يرى الداعية والسياسي الجزائري عبد الله جاب الله، في هذا الرصد لعمل
الإسلاميين في العالم العربي، الذي كتبه للنشر المتزامن بين "عربي21"
وصفحته الرسمية على موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك"، أن خصوم الدين هم
جزء من العوائق التي حالت دون الإسلاميين وترجمة مشاريعهم السياسية إلى نموذج عملي
على الأرض، ويشرح ذلك بالتفصيل كما يلي:
الأمراض والمعوقات الخارجية
أعني بالأمراض والمعوقات الخارجية ما يقف في وجه التيّار الإسلامي من
خارج مكوناته، وتأتي من طرف النظام السياسيّ القائم وأعوانه في الأحزاب والمنظمات
والإعلام، كما تأتي من طرف أعداء الدين والأمة عامة وأعداء التيّار الإسلامي خاصة،
وهم ما يصطلح على تسميتهم بالغرب عموما؛ أي القوى الغربية المسيطرة اليوم على
العالم أنظمة ومنظمات ومؤسسات عسكرية وأمنية ومالية وإعلامية وأحزاب ومنظمات ..الخ.
وخلاصة العقبات التي تأتي من هؤلاء:
1 ـ تشويه القدوة
إنّ من مظاهر الغربة التي نعيشها ضرب العلمانيين لمسألة القدوة في
حياة الأمة، وأول قدوة للمؤمنين هو الرسول عليه الصلاة والسلام، فقد اصطفاه الله
تعالى من خيار الناس ففي الحديث: " أنا سيّد ولد آدم يوم القيامة ولا فخر،
وبيدي لواء الحمد ولا فخر، وما من نبي يومئذ؛ آدم فمن سواه إلاّ تحت لوائي، وأنا
أول شافع وأول مشفع ولا فخر".
وجعله خيرة الخلق وأفضلهم وأوحى إليه الكتاب والحكمة، وأمر بطاعته
وأعطاه حق التشريع ابتداءًا وابتناءًا ﴿وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ
فَانْتَهُوا﴾[الحشر:7 ]، وجعله نموذجا عمليا بشريا تتجسد فيه أخلاق القرآن ففي
حديث عائشة رضي الله عنها: " كان خلقه القرآن " ومدحه الله تعالى بقوله: ﴿وَإِنَّكَ لَعَلى
خُلُقٍ عَظِيمٍ﴾، وأمر بحبه واتّباعه والتأسي به، وجعل ذلك من العقيدة ودليل قوة
الإيمان وصدقه، فمما يروى: " لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعا لما جئت به
" ، وقال عليه الصلاة والسلام:" ثلاث من كن فيه وجد حلاوة الإيمان: أن
يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله، وأن يكره
أن يعود في الكفر كما يكره أن يقذف في النار " .
وفي القرآن الكريم جاء قوله تعالى: ﴿لقد كان لكم في رسول الله أسوة
حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيرا﴾[الأحزاب:21]، وقال تعالى:﴿
قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ
وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾[آل عمران:31].
وعد تقديم حب النفس والوالدين والأهل والولد والمال وغيرهم من متاع
الدنيا على حب الله تعالى ورسوله عليه الصلاة والسلام والجهاد في سبيل الله، دليل
الفسوق وعلامة عليه، قال تعالى: ﴿قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ
وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا
وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ
مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ
اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ﴾[التوبة: 24]
وأن الاقتداء بغيره من الفاسدين خزي وندامة قال تعالى:﴿ وَيَوْمَ
يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ
الرَّسُولِ سَبِيلا. يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلانًا خَلِيلا *
لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ
لِلإنْسَانِ خَذُولا﴾[الفرقان: 27-29].
إنّ الصحابة رضي الله عنهم رأوا كل صفات الكمال البشري مجسدة في شخص الرسول عليه الصلاة والسلام ومعاملاته وعلاقاته ومواقفه فأحبوه وتأسوا به، فارتقوا هم أيضا إلى أعلى درجات الكمال البشري المقدور لهم،
لقد فهم الصحابة رضوان الله عنهم هذا فآمنوا به وأقروه وعملوا به،
فما عرفت البشرية قومًا أحبوا رسولهم أكثر مما أحبوا أنفسهم وأولادهم وأزواجهم
وأموالهم مثل حبّ الصحابة رضي الله عنهم للرسول عليه الصلاة والسلام وتاريخهم كله
شهادات متفردة لم تتكرر بنفس الحجم والمستوى، ولكنّها ظلت منارات يهتدي بها
المسلمون وتشهد على عظم النجاح في تنشئة الرسول عليه الصلاة والسلام لذلك الجيل
العظيم القيمة والأثر في انتشار الإسلام وقيام دولته وثباتها في وجه كل أشكال
التآمر والعدوان عليها عبر قرون كثيرة من الزمن.
إنّ الصحابة رضي الله عنهم رأوا كل صفات الكمال البشري مجسدة في شخص
الرسول عليه الصلاة والسلام ومعاملاته وعلاقاته ومواقفه فأحبوه وتأسوا به، فارتقوا
هم أيضا إلى أعلى درجات الكمال البشري المقدور لهم، فما من صحابي من الصحابة
الكرام رضي الله عنهم درس المسلم حياته إلاّ ووجده أسوة حسنة على تفاوت بين
الصحابة أنفسهم في العلم والقدرة وفي الالتزام والتضحية، ولكنه تفاوت في الفضائل
والحسنات ولذلك جاء في حديث: "إنّي لا أدري ما قدر بقائي فيكم فاقتدوا
باللذين من بعدي وأشار إلى أبي بكر و عمر واهتدوا بهدي عمار وما حدثكم ابن مسعود
فصدقوه".
