مقابلات

منظمة إنسانية: تركيا بحاجة إلى 100 مليار دولار للتعافي من الزلزال

تركيا ستكون بحاجة إلى خمس سنوات على الأقل لمعالجة آثار الزلزال إن كان المال متوفرا- عربي21
قال رئيس منتدى العمل الإنساني العالمي، الدكتور هاني البنا، إن "تداعيات الزلزال المُدمّر الذي ضرب تركيا وسوريا مؤسفة ومؤلمة للغاية، وبصورة غير متوقعة بالمرة؛ حيث إن تركيا بحاجة إلى 100 مليار دولار، وخمس سنوات على الأقل من العمل والجهد الشاق، من أجل تجاوز آثار تلك الكارثة المروعة".

وأضاف: "على العالم أن يقف بجوار تركيا وسوريا؛ فقد تصل مدة التعامل مع هذه المشكلة إلى ما لا يقل عن خمس أو سبع سنين، وبتكلفة عالية جدا في الجانب التركي لإعادة الإنشاءات، ولترميم البنية التحتية، وقد يصل التأثر الاقتصادي لرقم يقارب الـ100 مليار دولار؛ فمن أين ستأتي الحكومة بكل هذه الأموال".

وأوضح البنا، في مقابلة خاصة مع "عربي21"، أن "آثار الزلزال لم تُقدّر بعد بشكل رسمي، سواء كانت في البُنى التحتية أو في المنشآت، أو في الاقتصاد المركب، أو في عدد الشهداء والمصابين، وستُحدد مثل هذه الاحتياجات رسميا بتقنية عالية بعد إزالة الركام من كل المدن".

وأشار إلى أن "تداعيات الزلزال المُدمّر الذي ضرب تركيا وسوريا غير متوقعة، معربا عن اعتقاده بأن الجانب التركي هو صاحب النصيب الأكبر من الإصابات الجسيمة جدا؛ فقد أصاب الزلزال العمق التركي، وتضررت 11 ولاية، وتأثر به ما يقارب الـ20 مليون إنسان، في مساحة 500 كيلومتر مربع، ويمتد أثره إلى 1000 كيلومتر مربع".

ولفت البنا إلى أن "الزلزال أصاب مناطق صناعية يتمثل فيها جزء كبير من بناء الاقتصاد التركي، ويُقدّر البعض أنها تصل إلى 10% أو 11% تقريبا، وحجم الإنتاج في هذه المناطق قد تصل قيمته إلى 20 مليار دولار سنويا".

خسائر مادية واقتصادية

وتابع: "تنقسم هذه المشكلة إلى جزأين: الأول، وهو الخسائر المادية التي قد تصل إلى 100 مليار دولار، والثاني قد تصل الخسائر الاقتصادية نتيجة توقف عجلة الإنتاج في هذه الأماكن المنتجة زراعيا، وصناعيا وسياحيا إلى مبلغ مماثل".

أما على الجانب السوري فقد يصل الرقم نتيجة توقف عجلة الإنتاج وإعادة الإعمار مرة أخرى إلى 20 أو 25 مليار دولار في أحسن تقدير للخسائر المادية، وفق البنا.

ونوّه البنا إلى أن "الخسائر في الأرواح تجاوزت بكل أسف الـ50 ألف شخص في تركيا وسوريا، وهذه الأرقام ربما تكون قابلة للزيادة مع إتمام رفع الركام وانتشال الجثث من تحت الأنقاض".

وأشار إلى أن "هناك الكثير من الدول التي أرسلت معونات ومساعدات مختلفة، ومنها خبراء في الزلازل، وخبراء في استخراج الجثث، أو المساعدة في إنقاذ الأحياء. هناك أكثر من 90 دولة قدمت مساعدات، بالإضافة إلى جهود المؤسسات الدولية التي بدأت أعمالها داخل تركيا، وتقوم حاليا السلطات التركية بتنظيم هذه المساعدات، والتنسيق بين الجمعيات، ويرتكز العمل من خلال مؤسسة الهلال الأحمر التركي، ورئاسة إدارة الكوارث والطوارئ التركية (آفاد)".

وأردف: "على الجانب السوري كانت الاستجابة من المجتمع الدولي متباطئة، لكن مع مرور الوقت بدأت الأبواب تفتح مرة أخرى، لكن هذه المساعدات تحتاج لتنسيق عالٍ".

تنسيق الجهود الإغاثية

ودعا الجمعيات والمنظمات الإنسانية والإغاثية إلى "التنسيق فيما بينها، مؤكدا ضرورة عدم إنفاق الأموال دون دراسة، أو بدون وضع خطط طريق واضحة، بعد التواصل مع الجمعيات العاملة في سوريا أو  تركيا لمعرفة الحاجة الملحة للمساعدات".

ورأى البنا أن أبرز الصعوبات التي تواجه عملهم تتمثل في "الهزات الارتدادية، والحالة النفسية للنازحين الذين خرجوا من الأماكن المنكوبة؛ فقد وصل إلى مدينة أنطاليا التركية -على سبيل المثال- ما لا يقل عن 140 ألف نازح فارين بملابسهم فقط، وهو عبء كبير جدا على المدينة".

