تداول رواد مواقع التواصل الاجتماعي مقطعا مصورا، يظهر فيه أحد كبار رموز الدعوة
السلفية في الأردن، والباحث والمحقق في العلوم الشرعية، مشهور حسن سلمان، وهو يتحدث لمفتي عام المملكة العربية
السعودية، الشيخ عبد العزيز بن عبد الله آل الشيخ، في إطار زيارة الأول لحضور فعاليات معرض الرياض الدولي 2022 مطلع شهر تشرين الأول/أكتوبر الماضي.
مشهور كان يسرد على مسامع مفتي عام المملكة
العربية السعودية أوضاع الدعوة السلفية في الأردن، وما حدث للشيخ محمد ناصر الدين
الألباني بعد استقراره في الأردن مطلع ثمانينيات القرن الماضي، إلى حين وفاته عام
1999، من منعه من التدريس ثم السماح له،
ثم التحقيق معه في بيته، ثم السماح له بعد أن ثبت لدى الجهات الأمنية بأنه مصدر أمان للبلد، وليس عنده تكفير ولا تثوير، ولا خروج على أولياء الأمور، وأنهم اتصلوا
ببعض تلاميذ الشيخ وطلبوا منهم التدريس وإلقاء المحاضرات، حسب قوله.
وتابع حديثه للمفتي بالقول: "ولله
الحمد، الدعوة (السلفية) للآن قائمة، مرت الدعوة قبل سنوات قليلة بموجة أشعرية
وصوفية، ووجدوا أن تمكين هؤلاء (الأشاعرة والصوفية) يُخل بالأمن، ووجدوا أن لهم
بيعات لإيران، وبعض مشايخ الصوفية، فأذنوا لنا، منعونا آخر ثلاث سنوات، ثم من قريب
جاء الإذن بالتدريس، فرجعنا للتدريس".
ومع أن مشهور كان يحدث المفتي عن أحوال
الدعوة السلفية في الأردن، إلا أن الأخير عاد ليسأله مرة أخرى: "هذا في
الأردن؟"، فأجابه مشهور: "في الأردن". ثم سأله المفتي عن الشيخ ناصر
الدين الألباني، فأخبره مشهور بأنه كان يقيم في "حي هملان في منطقة ماركا،
وأنه كان يقضي غالب وقته في البحث والتحقيق وتخريج الأحاديث، ويلتقي ببعض الطلبة
في بيته".
ومن اللافت، أن هذا المقطع المصور نُشر في
وقت سابق، أيام زيارة مشهور لمعرض الرياض الدولي 2022، على موقع يوتيوب تحت عنوان
"جانب من زيارة فضيلة الشيخ مشهور بن حسن آل سلمان، وفضيلة الشيخ حسين بن
عودة العوايشة لسماحة الشيخ عبد العزيز آل الشيخ حفظ الله الجميع"، ثم سحب من
الموقع بعد ذلك.
لكن بعض رواد مواقع التواصل الاجتماعي
أعادوا تداوله منذ أيام تحت عنوان "مشهور حسن يطعن في أهل السنة والجماعة
الأشاعرة والصوفية بأنهم مصدر للإخلال بالأمن (إرهابيون)، وأن لهم بيعات لإيران
(عملاء)"، فيما يبدو أنهم من الأشاعرة أو من المحسوبين عليهم.
وطبقا لمراقبين، فإن ما قاله الداعية والباحث
السلفي مشهور سلمان في حق الأشاعرة والصوفية يأتي في سياق الصراع بين السلفية
والأشاعرة، واتهام كل طرف للآخر بما يطعن في دينه ومنهجه، وسلامة توجهه، وأنه هو
الطرف الأحق بتمثيل أهل السنة والجماعة، والأقدر على التوافق مع السياسات الرسمية
في إدارة الشأن الديني.
من جهته، علق أستاذ الحديث النبوي وعلومه في
جامعة الزرقاء الأهلية، الدكتور أسامة نمر عبد القادر على كلام مشهور بالقول: "ما جاء في كلام الشيخ مشهور ليس صحيحا ولا يعبر عن واقع الحال، فمن المعروف
للجميع أن غالب المناصب الدينية الرفيعة في الأردن منذ عقود، كان يتولاها علماء
ومشايخ أشاعرة، أو علماء لا يعرفون بانتمائهم لمذهب عقدي معين، لكن لم يكونوا
سلفيين بالمعنى المتداول".
