نصران مؤزران
حققتهما الطبقة السياسية في
لبنان في تشرين الأول/ أكتوبر، شهر الانتصارات العربية
الخالدة: توقيع
اتفاق ترسيم الحدود البحرية مع إسرائيل وفق الشروط اللبنانية، وبدء
برنامج
طرد اللاجئين السوريين، وهو هدف طالما اشتغلت عليه الطبقة السياسة
اللبنانية.
فاحت من خطاب
الرئيس ميشال عون، الذي دمج ترحيل
اللاجئين بالاتفاق على الترسيم، رائحة غير
نظيفة، فالأمر رغم أنه في عرف الطبقة السياسية انتصار، إلا أن هذه السلطة المفلسة
كان بإمكانها تأجيل إعلان الترحيل إلى مناسبة أخرى، وترك الشارع اللبناني حتى يهضم
الإنجاز الأول ويستنفد طاقة الفرح. هكذا يفعل السياسيون، يبيعون الإنجازات لشعوبهم
بالتقسيط، إلا إذا كان طرد اللاجئين أحد مخرجات اتفاق الترسيم، على الأقل هذا ما
تثيره المزامنة اللافتة بين توقيع الاتفاق والبدء بترحيل السوريين.
لذلك، ذهب بعض
"الخبثاء" إلى القول بأن دمج الترحيل هدفه إخفاء عيوب اتفاق الترسيم، أو
على الأقل جعله مقبولا مع منكهات طرد اللاجئين. بالطبع هذا كلام خبيث، ومن لا يصدق
فليقرأ إعلام
المقاومة الذي يقول؛ إن إسرائيل وقعت الاتفاق وهي جاثية على ركبها.
بالطبع ليس مهما ما قاله رئيس الوفد اللبناني في مفاوضات الترسيم، العميد بسام
ياسين، من أن لبنان كان قد حصل في اتفاق 17 أيار/ مايو 1983 على شروط أفضل، عبر
استعادة خمسة كيلومترات متر من الشاطئ، في حين تنازل الاتفاق الحالي عن هذه المساحة.
والمعلوم أن المقاومة أسقطت اتفاق 17 أيار/ مايو، وتعد هذا الحدث أحد دعائم
شرعية وجودها وسلوكها!
ذهب بعض "الخبثاء" إلى القول بأن دمج الترحيل هدفه إخفاء عيوب اتفاق الترسيم، أو على الأقل جعله مقبولا مع منكهات طرد اللاجئين
لكن بعيدا عن كل
ذلك، يبقى من غير الجائز ربط الأفعال السامية بالمتهافتة، فطرد اللاجئين هو في
نهاية الأمر سقطة أخلاقية وسياسية كبرى، لا بد أن السياسي اللبناني الحاذق يدرك
معانيها الحقيقية، ومن ثم يسعى إلى شطبها من قائمة الإنجازات الوطنية السامية،
وهي فعل من مفرزات الشعبوية الكريهة، وعمل يؤشر على
عنصرية بغيضة؛ لم تكلف الطبقة
الحاكمة على الأقل سترها وتوريتها، في الوقت الذي يحاكم جزء من هذه الطبقة الغربَ
الاستعماري على عنصريته وتعاليه، رغم أن أولئك المتعالين لم يكتفوا باستقبال
اللاجئين، ومنحهم منازل تؤويهم ومعونات مالية تساعدهم على تدبير شؤون حياتهم، وإرسال
ما تيسر لذويهم في
سوريا ولبنان، بل جعلوا من أنفسهم خدما وأدلاء للاجئين عبر آلاف
المتطوعين الأوروبيين الذين سهّلوا اللجوء على اللاجئين.
بالطبع، لا أحد
ينتظر من لبنان الفقير القيام بما يوازي ما يقدمه الغرب للاجئين، كما أن الشارع
اللبناني في غالبيته يتفهم ظروف اللاجئين السوريين، لكن المقصود هنا أنه لا يحق
لمن يزاود ليل نهار بالمقاومة وبنقد الغرب الاستعماري، ممارسة سياسات قد يخجل من
ممارستها أعتى عتاة العنصرية في أوروبا، فحتى مارين لوبان لم تقل يوما أنها ستطرد
اللاجئين، بل ركزت على تشديد سياسات الهجرة.
