يرى
مراقبون أن "
الانتخابات التشريعية" المرتقبة في
تونس يوم 17 كانون الأول
/ ديسمبر، بمنزلة الخطوة الأخيرة للرئيس قيس سعيّد من أجل إرساء ما يسميه
"الجمهورية الجديدة"، إذ من المرجح أن تدخل البلاد بعد الانتخابات في
مرحلة جديدة.
وكان
الرئيس التونسي قد اتخذ عدة خطوات سابقة بدأها في 25 تموز / يوليو، من بينها ملف
عزل 57 قاضيا، أصدرت المحكمة الإدارية لاحقا قرارا بإلغائه لصالح 48 من بينهم، في
قضية اعتبرت أنها شكل من أشكال الالتفاف على السلطة القضائية وإرساء لنظام دكتاتوري.
ومع
اقتراب موعد الانتخابات التشريعية في تونس، من أجل مجلس نواب جديد يحل مكان
البرلمان السابق بصلاحيات محدودة، تزداد المخاوف بشأن المسار الديمقراطي والحريات
في البلاد.
ومن
أبرز الملفات المثيرة للجدل منذ 25 يوليو/ تموز 2021، ملف عشرات
القضاة الذين تم
عزلهم بمرسوم رئاسي، ألغته لاحقا المحكمة الإدارية، لكن قرار المحكمة بقي حبرا على
ورق.
وقال
القاضي يوسف بوزاخر، لوكالة "فرانس برس"؛ إن القضاة يدافعون عن حقوقهم،
ويعملون لإجبار السلطة التنفيذية على احترام المؤسسات واحترام دولة القانون.. ولكن
على المستوى الشخصي، لا أعتقد أن هذه السلطة مستعدة للتنازل أو الرجوع في قراراتها.
ويوسف
بوزاخر قاض من بين 48 آخرين، أصدرت المحكمة الإدارية قرارا يوقف تنفيذ مرسوم رئاسي
بعزلهم، لم تلتزم به وزارة العدل.
ويقضي
قرار المحكمة الإدارية الصادر في 17 آب/أغسطس، بالسماح لـ49 قاضيا بالعودة لممارسة
وظائفهم، من بين 57 قاضيا أصدر الرئيس قيس سعيّد قرارا بعزلهم في حزيران /يونيو 2022.
والتزمت
الرئاسة التونسية ووزارة العدل الصمت منذ صدور قرار المحكمة الإدارية، ولم يعلن أي
منهما كسلطة تنفيذية رفض القرار.
وتجدر
الإشارة إلى أن قيس سعيّد، بعد أن أعلن عزلهم، أكد حرفيا أن لديهم الحق في الطعن
لدى النيابة العمومية والمحكمة الإدارية.
ويعتبر
مراقبون أن ملف القضاة المعزولين شكل من أشكال "تركيع" السلطة القضائية
لوضع يده عليها وضرب استقلاليتها، لا سيما بمنح نفسه الأحقية بعزل القضاة بناء على
مرسوم عدد35 الذي أصدره في 1حزيران/يونيو.
ومنذ
25 تموز/يوليو 2021، تولى قيس سعيّد السلطة التشريعية من خلال تجميد البرلمان
المنتخب الذي أعلن لاحقا حله، ثم إصدار دستور جديد أقره عقب استفتاء صوت فيه
التونسيون بـ"نعم" بنسبة تجاوزت 90 بالمائة، فيما شهد نسبة مقاطعة واسعة
بأكثر من 70 بالمائة.
وفي السياق نفسه، قام سعيّد في شهر شباط /فبراير 2022 بحل المجلس الأعلى للقضاء المنتخب
من قبل الهيئات القضائية المختلفة، وعين بنفسه أعضاء مجلس مؤقت بدلا عنه.
