أكد
الرئيس الفرنسي إيمانويل
ماكرون أنه ليس مضطرا لطلب الصفح من
الجزائريين عن
استعمار
فرنسا لبلدهم، مشيرا إلى أن باريس تتطلع لمواصلة العمل مع الجزائر في ملف
المصالحة بين البلدين.
وصرح
ماكرون في مقابلة مع أسبوعية "
لوبوان" الفرنسية، بأن "أسوأ ما يمكن
أن يحصل هو أن نقول نحن نعتذر وكلّ منّا يذهب في سبيله"، معتبرا أنّ "عمل
الذاكرة والتاريخ ليس جردة حساب، إنّه عكس ذلك تماماً".
وردا على سؤال حول اعتذار فرنسا عن ماضيها الاستعماري وطلبها الصفح أو السماح؛ شدد ماكرون على أنه لن يطلب الاعتذار، وشرح ذلك قائلا: "كانت هناك حرب. الاعتذار أو عدم الاعتذار، لن يصلح أي شيء. يجب أن نعود إلى الواقع و إلى التاريخ ونصفه. لست مضطرا للاعتذار، والكلمة ستقطع كل الروابط. الأسوأ هو أن نعتذر وبعد ذلك يمضي كل منا في طريقه. عمل الذاكرة والتاريخ ليس ميزانا لجميع الحسابات. الغفران الجماعي الوحيد الذي طلبته هو من الحركيين، لأن الجمهورية الفرنسية تعهدت بحمايتهم والترحيب بهم وخانت كلماتها عدة مرات. كما طلبت الصفح من عائلة موريس أودين وأحفاد علي بومنجل".
وأوضح
أنّ عمل الذاكرة والتاريخ "يعني الاعتراف بأنّ في طيّات ذلك أموراً لا توصف،
أموراً لا تُفهم، أموراً لا تُبرهَن، أموراً ربّما لا تُغتفر".
وأعرب
ماكرون عن أمله في أن يستقبل نظيره الجزائري عبد المجيد تبّون في باريس هذا العام
لمواصلة العمل وإيّاه على ملف الذاكرة والمصالحة بين البلدين.
وتابع:
"آمل أن يتمكّن الرئيس تبّون من القدوم إلى فرنسا في عام 2023 لمواصلة عمل
صداقة.. غير مسبوق".
ورداً على سؤال "لوبوان" حول رغبته في المصالحة بين الشعبين الفرنسي والجزائري؛ قال ماكرون: "أولاً، لدينا ملايين المواطنين الذين يختبرون العلاقة الفرنسية الجزائرية بشكل وثيق، بما في ذلك جزائريون يعيشون في فرنسا بتصريح إقامة، ومزدوجو الجنسية، ومهاجرون فرنسيون من أبوين جزائريين، والحركيون وأطفالهم، والعائدون وأسرهم، والذين قاتلوا من أجل التراب الجزائري… تجاوزنا 10 ملايين. يتعلق الأمر بذاكرات متباينة وطويلة وربما لا يمكن التوفيق بينها جزئيا".
وواصل ماكرون القول: "من المؤكد أن هناك إرادة للمضي قدمًا من جانب الجزائريين والرئيس
تبون، لكن هذه الإرادة الجزائرية تتبع طريقها وإيقاعها الخاص، بالتوازي مع ما يحدث في فرنسا. يفترض هذا المسار إجراءات أخرى: وجود دار للجزائر وفرنسا وإعادة فتح البحث الأكاديمي حول هذا التاريخ المشترك والمقسّم. والقرار الذي تم اتخاذه مع الرئيس تبون بفتح الأرشيفات لدى الجانبين موضوع مهم للغاية للعديد من العائلات. ينطلق هذا المسار من ضرورة داخلية وسياسية وأخلاقية. هذه هي الخطوات الأولى على طريق مشترك. يجب أن نأخذ هذا التاريخ من بدايته وأن نبني ذاكرة صحيحة ونخبر بعضنا البعض بهذه القصص".
ورداً على السؤال حول مدى صعوبة التحدث عن الجزائر ومع الجزائر بالنسبة لرؤساء فرنسا، قال ماكرون: "الأمر صعب دائما. إنها لعبة شد الحبل إذا جاز لي القول. قد يكون الحديث عن الجزائر محفوفا بالمخاطر ولكنه ضروري. صعب لأنه موضوع حميمي للجميع، وما يزال سؤالا داخليا بالنسبة للكثيرين في فرنسا، ولكنه أيضا سؤال خارجي تجاه الجزائر وتجاه التاريخ".
وأضاف: "الحديث عن الجزائر يعني التحدث إلى فرنسا والتحدث عن تاريخها والتحدث إلى الفرنسيين الذين كانوا جنودا أو تم استدعاؤهم من الوحدة، والتحدث إلى أولئك الذين هم من المهاجرين الجزائريين، والتحدث إلى مزدوجي الجنسية والحركيين والعائدين وأطفالهم".
وتابع: "لم يتم مزامنة أو مواءمة الكثير من الذكريات، بسبب معاناتنا من صدمة سبعين عاما وقبلها أكثر من قرن من الاستعمار. وبالتالي، فإننا نحمل ثقلاً على أكتافنا يجعل المقاربات معقدًة للغاية، ولست أنت (كمال داود) عاشق ألبير كامو، من يحتاج أن أذكّره بأسطورة سيزيف، الرجل الذي يجب أن يدفع صخرة باستمرار دون سبب، ومهما كانت الفرضيات الكامية (نسبة إلى ألبير كامو) التي تريد أن تصف لنا سيزيف سعيدًا على الرغم من مصيره".
