مرة أخرى يعود اسم
جمال مبارك إلى الواجهة في البورصة
السياسية، بعد البيان الرئاسي الذي ألقاه في
الإمارات، فقد
نشر موقع "إنتليجنس"
الاستخباراتي، أن لقاء جمع بين نجل الرئيس السابق وسفير أمريكي، عرض فيه
(النجل) قراره بالترشح في 2024!
لم يعلن جمال مبارك من الإمارات بياناً سياسياً بما عقد
العزم عليه، ولم يحدد ما يفكر فيه حول مستقبله السياسي، ومن الواضح أن أحلامه لم
تتوقف بالثورة، بالأحرى أن شهيته فُتحت بعد الانقلاب العسكري، وفشل "مرشح
الضرورة"، لكنه مع ذلك كان بياناً خارج ذلك، حيث اهتم فيه برد الاعتبار
للوالد، كان الأنسب له أن يكون من القاهرة، وأن يلقيه الأخ الأكبر، لكن في الأولى
فإن للضرورة أحكام، وفي الأولى والثانية، فإنها رسالة لا تخطئ العين دلالتها، وأن الظهور
الرئاسي تمثل في الشكل فقط، وهو أمر له أهميته مع
المصريين الآن؛ الذين بات يهمهم
هذا كثيراً، والحكمة المصرية المتوارثة: "إمش معرش ولا تمش مكرش"،
والمعنى أنه ليس مهماً ماذا تأكل، ولكن المهم أن تبدو وجيهاً وشامخاً أمام الناس!
ولا شك أنه بالمقارنة فإن جمال مبارك يكسب، وذلك عند المقارنة
بجانب سمات أخرى سنتعرض لها بعد قليل، وبعيداً عن هذا فإن
السيسي يستهويه أن يلاعب
الخليج، لكن الإمارات هي من لاعبته فكانت رسالة متعددة الأهداف!
قصور مبارك:
اللقاء الذي أذاعه الموقع الاستخباراتي سالف الذكر، قيل
إنه في قصر مملوك لأسرة الرئيس الراحل، وأن جمال مبارك كان يهدف منه أن يضمن
استمرار المساعدات في حال انتخابه رئيساً، وهذه نقطة ضعف هذا الخبر!
اللقاء الذي تم في آذار/ مارس من العام الماضي، ولم يفصح عنه الموقع الاستخباراتي سوى الآن، لا يبدو منطقياً إذا عرفنا أن جمال مبارك ليس مغامراً يمكنه أن يتصرف على هذا النحو، وقد رأينا كيف اعتزل الحياة الاجتماعية عندما كتب الصحفي الراحل ياسر رزق يطلب منه أن يلزم بيته، وأن يتوقف عن تحركاته التي تحشد الناس في الشارع حوله
فلم نسمع عن قصور تملكها أسرة الرئيس مبارك، والرجل عاش
حياته كمستأجر، فحتى شقته الأولى في مصر الجديدة، حرص على استمرار التعاقد مع
المالك، وهو رئيس للجمهورية، وقد قرأنا كيف أن المالك استغل الثورة وتمرد، لكن بعد
ذلك عادت الأمور إلى طبيعتها، ثم قرر المجلس العسكري سكنه الرئاسي بيتاً له، ومن
المعلوم أن إقامته في شرم الشيخ كانت على ضيافة صديقه رجل الأعمال حسين سالم!
ويمكن لمثلي أن يتفهم أن يجس جمال مبارك نبض البيت
الأبيض في إمكانية ترشحه، فهناك قناعات ترسخت لدى كل الأطراف بعد الثورة، من الصعب
زعزعتها، فقطاع كبير من الثوار يسلم بأن الجيش حمى الثورة، وقطاع كبير في الدولة
العميقة ورجال الحزب الحاكم سابقاً يؤمنون أن الثورة قام بها الجيش واستهدف بها
الوصول إلى الوضع الحالي، وأن مبارك تعرض للخيانة، ومن ثم لا يعتبرون هذه دولتهم،
وجاءت خيارات هذه الدولة التي استبعدتهم من الحضور في المشهد لصالح شخصيات لا وزن
لها في المجتمع لتعزز من مصداقية هذه الرؤية!