أسامة نمر عبد القادر، أستاذ الحديث النبوي وعلومه
وتابع: "وظيفة الإفتاء في القوات
المسلحة تولاها لعقود طويلة العالم الأشعري الشافعي الصوفي، الدكتور نوح سلمان
القضاة، وكان مساعده الدكتور علي الفقير، وهو أشعري شافعي، وكذلك دائرة الإفتاء
العام تولاها في طورها الجديد الدكتور نوح سلمان، وغالب من فيها هم علماء وطلبة
علم أشاعرة على المذهب الشافعي".
وأضاف في تصريحاته لـ
"عربي21":
"كما أن المناهج الدراسية لمادة التربية الإسلامية في المدارس الحكومية، وضعها
وأشرف عليها علماء وأساتذة إما من الأشاعرة، أو علماء لا ينتمون لمذهب بعينه،
لكنهم لم يكونوا سلفيين.. وكذلك الحال في وزارة الأوقاف، إذ لم يتسلم الوزارة طوال
عملها وزير سلفي".
واستنكر عبد القادر بشدة ما قاله مشهور من
أن الدولة وجدت في تمكين الأشاعرة والصوفية ما يُخل بأمن البلد، وأن لهم بيعات
لإيران"، واصفا كلامه هذا بأنه "تحريض أمني، وكأنه يريد أن يضع في فم
الجهات الأمنية الكلام الذي يريده ويتمناه، وهذا مرفوض سياسيا، ومرفوض
مذهبيا".
ولفت الأكاديمي الأردني الأشعري، عبد القادر
إلى أن "منهج الأشاعرة لا يضيق ذرعا بالاتجاهات العقدية والمذهبية الأخرى، بل
يقوم على احتواء مختلف تلك الاتجاهات، على عكس الاتجاه السلفي الذي يريد تضييق
الخناق على الآخرين، وعدم السماح لهم بممارسة حقهم في الدعوة والحركة، من منطلق
أنهم يمثلون الاعتقاد الحق، وغيرهم على ضلال في العقيدة".
تجدر الإشارة إلى أن الداعية والباحث السلفي
مشهور يُعد في الوقت الراهن الرمز السلفي الأول في الأردن، وهو المقدم في أوساط
السلفية العلمية الأردنية، بعد وفاة المحقق والداعية السلفي المعروف، علي الحلبي
في 15 تشرين الثاني/نوفمبر 2020، واعتاد منذ سنوات على إلقاء دروس في شرح صحيح مسلم، في مسجد
إبراهيم الحاج حسن، في ضاحية الحاج حسن شرقي العاصمة عمان، وعقد مجلس للفتاوى، وقد
تم توقيف دروسه منذ ما يقارب السنتين، ثم أُذن له مؤخرا بالتدريس.
وفي ذات الإطار، قال الباحث في شؤون الحركات
الإسلامية، حسن أبو هنية؛ إن "كلام الشيخ مشهور في لقائه مع مفتي عام السعودية
يلخص واقع السلفية كما يراها هو"، لافتا إلى أن "سياسات الدولة الأردنية
في إدارة الشأن الديني لم تكن يوما ضد الأشاعرة والصوفية، بل سياستها محافظة
متوازنة مع مختلف المكونات الدينية، ولا تقطع علاقاتها بالكامل مع أي اتجاه ديني
قائم".
وأضاف: "وما جاء على لسان مشهور من قوله: "وجدت الدولة أن الأشاعرة والصوفية يخلون بأمن البلد، وأن لهم بيعات مع إيران" ليس
صحيحا، وهو من قبيل التمني، وأقرب ما يكون إلى الحديث الرغائبي؛ إذ إن الأشاعرة
والصوفية موجودون في مؤسسات الدولة الدينية الرسمية، ولهم حضورهم في المشهد
الديني".
ولفت أبو هنية في حديثه
لـ
"عربي21"، إلى أن "سياسات الدولة كانت منذ عقود متحالفة مع
السلفية لمواجهة الإخوان المسلمين والسلفية الجهادية. لكنْ، ثمة تحول طرأ على تلك
السياسات منذ 2015، حيث وجدت مؤسسات الدولة أن السلفية العلمية التقليدية لا تساهم
في تعزيز الأمن".
وتابع: "وكان واضحا بعد ذلك سياسة تهميش
دور السلفيين، ومنع كثير من خطبائهم من الخطابة، وتوقيف دروس بعض رموزهم كدرس
مشهور سلمان وغيره، وهذا يعبر عن السياسة الرسمية في تدبير الشأن الديني بوجه عام،
وتجاه السلفية في المرحلة الراهنة بوجه خاص".
وعن السماح لبعض الشخصيات السلفية، ومنها
مشهور حسن سلمان، بالعودة للخطابة والتدريس، قال: "لا يوجد تحول رسمي في سياسة
الدولة تجاه الدعوة السلفية بعمومها، وليس هناك عودة كاملة لها كما كانت عليه في
عقدي ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي، ومطلع الألفية، إنما هو سماح جزئي لبعض
الشخصيات والرموز، التي تتقيد تماما بسياسات الدولة ولا تخرج عنها".
