صحافة دولية

فورين بوليسي: هل تتخلى تونس عن المغرب لصالح الجزائر؟

خلص كاتب المقال إلى أنه "من غير الواضح إلى متى قد يستمر التمحور التونسي"- رئاسة تونس

نشرت مجلة فورين بوليسي، مقالا للصحفي سايمون سبيكمان كوردال، تناول فيه "تحول موازين القوى" في دول شمال أفريقيا، مع تعدد الأزمات التي يشهدها العالم،

 

واعتبر الكاتب أن نجم الجزائر بدأ في الصعود، تزامنا مع الطلب الأوروبي على غازها الطبيعي وتراجع النفوذ المغربي، وصولا إلى قرار تونس دعوة زعيم حركة استقلال الصحراء الغربية، جبهة البوليساريو، في مؤتمر استثماري، وهي خطوة على ما يبدو مصممة لإزعاج المغرب.

 

وحسب كاتب المقال، تقاتل جبهة البوليساريو، بدعم جزائري، من أجل ضمان استقلال الإقليم المتنازع عليه في الصحراء الغربية منذ عام 1973، وهي خطوة اعترض عليها المغرب بشدة منذ أن سيطر على الإقليم بطريقة دراماتيكية بعد ذلك بعامين، عندما زحف حوالي 350 ألف مغربي يحملون العلم على الصحراء في "المسيرة الخضراء" بالرباط وأجبرت إسبانيا على تسليمها.

 

وهربا من التقدم المغربي، توجه السكان المحليون، الصحراويون، إلى الجزائر، حيث استقروا في نهاية المطاف في مجموعة من مخيمات اللاجئين بالقرب من تندوف، حيث ظلوا هناك منذ ذلك الحين.

 

وعلى مدى عقود، ظلت تونس تنظر إلى الأمام، وحافظت على موقفها الحيادي حيث كان كلا الجانبين يتنافسان على الهيمنة.

 

ومن خلال دعوة قيس سعيد لإبراهيم غالي، زعيم البوليساريو ورئيس الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية المعلنة من جانب واحد، إلى مؤتمر كانت تعقده جنبا إلى جنب مع اليابان، فإن هذا الحياد أصبح موضع تساؤل.

 

وأكدت الدعوة، بالنسبة للعديد من المراقبين، ما اشتبه فيه الكثيرون: أن تونس تزداد قربا من الجزائر، ربما على حساب علاقاتها الوثيقة تاريخيا مع المغرب، في حين أن علاقات الرباط مع اليابان، التي تتمتع تونس بعلاقة جيدة معها، أصبحت موضع شك.

 

وبالاعتماد على الجزائر كمورد رئيسي للطاقة خلال الأزمة الاقتصادية التي لا نهاية لها في تونس على ما يبدو، ومع دعم الجزائر الصريح لشرعية الرئيس، من المحتمل أن يكون النفوذ المتزايد للجزائر بارزا في أفكار سعيد.

 

على الرغم من أن حساسية المغرب تجاه موضوع الصحراء الغربية قد تبدو مفاجئة، إلا أن مصير المنطقة أصبح ركيزة أساسية لنظرة المملكة للعالم.

 

وأدى انتقاد صفقة الرباط بشأن المنطقة مع إدارة ترامب وكذلك السماح بالوصول إلى المرافق الطبية في البلاد إلى انهيار دبلوماسي مع ألمانيا وإسبانيا، حيث انجرت الأخيرة أيضا إلى فضيحة تجسس.

 

في حديثه قبل المؤتمر مباشرة، استخدم العاهل المغربي الملك محمد السادس خطابا متلفزا لإرسال ما قال إنه رسالة واضحة للعالم، حيث قال للمشاهدين، "قضية الصحراء هي المنظار الذي يرى المغرب من خلاله بيئته الدولية".

 

في الآونة الأخيرة، في كانون الأول/ ديسمبر 2020، بدا موقف المغرب مؤكدا. ووافقت واشنطن على الاعتراف رسميا بمطالبة الرباط بالصحراء الغربية مقابل إيماءة مماثلة تجاه إسرائيل. تصالحت إسبانيا وألمانيا - وكلاهما منتقد سابق لتعامل المغرب مع الصحراويين - مع المملكة، ودعمتا خطة الرباط لتأسيس شكل من أشكال الحكم شبه الذاتي داخل المنطقة، وهي خطوة قاومها الشعب الصحراوي، الذي أصر على إجراء استفتاء، لتحديد مصير المنطقة.

 

اقرأ أيضا:  هل يحضر ملك المغرب القمة العربية بالجزائر؟ مجلة فرنسية تجيب

 

ومع ارتفاع أسعار الغاز في أوروبا، تتمتع الجزائر - ثالث أكبر مورد للغاز لأوروبا (بعد روسيا والنرويج) والداعم الرئيسي لجبهة البوليساريو - بنهضة دبلوماسية.

