للمرة
الثانية، أجبرت الحكومة
المصرية المزارعين على تسليمها طن أرز عن كل فدان (ما يعادل
25% من إنتاج الفدان)، وتوقيع عقوبات على الممتنعين عن التسليم، من أجل جمع مليون ونصف
مليون طن هذا الموسم، لتأمين احتياجات بطاقات التموين من هذه السلعة الاستراتيجية.
وفقًا
لبيان الوزارة، يبدأ توريد اﻷرز، من يوم 25 آب/ أغسطس الجاري، وينتهي في منتصف كانون
الأول/ ديسمبر المقبل، وفي حالة عدم الالتزام يُعاقَب المزارع بالمنع من
زراعة الأرز
الموسم المقبل، والحرمان من صرف الأسمدة والمبيدات المدعمة لجميع المحاصيل لمدة عام،
فضلًا عن سداد عشرة آلاف جنيه مقابل طن الأرز الذي لم يُسلم.
يبلغ
إجمالي المساحة المزروعة في مصر هذا العام مليونا ونصف المليون فدان، تنتج نحو ستة
ملايين طن من الأرز الشعير، وهي تنتج بدورها نحو 3.4 مليون طن أرز أبيض، وتستورد البلاد
جزءا من احتياجاتها من الخارج لتلبية احتياجات السوق.
وهذه
المرة الأولى التي تجبر فيها الحكومة المصرية على توريد ربع المحصول لها، والمرة الثانية
بعد إلزامها بتوريد 60% من محصول
القمح في آذار/ مارس الماضي، بسعر يقل نحو 30% عن
السعر العالمي وسط رفض واسع من قبل المزارعين.
ولكن
الحكومة فشلت حتى الآن في جمع الكمية التي حددتها من القمح عند 6 ملايين طن قبل أن تخفضها
إلى 5.5 مليون طن مع انخفاض معدلات التوريد، وتفضيل توريدها للقطاع الخاص بأسعار أعلى
تتناسب مع التكلفة المرتفعة رغم توعدها بعقوبات للمخالفين تصل للحبس لتأمين إنتاج الخبز
المدعم.
وحددت
وزارة التموين الأسعار بواقع 6600 جنيه لطن الأرز رفيع الحبة، و6850 جنيها لطن الأرز
عريض الحبة، ووصفت أسعار التوريد هذا العام بأنها مجزية جدا، وتحمل هامش ربح جيد وعادل
للمزارعين، لكنها تقل عن أسعار السوق المحلية (الدولار يساوي 19.19 جنيه).
وانتقد
أستاذ العلوم الزراعية والمستشار السابق بوزارة التموين، الدكتور عبد التواب بركات،
قرار الحكومة ووصفه بالمجحف بحق
الفلاحين، وقال: "الحكومة المصرية تجبر الفلاح
على التوريد الجبري للأرز بعد القمح لأنه المواطن الوحيد في الدولة الذي لا يجد من
يدافع عنه ضد النهب الحكومي والإفقار الممنهج له، وأستطيع الجزم بأن الفلاح المصري
هو أكبر داعم للدولة، حيث يزرع القمح والأرز والبنجر وقصب السكر بتكلفة ضخمة من جيبه
الخاص ومن قوت عياله بلا أدنى دعم".
وأضاف
لـ"عربي21": "الفلاح يشتري الأسمدة الكيماوية والتقاوي والبذور بأعلى
من السعر العالمي، ثم يحتكر النظام شراء هذه المحاصيل، وينهبها بسعر يقل عن السعر العالمي
بـ50 بالمئة، ولولا الفلاح المصري والإنتاج الزراعي من القمح والأرز والبطاطس واللحوم
والدواجن وبيض المائدة لتضاعفت أسعار الغذاء ولقامت ثورة على النظام منذ سنوات".
وتوقع
بركات: "أن يفشل النظام في جمع الكمية المستهدفة من الأرز كما فشل في شراء الكمية
المستهدفة من القمح، لأن الحكومة التي تحارب زراعة الأرز وتسجن من يزرعه، تشتري الأرز
المحلي من الفلاح بسعر وتبيعه في ليبيا ودول الخليج بخمسة أضعاف سعره، وبالتالي فسيفضل
الفلاح أن يبيع الأرز للمستهلك المحلي بالسعر العادل الذي سيزيد على السعر المعلن من
الحكومة ولن يسلمه لها".
الفلاح..
رمانة الأمن الغذائي
بدوره،
قال الإعلامي المتخصص في الشأن الزراعي المصري، جلال جادو: "في الحقيقة طريقة
تعامل النظام العسكري في مصر مع الفلاحين تؤكد أنه نظام معزول عن العالم، أسعار كل
السلع الزراعية ارتفعت بصورة كبيرة منذ بدء جائحة كورونا ثم جاء الغزو الروسي لأوكرانيا
ليزيدها اشتعالا خاصة القمح والذرة، لكن بخصوص الأرز فهو محصول آسيوي والدولة الأولى
في العالم في إنتاجه هي الصين التي تعاني الآن من جفاف كبير خاصة في أماكن إنتاج الأرز".
وأوضح
لـ"عربي21": "المحصول في مصر هذا العام جيد ربما بسبب الظروف الجوية
الملائمة للأرز، لكن الدولة كالعادة تترك الفلاح وحده في مرحلة الإنتاج، هي فقط تشاركه
وقت الحصاد كما فعلوا في القمح الذي حاولوا إجبار الفلاحين على توريده بسعر نصف السعر
العالمي، لكنهم فشلوا فلم يستلموا إلا أقل من 4 ملايين طن بحسب وزير التموين ثم جاء
الدور على الأرز"، مشيرا إلى أن "هذه ربما تكون المرة الأولى التي يجبر فيها الفلاح
على تسليمه للدولة فهو محصول متوفر وكانت مصر تصدره حتى عدة سنوات خلت، لكن تداعيات
السد الإثيوبي أجبرتهم على تقليل المساحة إلى الحدود الدنيا".
واعتبر
جادو سعر توريد الأرز للحكومة "ظلما بيٍّنا للفلاح؛ لأن تكاليف الزراعة ارتفعت بشكل
كبير بعد تحرير أسعار الأسمدة والوقود وقلة الأيدي العاملة، ثم كيف تريد أن تحصل على
الطن بـ 6600 جنيه لطن الأرز رفيع الحبة و6850 جنيها لطن الأرز عريض الحبة في الوقت
الذي يقترب طن الأرز الشعير من 11 ألف جنيه، وطن الأرز الأبيض يزيد على 17 ألف جنيه،
وطن علف المواشي يزيد على 12 ألف جنيه، وطن الذرة يقترب من 10 آلاف جنيه، هذا محليا
أما عالميا فسعر الأرز الذي لا يقارن بالمصري عالي الجودة يتراوح بين 500 و 1000 دولار
للطن".
وحذر
من أن "استمرار هذه السياسة مع الفلاح المصري ستجبره على التخلي أو تقليل المساحة
أو البعد تماما عن زراعة المحاصيل الاستراتيجية"، وقال: "أرجو أن تعيد الحكومة
المصرية النظر وتدعم الفلاح قبل فوات الأوان، فهو رمانة ميزان الأمن الغذائي بالبلاد".