وزعم ماكرون قائلا: "كل ذلك يغرقنا في بعدٍ يتجاوزنا. استعمرت فرنسا الجزائر بخيارات عسكرية. بعد ذلك، بطريقة غير نمطية للغاية من منظور الضم والاستيطان. وتصرفت بشكل مختلف عما فعلته في أماكن أخرى، وكانت هناك الحرب التي خلقت عددًا كبيرًا من الأعمال الدرامية مع قصص لا يمكن التوفيق بينها في كثير من الأحيان. ثم جاء أخيرا الصمت بعد إنهاء الاستعمار. يجب أن نُذكّر بأنه خلال العقود الماضية، شارك جيل كامل من السياسيين الفرنسيين في النسيان".
وتابع: "وعلى الجانب الجزائري، ما تزال العلاقة مع فرنسا مؤلمة للغاية. هذه الصدمة نحسها ويمكننا رؤيتها والعودة إليها كلما أردنا، لكنني لا أريد أن أحصر نفسي في هذه الدائرة لأنني أعتقد أن هناك رغبة حقيقية من الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، فيما يتعلق بهذه الجزئية، في بدء مرحلة جديدة".
وردّاً
على سؤال بشأن ما إذا كان بالإمكان أن تتخلّل هذ الزيارة المرتقبة لتبّون إلى
فرنسا مشاركة الرئيس الضيف في مراسم تكريم أمام نصب الأمير عبد القادر الجزائري في
مقبرة أبطال مقاومة الاستعمار ببلدة أمبواز (جنوب غرب باريس)، قال ماكرون إنّ مثل
هذا الأمر سيكون "لحظة جميلة جداً وقوية جدّاً".
واعتبر
ماكرون أنّ إقامة مثل هذه المراسم "سيكون لها معنى في تاريخ الشعب الجزائري.
وبالنسبة للشعب الفرنسي، ستكون فرصة لفهم حقائق مخفيّة في كثير من الأحيان".
وبخصوص سؤال المحاور كمال داود عن الحجاب في فرنسا؛ أوضح ماكرون قائلاً: "أرفض تماما محاولات وضع الحجاب للفتيات الصغيرات في المدرسة، حيث يجب أن يبقى الدين والأسرة بعيدين. وليس هناك أي تنازلات فيما يتعلق بالحجاب الكامل، لأنه يتم بذلك استهداف قانون 1905 وقانون 2004 واللذين يجب الدفاع عنهما واستعادتهما وتنفيذهما لمواجهة التهديد. يتعلق الأمر بالمساواة بغض النظر عمن تكون ومن أين أتيت، وهذا ليس إنكار دين أو مهاجمة دين. بعد ذلك ألقي نظرة على حقيقة ماهية الحجاب في بلادنا. في الحجاب، يوجد أحيانًا تلاعب ديني بالجماعات الانفصالية -وهذا هو المصطلح الذي أستخدمه- الذين يريدون زعزعة الجمهورية والترويج للإسلام السياسي".
وزعم أن "الحجاب هو عنصر من عناصر القتال الأيديولوجي. لكن الحظر المطلق للحجاب في الفضاء العام لن يكون منطقيا بالنسبة لي، ولن يكون متسقا مع العلمانية الجمهورية. إذا اتخذت المرأة هذا الاختيار بحرية، فليس لدينا الحق في منعها من القيام بذلك".
وأضاف: "علاوة على ذلك، لا توجد دولة في العالم تمنع الحجاب في الأماكن العامة. نحن البلد الذي يذهب إلى أبعد نقطة في هذا الاتجاه، وأنا أدافع عنه من خلال توضيح أن هذا هو ما يميز نموذجا كونيا مثل نموذجنا في فرنسا، ونموذجا آخر متعدد الثقافات أو عنصريا".
رداً على سؤال بشأن الهجرة والمهاجرين؛ قال الرئيس الفرنسي: "هناك مشكلة جنوح مرتبطة بالهجرة التي يتم التحكم فيها بشكل سيئ على حدودنا وفي التوزيع على أرضنا. لطالما كانت فرنسا أرض هجرة ونحن بحاجة إليها. لكن الهجرة تسارعت في السنوات الأخيرة بسبب الضغط على أوروبا من الجنوب والشرق، والمرتبط أيضا بالتدفقات الثانوية داخل أوروبا. ترتبط هذه الظاهرة بالأزمات والحروب في الشرقين الأدنى والأوسط والقرن الأفريقي، ولكنها مرتبطة أيضا بنقص الفرص الاقتصادية في العديد من البلدان النامية".
واعتبر أن "الحل يبدأ بالتعاون المسؤول مع بلدان المنشأ والعبور، ولهذا السبب، قمنا بزيادة المساعدة الإنمائية الرسمية بطريقة غير مسبوقة. ولهذا السبب أيضًا، يجب علينا هيكلة حوار سياسي وتطوير الاستثمار التضامني والسماح بتنقل المواهب من خلال إصلاح سياسة التأشيرات التي سنطلقها، ولكن الحل يشمل أيضا التعاون مع البلدان الأصلية لمكافحة الهجرة غير النظامية، وتفكيك شبكات التهريب".
وعلى صعيد آخر، استبعد الرئيس الفرنسي وقوع حرب بين المغرب والجزائر، قائلا: "لا أعتقد أن لدى المغرب أو الجزائر هذا الاحتمال للحرب. التوتر بين البلدين موجود وحقيقي، وما ينذر بالخطر هو عندما يصبح التوتر هيكلاً للحقيقة الوطنية والحياة السياسية لدى الجانبين. بالنسبة للجزائر والمغرب وفرنسا، فإن التهدئة بين البلدين مهمة للغاية. لا أعتقد أن الحرب ستحدث بين المغرب والجزائر".