل والمليشيات الطائفية، وكذلك ما يجري في إدلب ومناطق الثورة
السورية من قصف وتعديات بشكل شبه يومي، فضلاً عن مجازر النظام لأكثر من عقد، ومعه
أيضاً ما جرى من تدمير الاحتلالين الروسي والإيراني لحواضر عربية كبغداد ودمشق
وصنعاء وبيروت.. سوى العمى والحوَر الإعلامي والتصويري؟
يصر هؤلاء المؤثرون الغربيون على عكس ما يقال لهم، فهم كالأبواق المستأجرة، وإلا فما هو تفسير عدم عكسهم ما يجري على أيدي المحتل والمليشيات الطائفية، وكذلك ما يجري في إدلب ومناطق الثورة السورية من قصف وتعديات بشكل شبه يومي، فضلاً عن مجازر النظام لأكثر من عقد
أما الأعجب والأغرب من ذلك فإن العصابة الحاكمة في
دمشق عجزت وفشلت في الوصول إلى المؤثرين العرب، أو أنها ربما غير معنية بالجمهور
العربي ما دامت شرعيتها غير عربية وغير سورية من باب أولى، وربما غير معنية
بالمطلق بالجمهور العربي لأنها قد فقدت القناعة والأمل بإقناعه في روايتها، ونحن
نرى مدى ارتمائها في أحضان المشروع الاستعماري فقط من أجل البقاء في السلطة.
في ظل هذه الظروف الصعبة من هجمة إعلامية للعصابة
الحاكمة في دمشق، مدفوعة ومشفوعة هذه المرة بمؤثرين غربيين لتثبيت الرواية
والسردية الخاصة بالعصابة الحاكمة، يتطلب الأمر من كل القوى الثورية السورية،
ومعها القوى الثورية العربية والحرة، أن تضافر جهودها من أجل مواجهة سيل الدفق
الإعلامي الساعي إلى تجريم الثورة والثوار.
وعلى رأس الجهود المطلوبة هذه، التنسيق بين المفاصل
الإعلامية الثورية بغية تثبيت روايتهم وسرديتهم الأولى، وهو ما يتطلب شرحها بطريقة
مبسطة سهلة، تعكسها إعادة بث الشعارات التي رفعتها الثورة من حرية وكرامة، مع
التركيز على أن الشعب السوري صبر على هذه العصابة الحاكمة لنصف قرن وهو ما لم يحدث
ربما في التاريخ الحديث.. صبر عليها وهي تستأثر بالحكم، وصبر عليها يوم سجنته
وشردته وسلمت أرضه للعدو الصهيوني، وصبر عليها يوم استدعت احتلالات أجنبية، وهو
اليوم يطالب بأبسط مطالبه في الحرية واختيار من يحكمه.
ومع هذا لا بد من تنسيق الحملات الإعلامية الممنهجة
لتفنيد رواية وسردية العصابة الحاكمة، والتدليل على ذلك بأربعة عشر مليون مهاجر
مشرد، صوّتوا بأقدامهم ضد هذه العصابة الحكمة وسدنتها المحتلين، يوم تركوا كل
أرزاقهم وبيوتهم وفضلوا الهجرة على البقاء أذلة تحت عباءة العصابة الحاكمة.
وهنا لا بد من الإشارة إلى الفارق الكبير في العيش
والحياة بين مناطق العصابة الحاكمة ومناطق الشمال السوري المحرر، لا سيما من حيث
توفر الأمن والسلام، بالإضافة إلى توفر بعض الخدمات وعلى رأسها الكهرباء التي غدت
سلعة ميؤوسا من الحصول عليها في مناطق العصابة الحاكمة، وذلك على الرغم من وجود
احتلال مزدوج يدعم ويساند العصابة الحاكمة في دمشق اليوم، لكن الكل عجز عن تأمين
خدمة الكهرباء.
لم يعد سراً تدفق المخدرات والكبتاغون إلى الخليج وأوروبا
فضلاً عن دول الجوار، والقادم من مناطق سيطرة العصابة الحاكمة في دمشق، وغدت أخبار
سيطرة أجهزة أمن دول الجوار والأجهزة الأوروبية على شحنات الكبتاغون القادمة من
المناطق المحتلة أشبه ما تكون بنشرة الأخبار الجوية اليومية، حيث يصعب ويتعذر وجود
يوم دون الكشف عن شحنة جديدة، لكن الجديد اليوم هو الكشف عن شحنات الأطعمة الفاسدة
التي وصلت إلى أوروبا أخيراً وعلى رأسها الطحينة، فالنظام غير معني بمراقبة
الأطعمة والمنتوجات المصدرة، ما دامت وظيفته الأساسية والرئيسية لعقود هي مراقبة أنفاس الشعب السوري، وقطع كل
نفس يهدد بقاءه في السلطة، أما ما يهدد الشعب والعالم فهو غير معني به البتة.