أما في حالة مبارك، فلو أقسمت له قبل وفاته على الماء
فتجمد ثم قلت إن الأمريكان لا ناقة لهم ولا جمل في الثورة المصرية فلن يصدق، وقد كان
في وقت التحقيق معه يبدو كما لو كان يكلم نفسه بعبارات تفيد بهذه المؤامرة
الأمريكية عليه. ولا شك أن قاضي التحقيق يملك كنزاً مهماً من الأسرار، لا يعرف
قيمته، وهو شخصية لا يستهويها الإعلام، وربما لسماته الخاصة هذه كان اختياره لهذا
التحقيق التاريخي!
ولو تأثر جمال مبارك برؤية والده في مرحلة السجن، فإنه
سيكون طبيعياً أن يكون هذا اللقاء، وأن يستهدف به الحصول على الإذن، وليس لضمان
استمرار المساعدات، لأنها ستستمر وليس هناك ما يبرر قطعها، ولم يكن لدى الإدارات
الأمريكية السابقة اعتراض على توريث الحكم، فالمهم لديهم من يضمن استقرار هذا
البلد المهم، بسبب جواره لإسرائيل!
نقطة قوة جمال مبارك:
اللقاء الذي تم في آذار/ مارس من العام الماضي، ولم يفصح
عنه الموقع الاستخباراتي سوى الآن، لا يبدو منطقياً إذا عرفنا أن جمال مبارك ليس
مغامراً يمكنه أن يتصرف على هذا النحو، وقد رأينا كيف اعتزل الحياة الاجتماعية
عندما كتب الصحفي الراحل ياسر رزق يطلب منه أن يلزم بيته، وأن يتوقف عن تحركاته
التي
تحشد الناس في الشارع حوله، وقلت وقتئذ إنه تحذير من السيسي وأن ياسر رزق ليس
إلا ناقلا لهذا التحذير، وقد توقف عن هذه التحركات بعدها (علمنا منطق القوم). وفي
بعض "الواجبات الاجتماعية" ظهر علاء مبارك بمفرده، وإن عاد مؤخراً
لتقديم العزاء في بعض الشخصيات، ويبدو ليس سعيداً باستقبال الكاميرات له.
والسؤال: ألم يخشَ الموقع الاستخباراتي على مصداقيته إذا
نفى جمال مبارك صحة التقرير المنشور؟ لنأتي إلى نقطة قوة جمال مبارك، وهي أنه لا
يجد نفسه معنياً بالنفي، وإلى الآن لم ينف تطلعاته السياسية، ولم يقل مثلاً إن
شغفه بالحكم تلاشى، لكنه لن ينفي تحركات لم يقم بها، وتعلم أجهزة الدولة أنها لم
تحدث!
تطلعات جمال مبارك لم يحدّها حد، ويأتي فشل الجنرال وابتعاده عن الدولة العميقة وابتعادها عنه ليعزز من استمرار هذه التطلعات، ولا شك أن رجال الحزب الوطني قد علموا مبكراً أنه لا شعبية جارفة تحيط بالسيسي، عندما عزف الناس عن المشاركة في انتخاباته الرئاسية الأولى
والمفيد هنا، أن تطلعات جمال مبارك لم يحدّها حد، ويأتي
فشل الجنرال وابتعاده عن الدولة العميقة وابتعادها عنه ليعزز من استمرار هذه
التطلعات، ولا شك أن رجال الحزب الوطني قد علموا مبكراً أنه لا شعبية جارفة تحيط
بالسيسي، عندما عزف الناس عن المشاركة في انتخاباته الرئاسية الأولى، ولهذا نقل عن
قيادي بالحزب المنحل قوله: لو يعرفون ذلك لرشحوا حسام البدراوي منافساً. ومن
الواضح أن ما قاله كان اتجاهاً عبّر عنه القوم في جلساتهم الخاصة في أكثر من مكان،
ولهذا اندفع بدراوي أكثر من مرة يبالغ في تأييد السيسي ويشيد بحكمه، لأنه يدرك
خطورة ما يتردد!
