يُسجل لدولة قطر أنها ركبت سفينة تحدي تنظيم "مونديال" 2022،
فأفرحت بلدان المعمورة، بجمالية الملاعب، وجودة البنيات التحتية، وحسن الاستقبال،
والإدارة والإشراف. كما يُسجل لها أنها أبرزت أصالة الموروث الثقافي والحضاري للمنطقة
العربية، وبثت رسائل كثيرة عن القيم المُثلى الواجب التمسك بها والمحافظة عليها حية
في نفوس الناس والبشرية كافة، ومن يقوم بتفكيك رمزيات افتتاح المونديال، وقراءة مضمون
كلماته، يلمس قيمة الرسائل الموجهة للعالم، عن التسامح، والسلم والسلام، والمشترك
الإنساني. ومهما تباينت التقييمات والآراء، قدمت قطر لوحة بديعة عن مونديال تواترت
أفراحه، وتكاثرت ظواهره، وما زال مرشحا لأن يقدم أكثر إلى حين إسدال الستار على منافساته.
ثمة أكثر من دليل على انطواء
مونديال قطر على طعم جديد، ومتعة قلّ نظيرها.
فعلاوة على الملاعب المبهرة التي كان الإنفاق القطري سخيا في إنجازها بالرونق الذي
جاءت عليه، وفّرت الدولة المستضيفة بيئة متوافقة مع قيمها وتقاليدها، على الرغم من
عالمية المناسبة، فمُنع تعاطي الخمور في الملاعب، وساد مناخ من الصفاء في سلوك المشاهدين
في المدرجات، ونجحت قطر في فرض احترام قيم وتقاليد دائرتها الحضارية، وفي الآن معا
الانفتاح على ثقافات الوافدين من الجنسيات في حدود ما لا يتعارض مع آدابها العامة.
ثمة أكثر من دليل على انطواء مونديال قطر على طعم جديد، ومتعة قلّ نظيرها. فعلاوة على الملاعب المبهرة التي كان الإنفاق القطري سخيا في إنجازها بالرونق الذي جاءت عليه، وفّرت الدولة المستضيفة بيئة متوافقة مع قيمها وتقاليدها، على الرغم من عالمية المناسبة
والواقع أن مونديال قطر فتح أعين المتابعين والمحللين والمعلقين الرياضيين،
وذوي العلاقة بالشأن الرياضي عموما، لا سيما في بلدان الغرب، على أن الغرب ذاته تنكر
للكثير من قيمه الأصيلة، وفقدها بالتدريج، وهو في حاجة ماسة إليها، إن أراد المحافظة
على قوته وريادته في قيادة العالم.
من عناصر وجود طعم جديد لمونديال قطر هزيمة كبريات المدارس الكروية، من
قبيل البرازيل، وإسبانيا، والبرتغال، وظهور فرق جديدة ولو في الأطوار الأولى،
ومنها ما حقق انتصارات غير مسبوقة، كما هو حال
المغرب. لذلك، فتح مونديال قطر آفاقا
جديدة بالنسبة لمستقبل
كرة القدم، ووضع أول لبنة على طريق تكسير تصورات ظلت مستبدة
بعقول الناس منذ أول دورة لكأس العالم عام 1930، مفادها أن الغلبة والفوز للأقوياء
من البلدان، وما دونها يكون سقف مشاركتها محدودا، حيث لا يتجاوز الطور الأول،
والنادر منها يصل ثُمن الإقصائيات في أفضل الحالات.
لعل أبرز ما ميز مونديال قطر النتائج التي حصل عليها المنتخب الوطني
المغربي، ووصوله إلى نصف النهاية، وما زال مرشحا لأن يحصد مكاسب أخرى في القادم من
الإقصائيات، بل إن إمكانياته تجعله قريبا من المراتب الأولى. فالمغرب الذي وصل أول
مرة إلى ثُمن النهائي عام 1986، وكان حدثا بارزا وقتئذ، قفز إلى نصف النهاية في
مونديال قطر، وتنتظره مبارزة بالغة الأهمية والدلالة غدا الأربعاء (14 كانون
الأول/ ديسمبر 2022) مع غريمه المنتخب الفرنسي، وإذا استطاع الفوز من جديد سيكون نصرا
محققا لكرة القدم العربية والأفريقية والإسلامية. إن قلوب أبناء كل هذه الروافد
الحضارية مع "أسود الأطلس"، ودعواتهم لهم بالفوز والتمكين.