والسؤال الذي يطرح نفسه هل حضور شخص الرسول عليه الصلاة والسلام لازم
لتتحقق القدوة؟
والجواب باختصار أن ذلك ليس لازما، فالرسول عليه الصلاة والسلام بشر،
وقد سرى عليه ما يسري على البشر، فانتقل إلى رحمة الله تعالى، قال تعالى: ﴿وَمَا
مُحَمَّدٌ إِلا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ
قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ
فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ﴾[آل عمران:144].
والله تعالى لم يقبض رسوله إلاّ بعد أن أكمل الدّين وأتمّ النعمة:
﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي
وَرَضِيتُ لَكُمُ الإسْلامَ دِينًا﴾[المائدة:03].
ومن تمام النعمة على عباده أن حفظ لهم سيرة محمد عليه الصلاة والسلام
وسنته، فسيرته وسنته عليه الصلاة والسلام منقولة إلينا بكل تفاصيلها، وقارئ السيرة
والسنة بحب صادق يتملكه الإحساس والشعور بأنّه يعيش مع الرسول عليه الصلاة والسلام،
فيرى كل شأن من شؤونه وكل خطوة من خطواته وكل كلمة من كلماته وكل تدبير من تدابيره
وخطة من خططه ومعركة من معاركه، والراغب في التأسي بالرسول عليه الصلاة والسلام في
أي جانب من جوانب الحياة وفي أي ظرف من ظروفها أو وضع من أوضاعها إلاّ ويجد
النموذج العمليّ لذلك في سيرة الرسول عليه الصلاة والسلام، وقد ظلت سيرة الرسول
عليه الصلاة والسلام وسنته ولا تزال تعلم وتربي المسلمين الدارسين لها والمتأسين
بها..
إلاّ أنّ العلمانيين الذين سيطروا على الحكم والإعلام والتعليم وغير
ذلك من أنواع القوة والتأثير التي يوفرها الحكم لأصحابه دأبوا على تجهيل المسلمين
برسولهم عليه الصلاة والسلام بإهمال تدريس سيرته وسنته، وإهمال الحديث عنها
بالمستوى المطلوب واللائق، إلاّ ما يكون من إشارات محدودة وأحيانا مشوهة في برامج
تقدم من خلال ذكرى المولد النبوي الشريف، وماذا يمكن أن يفعل درس أبتر أو موعظة
باهتة مرة في السنة ويقابلها كم لا عد له ولا حصر من الترويج للشخصيات المتسخة في
المسلسلات والأفلام والمسرحيات، وبعض البرامج التعليمية والتلفزيونية والإذاعية
والمقالات الصحفية حتّى أضحت أجيال الأمّة تعرف عنها ما لا تعرفه عن رسولها عليه
الصلاة والسلام، وتتأسى بها ولا تتأسى برسولها عليه الصلاة والسلام.
إنّ سياسة إهمال الحديث عن سيرة الرسول عليه الصلاة والسلام تبعه إهمال الحديث عن الصحابة الكرام رضي الله عنهم، وعن الصالحين من أبناء هذه الأمة، على كثرة أعدادهم وعظم شأنهم وجمال سيرهم، كما تبعه جهد مركز في تشويه أبرز علماء الأمة ودعاتها وقادة الرأي فيها،
ولما قامت بعض وسائل الإعلام الغربية بحملات تشويه الرسول عليه
الصلاة والسلام من خلال الرسوم الكاريكاتورية وجدنا من يؤيدهم ويتعاطف معهم من
أبناء هذه الأمة، وأقلهم تعاطفا هو غير المبالي بما يروج ضد الرسول عليه الصلاة
والسلام.
إنّ
سياسة إهمال الحديث عن سيرة الرسول عليه الصلاة والسلام تبعه
إهمال الحديث عن الصحابة الكرام رضي الله عنهم، وعن الصالحين من أبناء هذه الأمة،
على كثرة أعدادهم وعظم شأنهم وجمال سيرهم، كما تبعه جهد مركز في تشويه أبرز علماء
الأمة ودعاتها وقادة
الرأي فيها، بالترويج للأكاذيب التي تمس علمهم ونزاهتهم
وأخلاقهم، لكي تنعدم القدوة الحسنة عند الأجيال وتتراءى لهم قدوات سيئة لشخصيات
رياضية وفنية وسياسية وعسكرية تافهة يزيد الاقتداء بها في نشر الفساد لدى الأجيال،
وتعميق الهوة بينهم وبين دينهم وتاريخهم وحضارتهم، وأنه لا سبيل أمامهم لترتيب
الحاضر وبناء المستقبل إلاّ ما قدّمه لهم التيار العلماني !
ولذلك لا غرابة فيما حلّ بالأمة اليوم من غثائية وفساد، فقد اجتمع
على إيجاد هذا الواقع فساد القوانين والبرامج وفساد القدوات والنماذج.