لقد كان هذا في فترة مبكرة، عندما كان جمال مبارك لا
يمكنه المنافسة لأسباب قانونية، لكن وضعه القانوني الآن يؤهله لخوض
الانتخابات
التي ستجرى في 2024، فهل يفعلها؟!
المؤكد أنه إن فعلها فسوف يكتسح السيسي الذي قد يجد
صعوبة في تزوير الانتخابات، ليس فقط لأن الحزب الحاكم سابقاً سيحتشد في معركة حياة
أو موت، ولن يجد منافساً من أنصار مستقبل وطن الذين يفتقد معظمهم للقيمة التقليدية
في المجتمع، ولكن لأن الأجهزة المنوط بها التزوير ليست معادية له، ما دام ليس إخوانياً، أو ليس مرشحاً للثورة، وهي أجهزة وإن قبلت الأوضاع الحالية فهو قبول على
مضض!
بيد أن الأزمة تكمن في شخصية جمال مبارك نفسه، فهو ليس
بنازير بوتو التي قررت خوض الانتخابات ضد الجنرال برويز مشرف، وليس مطروحا على
جدول أعماله دفع الثمن، ناهيك عن أن يكون "نواز شريف" المنافس الآخر
للجنرال الباكستاني.
وجمال مبارك هو البديل الاستراتيجي الآن لدولة الإمارات،
ولن يمكنه خوض المعركة إلا إذا كانت الإمارات معه بالباع والذراع، وهذا لا يمكن في
وجود السيسي، إلا إذا جدّت في الأمور أمور فرضت طيّ صفحة السيسي من جانب القوى
الدولية، وهذا لن يحدث إلا بحضور شعبي كبير، عندئذ سيكون من حق كثيرين المنافسة
على الانتخابات!
القوى الإقليمية، فضلاً عن القوى الدولية، لا يمكنها أن تترك حكم مصر في مهب الريح، ولا بد لكل طرف من وجود خيار له، حفاظاً على المصالح المرسلة، فكيف يمكن لدولة مثل الإمارات بعد كل ما دفعت في الانقلاب، أن تترك الأمور بدون تفكير في البديل؟
وقوة جمال مبارك الآن في مدى قدرته على مواجهة الجنرال،
عندئذ ستُجمع عليه الدولة القديمة وقوى الثورة، بدرجات مختلفة بطبيعة الحال،
وسيكون في حكم البرادعي عندما تمترست المعارضة خلف حصانته الدولية، لكن بقيام
الثورة انتهت قيمة البرادعي، ولم يعد أحد يناصر ترشيحه سوى قلة قليلة من الشباب،
ولهذا تراجع عن المنافسة، فكل وقت له أذان كما يقول المصريون!
إن القوى الإقليمية، فضلاً عن القوى الدولية، لا يمكنها
أن تترك حكم مصر في مهب الريح، ولا بد لكل طرف من وجود خيار له، حفاظاً على
المصالح المرسلة، فكيف يمكن لدولة مثل الإمارات بعد كل ما دفعت في الانقلاب، أن
تترك الأمور بدون تفكير في البديل؟ وقد كان في السابق سامي عنان خياراً سعودياً،
وكان أحمد شفيق خياراً إماراتياً، وانتهى الخيار الأول باعتقاله، كما انتهى الخيار
الثاني بترحيله إلى مصر بعد الفشل الإماراتي في السيطرة عليه، لكن هذا التفكير لا
يعني الدخول في مزاحمة السيسي ما دام قادراً على الاستمرار!
إن جمال مبارك بديل للسيسي وليس منافساً له، ولهذا أضمن
ألا يصوم المصريون ويفطرون على بصلة!
twitter.com/selimazouz1