تتزايد نسب الإصابة بالانفلونزا الموسمية لدى البشر خلال فصل الشتاء، لأسباب يعزوها البعض إلى تغير درجات حرارة الطقس، لكن هناك عوامل أخرى تساهم في ظهور أمراض خلال هذا الفصل.
وتطرقت مجلة
"باسبور سانتي" الفرنسية في تقرير لها إلى أسباب "مهاجمة" الفيروسات للبشر في فصل الشتاء أكثر من فصول أخرى على مدار السنة.
وقالت المجلة،
في تقريرها الذي ترجمته "عربي21"، إن الفيروسات موجودة منذ ملايين
السنين وفي كل مكان، ولا ينجو أي كائن منها، ولا سيما الإنسان، فبدءًا من الإيدز
والسارس (المتلازمة التنفسية الحادة الوخيمة)، مرورا بالجدري أو التهاب الكبد
الفيروسي ج؛ تسببت الأمراض الفيروسية في هلاك الكثيرين وتثير باستمرار شبح كارثة
صحية.
ومع ذلك، فإن البعض الآخر أكثر شيوعًا وأقل خطورة على الصحة.
وتساءلت المجلة
عن الدور الذي يلعبه المناخ في ظهور هذه الفيروسات؟ هل يوجد المزيد منها في
الهواء؟ أم هل أن أجسامنا أكثر هشاشة؟ قائلة إنه قبل الإجابة على كل هذه الأسئلة،
يجب أن نتذكر مدى اتساع عالم الفيروسات، فلم يكن هذا العالم معروفا حتى نهاية
القرن التاسع عشر، ولا يزال غير مستكشف إلى حد كبير اليوم، بسبب نقص الوسائل
التقنية الكافية.
ففي الواقع؛ تم إجراء القليل من الأبحاث حول البيئة الفيروسية
للهواء، وكذلك كيفية تفاعل هذه الكيانات مع البيئة، وفقا للتقرير.
وقالت: "نحن نعلم أن بعض
الفيروسات تنتقل بشكل أساسي عن طريق الهواء، بينما بالنسبة لبعض الأنواع الأخرى،
فإن الاتصال هو العامل الحاسم، ويفسَّر هذا - في الواقع - من خلال مورفولوجيا
الفيروسات".
فئتان رئيسيتان
من الفيروسات
وأوضحت المجلة
أن الخلية المصابة تنفجر لتطلق بعض الفيروسات عن طريق ثقب الغشاء الخلوي، بينما
تطلقها بعض الأنواع الأخرى من خلال "التبرعم"، أي يلتفون في نفس الغشاء،
وهي التي يقال لها إنها فيروسات "مغلفة" بغشاء خلوي.
وحسب المجلة فإنه "من المفارقات أن
هذا الغشاء لا يحميهم، بل على العكس من ذلك، فهو يجعلها أكثر هشاشة! فقد ورث هذا
الغشاء هشاشة أغشية الخلايا التي تشتق منها".
ومع ذلك؛ يجب أن يكون الفيروس كاملا
ليكون معديا.
وبالتالي، تتحلل
الأغشية بسرعة في مكانين اثنين: في البيئة الخارجية وفي الجهاز الهضمي.
وفي هذه الأماكن
نفسها، ستقاوم الفيروسات "العارية"، أي غير المغلفة، لفترة أطول.
وهذا
الاختلاف حاسم في شرح طريقة انتقال بعض الأمراض والأوبئة التي تنتج عنها، بحسب المجلة.
الفيروسات
"المغلفة": حالة الانفلونزا
وذكرت المجلة أن
الانفلونزا هي جزء لا يتجزأ من الفيروسات المغلفة بغشاء خلوي.
