كتبت صحفية زميلة: "عماد أديب أراد أن يتوهنا"، كان هذا تعليقاً لها على مقاله الأخير "وصيتي الأخيرة لبلادي ورئيسي"، المنشور بالأمس (الأحد) 28 أغسطس/ آب، فهل كان يستهدف أن "يتوهنا" حقاً؟!
في الواقع أن هذا المقال كتبه لقارئ واحد هو الذي ذكره في العنوان، "رئيسي"، وبدا فيه كما لو كان مذكرة شارحة لمقاله الأول (14 سبباً لسقوط الحكام والأنظمة)، بعد الهجوم الذي تعرض له، وقد رأى نيوب الليث بارزة، فأدرك بحنكته أن الليث ليس في مقام الابتسام، وإذ تراجع وقال إنه لا يقصد النظام المصري، فلم يسلم له أحد بذلك، لاسيما وأن نقاطاً بعينها لا يمكن البتة أن تسري سوى على هذا النظام، مثل "حاكم يعطي امتيازاً خاصاً استثنائيا لجهاز سيادي.."، ولا نعتقد أنه بذلك يقصد النظام في الشقيقة الكبرى "بوركينا فاسو"، فكل الأسباب تنطبق على أهل الحكم في القاهرة، ولهذا عجز عن ذكر سبب واحد فقط من بين الأسباب، لا يسري على القوم، ليثبت براءته، ولهذا كان لزاماً عليه كتابة هذا المقال المطول، الذي لم يستهدف به القارئ البتة، فقد توجه به إلى رئيسه، الذي قد يطربه على المستوى الشخصي، أن يقدم للرأي العام على أنه الحاكم الذي يقف العالم كله ضده، وأنه ضد إرادة هذا العالم، فشرق وغرب في المقال، حتى اعتقدت الزميلة الصحفية إنه "يتوهنا"!
وكتب: "فلن يغفر الإخوان وتركيا وقطر والاتحاد الأوروبي والأمريكيون للمؤسسة العسكرية المصرية العظيمة لأنها قامت بالانحياز إلى الشعب المصري في 30 حزيران من دون التنسيق أو الترتيب... وما زالت مشاعر الثأر لدى هؤلاء موجودة وتنتظر لحظة تصفية الحساب"!
وقد أجهد نفسه في ترديد النغمة التي ترددها الأبواق الإعلامية من أن أصل الأزمة الاقتصادية التي تعاني منها مصر هي بسبب الحرب الروسية ـ الأوكرانية، وأن مصر من أكبر ضحايا هذه الحرب لأنها بين ليلة وضحاها وجدت أن موازنة انفاقها زادت ما بين 35 ملياراً إلى 45 مليار دولار لتغطية ارتفاع أسعار الطاقة والحبوب والأسمدة، وذهب الى ترديد نغمة السيسي نفسه بأنه ورث الأزمة من ثورة يناير بل ومنذ عام 1952!
ولأن هناك من عز عليهم هذه "الزفة" التي نصبت لمقال عماد أديب الأول، واعتبروها تدشن لمولد زعيم، وذلك على غير الحقيقة، فقد اندفعوا يحطمون هذه القامة، بالقول إنه في المقال الأخير "وصيتي الأخيرة لبلادي ورئيسي" قد تراجع، وعليه فقد احتفلوا بانهيار هذا الصنم سريعاً، فات هؤلاء أن أحداً لم يقل بزعامة أديب ولم يحسبه على المعارضة، ولم يحيل اسمه بالمقال إلى "قائمة الشجعان"، فالمقال يرصد من طرف من خارج المعارضة، أزمة النظام المصري، لاسيما وأن الكاتب محسوب على دوائر إقليمية لا يستهان بها وهي التي وقفت مع الانقلاب على الثورة، وأنجحت انقلابها، فهل بدد "مقال التراجع" هذه المخاوف؟!
المشروع الشرير:
منذ السطر الأول تحدث عماد أديب عن "مشروع شرير" يجري الإعداد له منذ فترة لتحميل السيسي فاتورة ومسؤولية الأزمة الاقتصادية الضاغطة، وأن هذا المشروع الذي تقف خلفه قوى إقليمية؛ قطر وتركيا. ودولية؛ أمريكا والاتحاد الأوربي، يستهدف اسقاط المؤسسة العسكرية الوطنية بقيادة الرئيس السيسي، وأن هذا المشروع "يتداول بين أجهزة عدة دولية وإقليمية ودولية"!