 

ويتمتع كل من السياسيين الأوروبيين والمتنفذين الإقليميين باهتمام متجدد بالجزائر، ومن بينهم سعيد التونسي.

 

وضمنت زيارته في تموز/ يوليو إعادة فتح الحدود البرية، التي تم إغلاقها قبل عامين لاحتواء انتشار كورونا، مما سمح للأسر الجزائرية بالسفر إلى تونس ودعم صناعة السياحة المنكوبة في تونس.

 

كما تعتمد تونس أيضا على الجزائر في الحصول على الغاز الخاص بها، حيث تشتريه بسعر مخفض، فضلا عن تلقي إيرادات لنقل الغاز الجزائري المتجه إلى صقلية ثم إلى بقية أوروبا عبر أراضيها.

 

وقال رؤوف فرح، المحلل البارز في "غلوبال إينيسياتيف"، لموقع فورين بوليسي: "الحرب في أوكرانيا وتأثيرها على أوروبا من حيث إمدادات الغاز تعيد وضع الجزائر كلاعب مهم في غرب البحر الأبيض المتوسط. والرباط قلقة بشأن هذا أكثر من قدرتها على الحصول على إمدادات الغاز بأسعار تنافسية بعد إغلاق خط أنابيب [المغرب العربي- أوروبا]، الذي كان يمد إسبانيا عبر المغرب".


ومحنة الصحراويين هي واحدة من أطول أزمات اللاجئين في العالم.

 

ومنذ عام 1975، لجأ آلاف الصحراويين إلى الصحراء الجزائرية، في انتظار فرصة العودة إلى ديارهم.

 

وتم إنهاء الحملة العنيفة التي خاضتها البوليساريو ضد الرباط في عام 1991 تقريبا بوقف إطلاق النار بوساطة الأمم المتحدة، مما أدى إلى سلام صعب.

 

ومع ذلك، حتى هذا يبدو غير مؤكد، مع تزايد الاشتباكات بين جبهة البوليساريو والمغرب خلال العامين الماضيين.


في غضون ذلك، تقدر الأمم المتحدة أن حوالي 90 ألف "لاجئ معرض للخطر" يحتمون في الصحراء، معتمدين على المساعدات الدولية فقط للحصول على طعامهم اليومي ومأواهم.

 

ولقد ثبت أن نقل اللاجئين يمثل مشكلة محفوفة بالمخاطر لجميع المعنيين، حيث تعمل جميع المشاكل السياسية والاقتصادية على منع التقدم.

 

ورغم وجود بعض البنية التحتية، حيث يدير اللاجئون دولة في المنفى، قال محمود باهيا العوا، الكاتب والشاعر الصحراوي، لمجلة فورين بوليسي - مما وصفه بأنه منفاه في إسبانيا - إن الحياة ظلت صعبة.

 

وأوضح: "الظروف الجوية سيئة بشكل خاص في هذا الجزء من جنوب الجزائر، حيث يمكن أن تصل درجات الحرارة في الصيف إلى أكثر من 50 درجة مئوية (120 درجة فهرنهايت)، مما يتسبب في وقوع إصابات بين كبار السن والأطفال والحوامل".

 

وفي حين أن نفوذ الجزائر قد تعزز في الوقت الحالي، فإن مقدار الاختلاف الذي سيحدثه في النزاع الذي أثارته الحكومة الأمريكية بطريقة دراماتيكية في نهاية إدارة ترامب لا يزال غير واضح.

 

وبالنسبة لجوناثان هيل، وهو مؤرخ من كينجز كوليدج لندن، فإن مصير الصحراء الغربية والصحراويين، على مدى عقود، قد تحول من مشكلة واقعية إلى موقف سياسي ثابت، وعلى هذا النحو، هناك خطر بأن يصبح صعب الحل.


وقال: "المشكلة في الحقيقة هي مشكلة القيادة. في عام 1976، في وقت المسيرة الخضراء، كانت هناك مشكلة عملية أدرك الجميع أنها بحاجة إلى حل. ومع ذلك، مع وجود قيادات ثابتة نسبيا في كل من الجزائر والمغرب، حيث لا يوجد تغيير كبير في الموظفين، تم السماح للنزاع بالاندفاع إلى النقطة التي أصبح فيها مصير الصحراويين حقا مسألة إيمان".


وخلص كاتب المقال إلى أنه "من غير الواضح إلى متى قد يستمر التمحور التونسي".

 

ومع ذلك، فإن حقيقة قيام تونس بهذا التمحور أصلا تشير مباشرة إلى نظام جديد بصدد التشكل داخل المنطقة - سواء استفاد الصحراويون من ذلك أم لا.