وبالتالي، فإن
الفيروسات المسؤولة عن هذا المرض المعروف لا تعيش طويلا في الهواء، لأنها ستعطل
بعاملين: درجة الحرارة والجفاف؛ متسائلة: هل يعني هذا أنه لا يمكن أن نصاب بالعدوى
عن طريق الهواء؟ مجيبة: لا - على العكس تماما - إنها حتى الطريقة الوحيدة الممكنة
تقريبا للعدوى لأن فيروس الانفلونزا لا يمكنه البقاء لفترة طويلة جدا في الغبار أو
على سطح خارجي مثل اليدين.
وبحسب المجلة
فإنه إضافة إلى ذلك؛ يحدث التلوث عن طريق الهواء عندما يكون هناك شخصان قريبان
جدًّا من بعضهما: يستنشق الشخص السليم مباشرة القطرات الدقيقة المصابة الناتجة عن
سعال الفرد المصاب بالأنفلونزا.
وبالتالي، لا تبقى الفيروسات لفترة طويلة في
الهواء، لكن هذه المدة القصيرة التي تظل فيها الفيروسات عالقة في الهواء تحدث
عندما يكون الهواء رطبا وباردا، حيث يخشى الغشاء الخلوي الحرارة والجفاف، هذه
الخصوصية تفسر جزئيا سبب انتشار الأنفلونزا في الشتاء.
وأضافت المجلة
قائلة إن هناك أيضا أوبئة شتوية تسببها الفيروسات غير المغلفة
"العارية"، وهذا النوع من الفيروسات مقاوم بشكل خاص، سواء في الهواء أو
في الجهاز الهضمي.
وينتقل أيضا عن طريق الهواء، ولكن قبل كل شيء، عن طريق العدوى
غير المباشرة التي تشمل البراز: حيث يمكن أن يحتوي 1 جرام من البراز من شخص مصاب
على ما يصل إلى 10 مليارات جزيء فيروسي، وبسبب قلة النظافة، تنتقل فيروسات الشخص
المصاب من اليدين إلى الأشياء أو الطعام، ومن ثم تنتقل إلى الشخص السليم، عن طريق
لمس الشيء أو عن طريق تناول الطعام الملوث.
ويمكن أن يكون
الماء أيضا ناقلا مهما لأن الفيروسات العارية تقاومه جيدا.
ومع ذلك، إذا كان
التهاب المعدة والأمعاء يصيبنا قبل كل شيء في فصل الشتاء، فهذا ليس هو الحال
بالنسبة لجميع الأمراض التي يسببها هذا النوع من الفيروسات، فبعضها - مثل ذاك الذي
يتسبب في التهاب سنجابية النخاع - يحدث بشكل أكثر في الصيف.
كيف نفسر ذلك؟
في الواقع، نظرا لأن كل فيروس يختلف عن الآخر، فإن طريقة انتقاله تختلف كذلك. ومع
ذلك، تم طرح عدد من الفرضيات لمحاولة تفسير هذه الظاهرة الشتوية.
فرضيات لشرح
كيفية انتشار أوبئة الشتاء
أشارت "باسبور سانتي" إلى أنه كل عام يموت الناس في الشتاء أكثر من الصيف، ففي عام 2006، قامت دراسة
بتقييم عدد الوفيات الإضافية التي تحدث كل عام في هذا الوقت من العام في حدود
15000 شخص.
ويرتبط هذا الفائض جزئيا بزيادة عدد أمراض الجهاز التنفسي مثل
الأنفلونزا ونزلات البرد والتهاب الشعب الهوائية. وفسر المجتمع العلمي ذلك لأول
مرة بأنه يرتبط بالاختلاط.
الإغلاق الشامل
وقلة التهوية
وفي عام 2009،
في فرنسا، قرر معهد مراقبة الصحة العامة لفسيولوجيا البرد دراسة هذه الفرضية لشرح
أوبئة الشتاء.
ويشير إلى أن "الميل إلى تركيز السكان في أماكن ضيقة وضعيفة
التهوية (عندما يكون الجو باردا) يزيد من خطر العدوى المتصالبة".