لكنه يزيد الأمر توضيحاً بالإشارة بأن المستهدف هو شخص السيسي "لتحميل المسؤولية بشكل ظالم لشخص الرئيس المصري"، فالجيش ليس المستهدف بـ "المؤامرة الكونية" حتى يستنفر إلا من حيث أن السيسي على قمته، لتبدو هذه المؤامرة كما لو كانت تدور في قصة ابعاد السيسي عن الحكم!
وقد طمأن فؤاد من قد يرعبهم المخطط الخطير من أن هذه القوى وان كانت لا تريد أن ترى مصر القوية، ولا تسعى الى الاعتراف بنجاح مشروع السيسي للإصلاح، لكنها في الوقت ذاته تخشى الانهيار الكامل للنظام في مصر!
لن يسلم السيسي بأن شعوراً بالثأر يملأ قلب قوى إقليمية ودولية ضده، تماماً كما لن يسلم أحد برواية عدم سعي هذه القوى الكونية للاعتراف بنجاح مشروع السيسي للإصلاح؟ فالسيسي ستطربه دعاية وقوف القوى ضده، وأنه "أثناسيوس" الذي قالوا له: "العالم كله ضدك" فقال: "وأنا ضد العالم"، وسيعتبر أن الكاتب يقدمه في صورة "بطل الصحراء"، دون أن يدفع ثمن هذه البطولة، لأنه يقرأ من ظاهر النصوص!
أما دوائره فسوف تنتهي من ذلك بوجود أزمة سببها السيسي، لأنها لن تسلم بفكرة مشروع الإصلاح، فالسيسي نفسه لا يقر بوجود مشروعاً لديه، وكل أعماله ارتجالية بدون دراسة جدوى، مستهيناً بكل النظريات الاقتصادية حتى أحيط به من كل جانب!
إسقاط عمود الخيمة:
خلاصة المخطط الشرير ما ذكره "عماد أديب": "هو اسقاط عمود الخيمة، ولا شك أن هناك جانب تخويفي في المقال، لأنه لا قطر ولا تركيا ولا حتى التنظيم الدولي للإخوان ضالعين في مشروعات من هذا النوع، لكن اذا كان هناك ثمة مشروع فهو من حلفاء السيسي القدامى الذي قد يرون في سقوطه فجأة خطراً على مصالحهم في مصر، وبعضهم دفع له كثيراً من لحم الحي، ويريد أن يجني ثمار ما دفع، ولا توجد ألية لانتقال السلطة بشكل سلمي، ولم يمكن من صناعة بديل، حتى مع خلو الموقع بالوفاة الطبيعية، فماذا لو حدثت ثورة والأجواء مشحونة، ويدرك الجنين في بطن أمه، أن الأوضاع تقف على شرارة لن يكون الإخوان بتنظيمهم الدولي من يشعلها!
دعك من قطر وتركيا ودعك كذلك من التنظيم الدولي للإخوان، فلا أعرف إن كان "عماد أديب" يدرك خطورة الدعاية بأن الأمريكيين والاتحاد الأوروبي ضد السيسي أم لا؟!
فطول حكم مبارك استقر في وجدان المصريين، أنه يستمد قوته واستمراره من الرضا الأمريكي عليه، وما دامت أمريكا معه، فلن يتمكن الشعب المصري كله من اسقاطه، وهي الفكرة التي سقطت في لحظة خروج الناس في ثورة يناير، لكنها عادت للوجدان مرة أخرى وروجت الأبواق الإعلامية للمجلس العسكري أن قرار عزل مبارك كان أمريكيا بالأساس، فلما حدث الانقلاب العسكري، عاد الحديث مرة أخرى إلى أنه لا يمكن لأحد أن يحكم مصر الا بموافقة أمريكية، وهذه الموافقة في جيب السيسي وحده!
إن المقال يحمل في طياته رسائل تخويف، لابد وأن ترعب السيسي عندما يقول إن هذا المشروع الذي فيه أمريكا والاتحاد الأوروبي يخطط لإعادة فتح موضوع رابعة مرة أخرى، و"هناك جهد سري يجري الإعداد له لطرح الموضوع أمام المحكمة الجنائية الدولية"!