ومن بين تلك الصعاب أيضا، "إزالة الركام؛ لكي نحدد العدد الحقيقي للوفيات أو الشهداء، وإزالة المباني المتصدعة، وتحديد الكلفة الحقيقية للمراحل القادمة".

وشدّد البنا على أن هناك تحديا كبيرا  يتمثل في "التكلفة المادية العالية لتقديم الاحتياجات الأساسية للناجين لإبقائهم على الحياة، من الطعام والإيواء واللباس؛ فقد توقفت الحياة في مدنهم، وكل هذه الصعوبات الكبيرة تعيق العمل بشكل كبير".

وأشار إلى "عدم وجود تنسيق بين كافة الجهات المعنية، خاصة في الداخل السوري، وهذه من أكبر الصعوبات التي تواجهنا في عملية إنفاق الأموال، حتى تصل الأموال والمساعدات لمستحقيها".

مرحلة إعادة الإعمار

وقال: "نحن نهدف إلى مناصرة الحكومة التركية ودعمها في عملها وجهدها المبذول، ومناصرة الجمعيات والشعب السوري في داخل سوريا بالمطالبة بفتح الحدود بشكل دائم على الأقل لمدة ثلاث سنوات بعد الزلزال. كما أننا نعمل على بناء شراكات بين الجمعيات بعضها البعض، وإنشاء مجلس للتنسيق على المستوى السوري في الداخل، والتنسيق بينه وبين التنسيقيات التي تقوم بها الأمم المتحدة".

وحول خطة عملهم لما بعد الكارثة أو مرحلة إعادة الإعمار، قال: "من المفترض أن تبدأ بمجرد إزالة الركام -إن توافرت الأموال في ميزانية الدولة– حيث سيتم بدء عملية إعادة الإعمار على أسس علمية بتحديد الأماكن الأقل عرضة للزلازل، ثم بناء منازل مقاومة للزلازل".

ونوّه الناشط الإنساني إلى أنه "سيتم الانتقال من مراكز الإيواء المكونة من خيام، ثم إلى البيوت المؤقتة ثم إلى الإعمار، وكل هذه المراحل قد تأخذ 5 سنوات ربما أقل أو أكثر بحسب تواجد الأموال، وتوافر الإمكانيات في الدولة".

وأوضح أن "تأخر وصول المساعدات إلى الشمال الغربي في سوريا أدى إلى حدوث مشاكل أكبر في الإيواء، وفي الطعام، والشراب، وفي الرعاية الصحية، والعلاج وغيره"، مضيفا أن "القلق القادم من الدخل السوري يتمثل في عدم إخراج كافة جثث الشهداء من تحت الركام، وهو ما قد يؤدي إلى ظهور بعض الأمراض والأوبئة والعياذ بالله".

وتحدث عن تأثير الزلزال على النازحين في مخيمات شمال غرب سوريا، قائلا: "نحن نرصد معاناة هؤلاء الأشخاص؛ فلديهم احتياجات شديدة للغاية في أساسيات الحياة مثل المياه، والصحة، والتعليم، وغيرها، ولا بد ألا تنصب مساعدتنا فقط على ضحايا آثار الزلزال؛ فعلى سبيل المثال يأتي مَن يقول أريد مساعدة الطفل اليتيم المتأثر بالزلزال، فنقول له هناك طفل يتيم آخر متأثر بالنزوح منذ سنة ولا نستطيع التكفل به، في حين علينا ألا نفرق بينهم؛ فمن يعيش في المخيمات لا تصل لهم حقوقهم من المؤسسات العالمية التي تعمل هناك".

احتياجات مركبة ومُعقّدة

ولفت إلى أن "احتياجات المنكوبين مركبة ومُعقّدة، وهناك احتياجات قديمة وأخرى جديدة؛ فهي قضية مزمنة وحادة في نفس الوقت، ولا بد من التعامل بنفس المعايير ولا نفرق بين الجديد والحديث. وتأثير ذلك على المخيمات سيئ جدا بطبيعة الحال، وأثره سلبي جدا؛ فالناس في الداخل السوري تعيش في رعب شديد؛ فهي تخشى أن ترجع لبيوتها مرة أخرى، مع عدم الثقة في الحكومات أو المؤسسات الدولية التي تعمل معها".

وأكد البنا أن "تركيا ستكون بحاجة إلى خمس سنوات على الأقل إن كان المال متوفرا في بنوكها اليوم من أجل التعافي من تداعيات الزلزال"، موضحا أن "التعافي هو بناء الثقة وعلاج الصدمات النفسية للناس، والإسراع في بناء المنازل".

وتابع: "لذا، فلا بد أن تكون هناك خطة استراتيجية للتعامل مع تلك الهزات الارتدادية، ونتعامل معها بكل المحاذير، في البناء من خلال اختيار الأراضي التي نبني عليها، وفي أسلوب البناء، لتكون المباني معدة لتحمل الهزات الأرضية".

واختتم رئيس منتدى العمل الإنساني العالمي، بقوله: "الزلازل آية صغرى من آيات القيامة، وعلى الإنسان أن يتعظ من الأحداث؛ فخلال 57 ثانية انتهى عمر عشرات الآلاف من البشر، فليتعظ الجميع من هذه الحادثة".