بدوره علق الباحث الأشعري، محمد أكرم أبو
غوش على كلام الشيخ مشهور سلمان، مؤكدا أن "الأردن بمشايخه وعلمائه منذ ما
يقارب خمسين عاما، كان جزءا من بلاد الشام، المعروفة بأشعريتها ومذهبيتها وتصوفها،
ومن المعروف أن الشيخ نوح سلمان القضاة، الذي شغل منصب مفتي القوات المسلحة،
والمفتي العام للمملكة، درس في بلاد الشام وأخذ العلم عن مشايخها وعلمائها
المعروفين بمنهجيتهم المذهبية والأشعرية".
وأضاف: "هذا حال الأردن منذ عقود طويلة،
والسلفية طارئة على المجتمع الأردني، ودخيلة على حالته الدينية، وليست أصيلة فيه،
فكما هو معروف، فإن الشيخ محمد ناصر الدين الألباني استقر في الأردن مطلع ثمانينايت
القرن الماضي، ثم تضافرت بعد ذلك عدة عوامل ساهمت في انتشار دعوتهم وشيوع توجههم
الديني".
محمد أكرم أبو غوش.. باحث أشعري
وأردف: "ولا يبعد أن يكون من عوامل
انتشار السلفية (العلمية أو الجامية أو المدخلية)، توظيف الدولة لهم في مرحلة ما،
كما حدث في مصر والجزائر، لمواجهة الإسلاميين الحركيين، وهو ما استمر إبان انتشار
الفكر السلفي، ثم بعد سنوات رأت بعض مؤسسات الدولة أن السلفية لم تعد مناسبة
للمرحلة الراهنة".
وردا على سؤال
"عربي21" حول ما
قاله مشهور في حديثه لمفتي عام السعودية، من أنه ثبت لدى الجهات الرسمية أن
للأشاعرة والمتصوفة بيعات لإيران، نفى أبو غوش ذلك بشدة، وتحدى أن يكون لأحد من
أشاعرة الأردن أي صلة أو علاقة بإيران، مؤكدا أن "الأشاعرة يعدون شيعة إيران
رافضة"، وتساءل: "فكيف تكون لهم بيعات مع من هذا معتقدهم؟".
وواصل حديثه موضحا؛ "إن كان يقصد بذلك السيد
حسن السقاف، المعروف بقربه من التشيع، ومحاولته مد جسور معهم في مرحلة ما، وهذا
معروف عنه منذ 2005، ولم يكن هذا التوجه محل ترحيب الدولة، بل كان لها توجه
ضده" نافيا أن "يكون السقاف أشعريا حقيقيا، إذ لا يمكن تصنيفه كأشعري،
وهو لا يقول بأصول الأشاعرة، بل يتهم الإمام الأشعري نفسه بالتجسيم".
ووصف أبو غوش مشهور في حديثه عن الواقع
بقوله: "إما أنه لا يعرف الواقع، وافترض ذلك افتراضا، وإما أن يكون ما قاله قد
قِيل له من قبل بعض مؤسسات الدولة، بأنها لا تستغني عنهم، وأنها تحتاجهم لمواجهة
خطر كذا وكذا، لعله قيل له كلام ففهمه بصورة معينة، في سياق سياسات الدولة
المتمثلة بإقامة التوازنات في إدارتها للشأن الديني لتحقيق المصلحة الوطنية
العليا".
وطالب الباحث الأشعري أبو غوش مشهور سلمان، أن يأتي بدليل واحد على أن الأشاعرة يخلون بأمن البلد، وموجها سؤاله لمشهور: هل
يوجد أي مصداق على اتهامه لهم بذلك؟ وهل يوجد لديه دليل واحد على وجود بيعات
لأشاعرة أردنيين لإيران، كما زعم ذلك وادّعاه في كلامه لمفتي السعودية؟
وختم حديثه باستنكار وصف مشهور للأشاعرة
بأنهم يخلون بأمن البلد، ذاكرا أن "علماء الأشاعرة ومشايخهم هم من يتولون
إدارة وتسيير شؤون المؤسسات الدينية الرسمية في البلد، وهم من يقومون بعقد الدورات
الفقهية المذهبية في جامعة العلوم الإسلامية لأئمة وخطباء المساجد، وهم من يتولون
مواجهة الفكر المتطرف والمنحرف"، متسائلا: "فكيف يصح وصفهم بعد ذلك بأنهم
يخلون بأمن البلد؟".