لكن لِمَ العجب؟
فحزب الله، الذي يقود ويرعى الطبقة السياسية الحالية، يصنف مشاركته في قتل
السوريين وتهجيرهم واستبدالهم بسكان آخرين على أنها مقاومة شريفة. وبحسب تقارير
موثقة، فإن أكثر من ثلثي اللاجئين السوريين في لبنان جاؤوا من مناطق سيطر عليها حزب
الله، في أرياف دمشق وحمص الغربية، ويرفض الحزب عودة هؤلاء إلى مناطقهم، وفي الوقت نفسه، يطالب بطردهم من لبنان. إلى أين يذهبون؟! وثمة من لا زال يسأل: لماذا يركب
اللاجئون في لبنان مراكب آيلة للغرق؟ّ
باختصار، فإن
إنجاز الطبقة السياسية اللبنانية ستكون له نتيجتان فوريتان؛ الأولى، تسليم الآلاف
من السوريين لعصابة الأسد، وهؤلاء لن يعودوا إلى ذويهم الذين سينسون وجوههم
وأصواتهم، بعد أن تتم إضافتهم لمئات الآلاف الذين رحلوا بـ"السكتة
القلبية" على ما تؤكد تقارير الموت تحت التعذيب. والثانية، ازدحام مواكب
مراكب الغرق وازدهار سوقها (تفيد معلومات كثيرة أن بعض الطبقة السياسية شريك في
هذه التجارة التي تدر الملايين)، إذ لن يجد اللاجئ المطلوب لمقصلة الأسد والمتروك
لمصائر سوداء أي خيار أمامه، سوى تجريب الرهان على شفقة وإنسانية البحر الأبيض
المتوسط!
لا أحد ينتظر من لبنان الفقير القيام بما يوازي ما يقدمه الغرب للاجئين، كما أن الشارع اللبناني في غالبيته يتفهم ظروف اللاجئين السوريين، لكن المقصود هنا أنه لا يحق لمن يزاود ليل نهار بالمقاومة وبنقد الغرب الاستعماري، ممارسة سياسات قد يخجل من ممارستها أعتى عتاة العنصرية في أوروبا
طالما حاججت
الطبقة السياسية اللبنانية بأن اللاجئين هم سبب رئيسي للأزمة الاقتصادية التي
يعاني منها لبنان، لكن الواقع يقول بخلاف ذلك، فالأزمة تراكمت وتراكبت على مدار
سنوات طويلة، لم يكن للاجئين أي دور فيها، من فساد الطبقة السياسية وهدرها للمال
العام، إلى تراجع ثقة المستثمرين والمودعين العرب في البنوك والمناخ الاستثماري في
لبنان، وتوقف الكثير من البلاد العربية عن استيراد المنتجات اللبنانية بسبب تعمّد
تهريب الكبتاغون والحشيش بداخلها. وفضلا عن هذا وذاك، يقبع لبنان منذ انتهاء الحرب
الأهلية تحت وطأة الديون وفوائدها الباهظة، بالإضافة إلى ضعف السياسات التخطيطية
وسوء الإدارة الاقتصادية.
والواقع، أن لدى
لبنان الكثير مما يفخر به، ولن يحتاج السياسي اللبناني للبحث عن إنجازات من النمط
اللاأخلاقي، يشوه بها تاريخ لبنان، وعبقرية شعبه، ويلصق به وبهم، أفعال متهافتة
ومنحطّة، وإذا كان المقصود إبعاد النظر عن الخلل الحاصل في أداء الطبقة السياسية
وعيوبها، فإن طرد اللاجئين لن يغطي تلك العيوب، بل سيكون السبب في عزل تلك الطبقة
عالميا، ونبذها أخلاقيا؛ لاستقوائها على اللاجئين الذين يعدّون أضعف الجماعات
الإنسانية، لا يسبقهم في هذه المرتبة سوى السجناء المجردين من الحرية والقوة.
بالأصل قوة لبنان في معرفته إدارة علاقاته الخارجية بحنكة، وسبب تراجعه هو الضعف
الهائل في قدرته على إدارة هذه العلاقات، وخاصة محيطه الإقليمي.
twitter.com/ghazidahman1