فتح مونديال قطر آفاقا جديدة بالنسبة لمستقبل كرة القدم، ووضع أول لبنة على طريق تكسير تصورات ظلت مستبدة بعقول الناس منذ أول دورة لكأس العالم عام 1930، مفادها أن الغلبة والفوز للأقوياء من البلدان، وما دونها يكون سقف مشاركتها محدودا، حيث لا يتجاوز الطور الأول، والنادر منها يصل ثُمن الإقصائيات في أفضل الحالات
فعلاوة على كون المنتخب المغربي قدّم أداء مميزا وعلى درجة بالغة الأهمية، نحت
مدربه قاموسا من الكلمات والمصطلحات المستلهمة من ثقافة المغرب العميق وأصالة شعبه،
وأشاع لاعبوه سلوكا في الملاعب عكست قمة ما يُطلب من شباب تربى في كنف أسر وعائلات
متواضعة، أغلبها في الشتات والمهاجر، وأعظمها من مدن الظل في المغرب..
ودون شك سيأتي وقت لمجتمع الباحثين في العلوم الاجتماعية والإنسانية لإنجاز
دراسات علمية عن قيمة ما نحته المنتخب المغربي، مدربا ولاعبين، وما السلوكيات التي أبهروا
بها العالم. فحين يتحدث المدرب الوطني "وليد الركراكي"، وهو الذي ولد وتربى
وعاش في الاغتراب (فرنسا)، عن "النية"، التي تعني "صفاء
السريرة"، أو "فعل الخير"، أو "البركة"، أو "سير سير"،
وتعني الإقدام والسير إلى الأمام، فإنه يستلهم مفردات من المخزون التراثي
والتاريخي المغربي، مفعم بالقوة، والتحفيز واستنهاض الهمم، وهو ما تحتاجه إقصائيات
من هذا النوع.
فإعمال النية يعني المجاهدة بالنفس من أجل كيان جماعي اسمه الوطن، وليس الإجهاد
من أجل مكاسب شخصية.. رمزية الدفاع والمبارزة هنا توجه لوطن له علم، واسم، وهوية
حاضنة لقيم جماعية.. ولعل هذه من الظواهر المستخلصة من أداء المنتخب المغربي في
مونديال قطر، وقد أشار إليها بعض المحللين الرياضيين الغربيين، حين شددوا على
الطابع الجماعي للفريق المغربي، وغياب الفردية أو النرجسية في الملاعب. ثم إن من
أبرز ما قدم المنتخب المغربي، وكان لافتا ومذهلا، مصاحبة الآباء والأمهات لأبنائهم،
وهي صورة جديدة في مونديال قطر..
إنه مذهل حقا أن تشاهد أمهات اللاعبين يرقصن مع أبنائهن في جنبات الملاعب..
فصورة "سفيان بوفال"، ابن المهاجر، مع أمه بجلبابها المتواضع، قدمت لوحة
رائعة عن تلاحم اللاعبين مع عائلاتهم في ملحمة مونديال قطر.. إنها رسالة عن قيمة
"رضا الوالدين" في المخيال الجماعي المغربي، مقابل العقوق السائد في ثقافات
كثيرة.. يُضاف إلى كل هذا، المؤازرة الراقية للجمهور المغربي الذي حج إلى قطر رغم
بُعد المسافة وغلاء التكلفة، فقد قدم المشجعون للفريق الوطني نماذج راقية من التشجيع
والدعم، وأبدعوا في نسج الشعارات والأهازيج والتباهي باللاعبين دون تمييز، كما كان
بعدهم القومي في نصرة القضية الفلسطينية حاضرا ومبهرا، ووحدوا العرب من الخليج إلى
المحيط ونجحوا في ما فشلت فيه نظم بلادهم. بل إن اللافت للانتباه في مونديال قطر
أنه نبه العالم إلى أن الأمة العربية حية بالمشترك بين أبنائها، وأنها مستمرة في
الدفاع عن قضاياها القومية، وقادرة على صنع الفرجة والفرحة والتمكين.