وفق
أرقام الأمم المتحدة، فإن هناك اليوم أكثر من 5.6 مليون لاجئ سوري مسجلين في تركيا ولبنان
والأردن ومصر والعراق، بينهم 675 ألفا في الأردن.
كثير
من اللاجئين كانوا شبابا عندما اضطروا إلى مغادرة بلادهم واللجوء إلى مخيمات في البلاد
المجاورة، وتزوجوا في المخيمات وقد أنجبوا أطفالا وصل تعدادهم بحسب إحصائيات الأمم المتحدة إلى
مليون طفل ولدوا في المنفى، كما جاء في تقرير لوكالة فرانس برس من مخيم الزعتري للاجئين
في الأردن.
تنتظر
هديل ولادة طفلها الثالث في مخيم الزعتري للاجئين السوريين في الأردن ليكون واحدا من بين
أكثر من مليون طفل سوري وُلدوا في المنفى منذ بداية الأزمة.
وصلت
هديل (وهو اسم مستعار، 25 عاما) إلى المخيم الذي يؤوي اليوم نحو ثمانين ألف لاجئ
نصفهم أطفال، قبل عشر سنوات من محافظة درعا، مهْد الثورة السورية التي قامت ضد النظام
قبل أن تتحول نزاعا داميا، برفقة عائلتها وتزوجت في المخيم من لاجئ سوري ورزقت منه
بطفلين يبلغان ست وسبع سنوات.
وتقول
المرأة الحامل في شهرها السادس وحضرت إلى عيادة داخل المخيم لإجراء فحوصات دورية:
"كنت آمل أن أكون في بيتي، في بلدي، لكن شاءت الأقدار أن أكون هنا وأن أتزوّج
هنا وأن ألد أطفالي هنا بعيدا عن بلدي".
"أين
هي سوريا؟"
وتقول
المرأة التي ارتدت حجابا أسود وثوبا بنيا غامقا: "طفلاي كبرا وصارا يسألانني عندما
يسمعانني أتحدث عن سوريا: ماما أين هي سوريا؟ ولم نحن نعيش في هذا المكان؟".
وتتابع
بنبرة حزينة: "أحاول أن أشرح لهما أن هذا المكان ليس بلدنا، نحن لاجئون، بلدنا
هناك في سوريا، لكنهما لا يزالان صغيرين، ويصعب عليهما فهم كلامي هذا".
ووفقًا
للمفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، فإنه يبلغ عدد الأطفال السوريين المولودين
كلاجئين في الأردن، 168,500 منذ العام 2014، في حين أن هناك أكثر من مليون طفل سوري
ولدوا في المنفى، ويواجه الكثير منهم حياة يغلب عليها الفقر وعدم الاستقرار، والخضوع لعمالة الأطفال والزواج المبكر، إضافة إلى أن فرص حصولهم على التعليم غير مضمونة.
في الزعتري،
يعيش الأطفال في ظروف صحية صعبة في بيوت متنقلة (25 ألف كرفان) غالبا، في منطقة صحراوية
مزدحمة تنتشر فيها عربات تجرها الحمير ودراجات هوائية وتبعد نحو 20 كلم عن الحدود السورية.
وتقول
هديل: "قبل ثلاثة أشهر، قرّر ابن عمي العودة إلى درعا بعد أن ضاق ذرعا بهذا المكان،
غادر وترك خلفه زوجته وأطفاله الخمسة في المخيم، ذهب ليستطلع الوضع. بعد أقلّ من شهر،
سمعنا أنه قتل دون أن نعرف الأسباب".
وتتابع:
"الوضع الأمني يجعلنا نفكّر ألف مرة قبل العودة".
في قسم
الولادات في العيادة التي يديرها صندوق الأمم المتحدة للسكان، والذي علقت على جدرانه
لافتات تشجع النساء على الرضاعة الطبيعية، تجول القابلة أمون مصطفى (58 عاما) على خمس
نساء ولدن أطفالهن.
وتقول
مصطفى التي تعمل في العيادة منذ افتتاح المخيم في العام 2012: "نقوم بتوليد ما
بين خمس إلى عشر نساء كل يوم. مع ولادات اليوم، أصبح مجموع الولادات في العيادة 15
ألفا و963. انظروا، لقد دونت الرقم على راحة يدي".
وتضيف
وقد علت شفتيها ابتسامة: "أنا أعرف أغلب نساء المخيم وأطفالهن"، متابعة بأن
"إحداهن ولدت أربعة أطفال في المخيم، وأخرى ولدت خمسة في المخيم، وثالثة ولدت
توأمين".
ويعمل
في العيادة أربعة أطباء و21 قابلة وسبع ممرضات وأخصائيو مختبر وصيدلانيون، وتوجد في
المخيم ثلاث عيادات أخرى. وتسعى العيادة، بالإضافة إلى تقديم العلاج والخدمات الصحية،
إلى نشر التوعية في مجال تنظيم الأسرة.
"نعمة
من الله"
وتقول
مصطفى: "بصراحة، نحن نحاول أن نتكلّم مع النساء عن ضرورة أخذ موانع الحمل وتنظيم
أسرهن، فنحن نوفر لهن كلّ شيء مجانا، ولكن هناك من يعترض ويقول: نحن ننظّم حياتنا بأنفسنا.
أو: زوجي يحبّ الأطفال ولا يريد موانع الحمل".
وتقول
مديرة العيادة غادة السعد، إن العيادة التي تضم كادرا طبيا مؤلفا من 60 شخصا "تعمل
24 ساعة في اليوم، سبعة أيام في الأسبوع".
في صالة
الولادات، جلست نغم الشقران (20 عاما) إلى جانب طفلها الحديث الولادة زيد الذي كان
غارقا في نوم عميق.
وتقول
الشابة الهزيلة بصوت خافت: "هذا طفلي الأول، أشعر بسعادة ومسؤولية في الوقت نفسه"،
متحسرة أيضا على عدم القدرة على أن تعيش العائلة في بلدها.
وتضيف
المرأة التي تعيش مع زوجها وعائلتيهما في المخيم منذ تسع سنوات: "تردّدنا في البداية،
ثم قررنا أن نرزق بطفلنا الأول".
في قاعة
الانتظار، تقول إيمان ربيع (28 عاما) الحامل بطفلها الرابع: "الأطفال نعمة، ولكنني
أتمنى أن يكون هذا آخر حمل لي".
ثم تضيف:
"ليس بيدي حيلة فزوجي يحب الأطفال".
ويقول
الأردن إن كلفة استضافة اللاجئين السوريين على أرضه تتجاوز الـ12 مليار دولار.
وتسبّب
النزاع السوري منذ اندلاعه في آذار/ مارس 2011 بنحو نصف مليون قتيل ونزوح وتشريد أكثر
من نصف السكان داخل البلاد وخارجها.
وتقول
ربيع التي ارتدت حجابا خمريا وثوبا أسود طويلا مطرزا بورود حمراء وزرقاء، بينما تنتظر
طبيبها: "ليس لدينا مكان آخر نذهب إليه غير هذا المكان، بيتنا في درعا دمّرته
الحرب. إذا كان يتوجب علينا ترك المخيم والعودة إلى بلدنا، فأنا سأكون آخر من يخرج".