حمادي
الرحماني، وهو قاض آخر حكمت المحكمة الإدارية لصالحه، بدا أكثر تفاؤلا، وأشار إلى
أن "قيس سعيّد لم يصرح بعدُ برفضه لقرار المحكمة الإدارية، وهذا يعني أن هناك
إمكانية للتراجع عن قراره في انتظار الحركة القضائية المرتقبة، التي ستكون الموعد
الفاصل لنكتشف إلى أين تتجه الإرادة السياسية".
والحركة
القضائية هي تعيينات للقضاة يعلن عنها المجلس الأعلى للقضاء سنويا، التي لا
تتجاوز عادة شهر أيلول/ سبتمبر.
ويواجه
يوسف بوزاخر الرئيس السابق للمجلس الأعلى في هذا السياق، تهم ينفيها قطعيا، تتعلق
بـ"تكوين وفاق إرهابي قصد ارتكاب جرائم إرهابية، وتبييض الأموال المرتبط
بالجرائم الإرهابية، وقضايا مالية تتعلق بسوء تصرف بميزانية المجلس الأعلى
للقضاء".
ولتوضيح
قانوني في هذا الشأن، قال فيصل بوقرة، وهو قاض وعضو في وحدة الاتصال والإعلام في
المحكمة الإدارية لفرانس24؛ إن "منحهم إيقاف تنفيذ العزل (قرار إلغاء العزل)، جاء لعدم وجود بحث جزائي في حق هؤلاء، فيما ثبت وجود بحث جزائي في حق سبعة قضاة من
بين الـ 57 المعزولين، أما الثلاثة المتبقون، فلم يتقدموا بمطلب إيقاف
التنفيذ".
ومن ثم ،وفق بوقرة، فإن السلطات بناء على قرار المحكمة الإدارية، ملزمة بالإذعان لأحكام
القضاء وبإعادتهم إلى مهامهم.
الدفاع عن الحقوق
وشهدت
قضية عزل القضاة مساندة واسعة في القطاع، من أجل الدفع لإعادتهم إلى مهامهم، حيث
نظم القضاة في تونس إضرابا عاما انطلق في 6 حزيران /يونيو استمر لشهر كامل، توقفت
فيه جميع المحاكم في البلاد عن العمل.
وأوضح
الرحماني قائلا؛ إن قطاع القضاء في تونس "قبل هذه المعركة كانت تشوبه خلافات
لكنه توحد في هذه القضية؛ لأنها قضية جامعة، والقضاة يعلمون أن هذه الإعفاءات
ظالمة وباطلة وغير قانونية".
وتابع:
"القضاة لم يحتجوا فقط على قرار عزلنا، وإنما احتجوا على صدور المرسوم 35 نفسه
الذي يعطي لرئيس الجمهورية حق عزل القضاة، وهو مخالف للدستور (دستور 2014)
ومخالف للمهنة القضائية".
إلى
جانب ذلك ،قام عدد من القضاة المعزولين، من بينهم حمادي الرحماني بتنفيذ إضراب جوع
استمر لأسابيع.
وأشار
بوزاخر في تصريحه لفرانس برس بشأن مساعيهم للعودة لمباشرة مهامهم، أنهم توجهوا إلى
وزارة العدل مرفقين بمحضر قضائي؛ "في محاولة لتنفيذ الأحكام الصادرة لفائدتنا، لكن لا من مجيب".
وأضاف:
"أنشأنا لجنة دفاع عن القضاة المعفيين، عقدت أولى ندواتها الصحفية الأسبوع
الماضي، وهذه الهيئة تتكون من رموز المحاماة في تونس ينسقها السيد العياشي الهمامي، فيها عديد من المحامين الذين يتبنون تطوعا ملف القضاة المعفيين، والذين يؤمنون
بعدالة هذه القضية".
وفيما
يواصل هؤلاء القضاة الدفاع عن أنفسهم، يترقبون في الآن ذاته التعيينات القضائية؛ على أمل أن يلتزم سعيّد بقرار المحكمة الإدارية.