وبمعنى آخر،
إذا مرضنا في الشتاء، فذلك لأننا نتجمع معا بالقرب من المدفأة أو لأننا نذهب أكثر
إلى أماكن مزدحمة مثل المتاجر والمطاعم ووسائل النقل العام والمكاتب.
ومن المؤكد أن
الاحتواء ونقص التهوية هما عنصران حاسمان ولكنهما لا يستطيعان تفسير حلقات ظهور
الأوبئة بشكل كامل.
المزيد من الفيروسات في الهواء
ووفقًا للمجلة؛
فقد تم طرح تفسير آخر والمتمثل في وجود المزيد من الفيروسات في الهواء في الشتاء؛
حيث يصعب إثبات هذه الفرضية بشكل خاص نظرا للحجم المجهري للفيروسات وأدواتنا
المحدودة في هذا المجال.
ومع ذلك؛ تمكن فريق كوري جنوبي من تحليل الهواء المحيط
بنا ونشر نتائجه، وعمل هؤلاء الباحثون في ثلاثة مواقع مختلفة: حي سكني في سيول
وغابة ومجمع صناعي، واشتملت تجربتهم على تصفية جميع العناصر الموجودة في الهواء
الداخلي بالميكرومتر، ثم استخراج الحمض النووي ودراسة التسلسلات.
وكانت النتيجة
مذهلة: فقد تبين أنه في المتر المكعب الواحد من الهواء، يوجد ما بين 2 و40 مليون
فيروس! لذلك، نستنشق ما يصل إلى 400 ألف فيروس في الدقيقة دون أن ندرك ذلك.
لكن لا
داعي للذعر، لأن الغالبية العظمى من هذه الفيروسات لا تعنينا كبشر.
ولفتت المجلة
إلى أن ذلك يمكن أن يرتبط بزيادة بقاء الفيروسات "المغلفة" في الطقس
البارد.
ففي عام 2008؛ حاول الباحثون إثبات ذلك من خلال تجربة على خنازير غينيا
المريضة وغير المريضة. للقيام بذلك، قاموا بدراسة انتشار الفيروس من خلال تغيير
درجات الحرارة والرطوبة، واتضح أن درجة الحرارة التي كانت في حدود 5 درجات مئوية
ومستوى رطوبة في حدود 20 بالمئة كانت مثالية لانتقال الفيروس.
وأوضحت المجلة
أن هناك العديد من الآليات لحمايتنا من الفيروسات، خاصة تلك التي تنتقل بشكل أساسي
عن طريق الهواء.
وهكذا، فإن تجاويف الأنف والجيوب الأنفية مبطنة ببطانة غشاء الأنف
المخاطي التي تصنع المخاط، ويتمثل دورها في اصطياد البكتيريا أو الفيروسات أو
الميكروبات الأخرى التي قد تسلك هذا المسار. لكن هذا الحاجز سيقل في الشتاء، بحسب تقرير المجلة.
عندما
نستنشق الهواء البارد، تقوم العديد من الأوعية الدموية بتسخينه عن طريق نقل حرارة
الدم إليه، وبسبب هذه الظاهرة، يحمر أنفنا عندما يكون الجو باردا. لكن نقل الحرارة
هذا من شأنه أن يرطب الهواء على حساب جدار الأنف، مما يجعل الوصول إلى الفيروسات
والبكتيريا أسهل.
وختمت المجلة الفرنسية بالقول إن هذه الفرضية ليست الوحيدة من نوعها، حيث يعتقد البعض أن البرد
من شأنه أن يبطئ جهاز المناعة أو يجعله أقل تفاعلا، بينما يرى آخرون أن البرد من شأنه
أن يهيج الممرات الأنفية، كما أن قلة الضوء في فصل الشتاء لها تأثير سلبي على
المناعة.
تطوير فحص مبكر لسرطان البنكرياس عبر ديدان تشم الأورام
300 عالم يحصون العوامل المسببة لأمراض قد تؤدي لظهور جائحات
دراسة تحذر من المخاطر الخفية لمسكنات الألم الشائعة