ولهذا فقد كان نظام مبارك حريصاً على التأكيد على متانة العلاقات بين مبارك والإدارة الأمريكية، وفي كل عام وعندما يحج الرئيس إلى البيت الأبيض، كان مناسبة للدعاية الداخلية عن مكانة مبارك لدى الرئيس الأمريكي، وعندما أهان بوش الابن مبارك، و"لطعه" لساعات في البيت الأبيض قبل أن يخرج اليه ولا يستقبله في مكتبه كما جرى العرف، ولكن يسحبه إلى حديقة البيت الأبيض، خشى النظام من دلالة هذا عند الشعب المصري، ومن هنا كتب الوفد المرافق له من رؤساء التحرير، عن أن هذا يدل على حميمية العلاقة بين الرئيسين، فتعامل بوش مع مبارك بعيداً عن البروتوكول، فلم يعامله كرئيس ولكن كصديق!
وإذ التقى الرئيس الأمريكي في اليوم التالي برئيس وزراء إسرائيل في مكتبه، فقد كتب سمير رجب الصحفي المقرب من مبارك، أن هذا دليل على أن علاقة الرئيس الأمريكي بمبارك أكثر حميمية من علاقته برئيس الحكومة الإسرائيلية، فتحدث مع الرئيس المصري في الحديقة بينما جلس مع الثاني بشكل رسمي في مكتبه!
ولم يكن مصطفى الفقي، المدير السابق لمكتب مبارك للمعلومات، يكشف أسرار عمالة النظام عندما قال في حديث تلفزيوني إن أي رئيس مصري قادم لابد أن توافق عليه أمريكا وإسرائيل، فقد كان هذا في سياق الطلب من المصريين أن يصرفوا النظر عن أن لهم إرادة في الأمر، فلا يعتقدوا أنهم أصحاب قرار في رفض التوريث!
فماذا يمكن أن يفهم الناس من الدعاية بأن أمريكا منخرطة في مخطط لتنحية السيسي، وليست وحدها بل معها الاتحاد الأوروبي في هذا!
الجنائية الدولية ورابعة:
إن المقال يحمل في طياته رسائل تخويف، لابد وأن ترعب السيسي عندما يقول إن هذا المشروع الذي فيه أمريكا والاتحاد الأوروبي يخطط لإعادة فتح موضوع رابعة مرة أخرى، و"هناك جهد سري يجري الإعداد له لطرح الموضوع أمام المحكمة الجنائية الدولية"!
قانوناً فإن المحكمة الجنائية الدولية ليست جهة اختصاص، لأن مصر لم توقع على المعاهدة الدولية التي تمكن هذه المحكمة من ذلك، وقد أحبط هذه الخطوة "برلمان الثورة" بأغلبيته الإسلامية، عندما عرض عليهم الأمر، ورفضوا التوقيع بطفولة سياسية لا تخطئها عين، عندما خصصوا جلسة لذلك، رفضوا فيه الاتفاقية، ثقة منهم في القضاء المصري النزيه والشامخ!
فهل لدى عماد أديب معلومات فعلا عن "تحركات سرية" لذلك، تتجاوز فكرة الاختصاص القانوني، ما دامت واشنطن والاتحاد الأوروبي ضالعين في مشروع اسقاط "عمود الخيمة"؟!
لقد أراد عماد أديب من مقاله النجاة، لكنه أكد على وجود أزمة تحيط بنظام السيسي، وهي أزمة تستثمر في غضب المصريين، وما طلبه لنزع فتيلها، من وجود أفكار إبداعية غير تقليدية ومن استدعاء رجال (شركاء) في تحمل حجم التحدي، هو أمر يخالف تماماً طبيعة السيسي، لكن المقالات الثلاث كشفت أن قنوات الاتصال بين عماد أديب والسيسي مسدودة، فلم يمكنه أن يطرح أمامه رؤيته، ويخبره بما لا يعلم من مشروع لإسقاطه ومخططات سرية، تشارك فيها واشنطن والاتحاد الأوروبي!
خلاصة المقال: المكان محاصر.. والعالم كله ضدك يا سيسي!
قراءة في خرائط النفوذ والتحالفات في المنطقة العربية (1)
ليبيا.. حول إعادة تفعيل الدائرة الدستورية
ليبيا.. الصدى المدوي لطبول الحرب