سياسة دولية

الخارجية الأمريكية تهاجم سعيّد في أعنف انتقاد منذ "25 تموز"

قالت الخارجية الأمريكية إن سعيّد أضعف الديمقراطية في تونس - جيتي
انتقدت مساعدة وزير الخارجية الأمريكية باربرا ليف إجراءات الرئيس التونسي قيس سعيّد، معتبرة أن ذلك أضعف الضوابط والتوازنات الديمقراطية في البلاد، في أوضح انتقاد توجهه واشنطن لسعيد منذ 25 تموز/ يوليو 2021، تاريخ استحواذه على كل السلطات.

جاء ذلك في حوار مع وكالة رويترز، حيث قالت ليف إن سعيّد يثير قلقا بالغا بشأن الاتجاه الذي تتحرك نحوه تونس، مضيفة أنه بعد أعوام من الجهود لبناء نظام ديمقراطي إلا أن "ما رأيناه في العام ونصف العام الماضيين هو أن الحكومة تأخذ تونس في اتجاه مختلف للغاية".

وتابعت ليف: "كانت هناك عدة إجراءات اتخذها الرئيس العام الماضي والتي أضعفت بصراحة المبادئ الأساسية للضوابط والتوازنات".

وقالت المسؤولة الأمريكية إن أحدث تعليقات لسعيد بأن أي قاض يقرر إطلاق سراح المشتبه بهم سيعتبر متواطئا معهم هي "بالضبط نوع التعليقات الذي أثار قلقنا البالغ إزاء الاتجاه الذي تسير فيه تونس تحت قيادة هذا الرئيس".

وأكدت ليف أن الكثير من التونسيين غير راضين عن الأعوام التي أعقبت ثورة 2011 التي جلبت الديمقراطية، لكنها قالت: "لتصحيح أوجه القصور هذه، لا تجرد المؤسسات من سلطاتها"، مضيفة: "لا أستطيع التفكير في مؤسسة أكثر أهمية من سلطة قضائية مستقلة".

وأوضحت ليف: "كانت هذه التعليقات سببا في خلق مناخ رهيب من الخوف، لكن نتج عنها ما هو أكبر من ذلك إذ تسببت في هجمات على هؤلاء الأشخاص الضعفاء وموجة عارمة من الخطاب العنصري".

وردا على سؤال حول الخطوات التي اتخذتها تونس للتأكيد على حقوق المهاجرين، بما في ذلك مد فترات التأشيرات وتذكير الشرطة بقوانين مكافحة العنصرية قالت: "لا يزال ثمة عمل يتعين القيام به".

وتابعت ليف: "الأصدقاء يتحدثون مع أصدقائهم بصدق… سنوجه الانتقادات حينما تكون الانتقادات مستحقة. هذا ليس تدخلا".




وعن مساعي تونس للحصول على قرض بقيمة 1.9 مليار دولار من صندوق النقد الدولي لدعم الإصلاحات والحيلولة دون حدوث انهيار اقتصادي في يدي الحكومة، قالت ليف: "هذه حزمة تفاوضوا (الحكومة التونسية) عليها، وتوصلوا إليها، ولسبب ما لم يوقعوا على الحزمة التي تفاوضوا عليها".

وأردفت: "المجتمع الدولي مستعد لدعم تونس حينما تتخذ قيادتها قرارات جوهرية حول وجهتها"، مضيفة أنه حتى تقرر الحكومة توقيع حزمة الإصلاح الخاصة بها سنظل "مكتوفي الأيدي".

وقالت إن قرار تونس بتنفيذ الإصلاحات التي اقترحتها على صندوق النقد الدولي "قرار سيادي… وإن قرروا ألا يفعلوا ذلك، فنحن حريصون على معرفة ما هي الخطة ‘ب‘ أو الخطة ‘ج‘".

تقرير الخارجية الأمريكية
وجاءت تصريحات الدبلوماسية الأمريكية بعد أيام قليلة من صدور تقرير عن وزارة الخارجية الأمريكية بشأن الحقوق والحريات في تونس خلال العام الماضي، قالت فيه إن الانتخابات البرلمانية الأخيرة كانت تفتقر إلى الشرعية، والمعايير الدولية، وإن معظم السلطات في البلاد الآن تتركز في يد الرئيس قيس سعيد.

وقال التقرير إن نسبة المشاركة في الانتخابات الأخيرة كانت قرابة 11% فقط، وسط قانون يلغي نظام الكوتا للنساء والشباب، ما أدى إلى انخفاض نسبة مشاركة المرأة.

وتابع التقرير بأن الرئيس سعيد حل المجلس الأعلى للقضاء، واستبدله بمجلس مؤقت، ثم حل البرلمان بعد أن صوت النواب على إلغاء المراسيم الرئاسية التي أصدرها سعيد بعد تعليق العمل بالدستور.

وأوضح أن سعيد صاغ دستورا جديدا بنفسه، وعرضه على الشعب للاستفتاء، وتمت الموافقة عليه، وهو يركز السلطات في يد الرئيس، ويزيل الضوابط والتوازنات عن السلطة التنفيذية، ويضعف البرلمان، ويعطي الرئيس سلطات معززة على السلطة القضائية والتشريعية.




وأشار التقرير إلى عدد من انتهاكات حقوق الإنسان في تونس، منوها إلى أن هنالك تقارير موثوقة تتحدث عن تعذيب على أيدي السلطات، والاعتقالات التعسفية، ومشاكل تخص استقلال القضاء، وقيود على حرية التعبير ووسائل الإعلام.

وتابعت الخارجية بأن النظام في تونس يعمل على اعتقال ومقاضاة الصحفيين، ويفرض رقابة وتهديدا من أجل الحد من القدرة على التعبير.

كما تحدث التقرير عن فساد حكومي، وتمييز من طرف السلطات، وانتهاكات مجتمعية، إلى جانب عمالة الأطفال.

وتابع بأن السلطات اتخذت خطوات للتحقيق مع المسؤولين الذين زُعم أنهم ارتكبوا انتهاكات، لكن التحقيقات في الانتهاكات التي ارتكبتها الشرطة وقوات الأمن ومسؤولو مراكز الاحتجاز افتقرت إلى الشفافية وواجهت في كثير من الأحيان تأخيرات طويلة وعقبات إجرائية.

وختم بأن التحقيقات البارزة مع مسؤولين حكوميين سابقين وأعضاء برلمانيين ورجال أعمال بتهم فساد تفتقر إلى الشفافية.

قلق أمريكي
وسبق للولايات المتحدة، أن أعربت عن قلقها من حملة الاعتقالات التي عرفتها تونس خلال الشهر الماضي، والتي شملت ناشطين سياسيين ورجل أعمال وإعلاميا وقاضيين، على لسان المتحدث باسم وزارة خارجيتها نيد برايس.

وفي مؤتمر صحفي في واشنطن، قال نيد برايس: "نشعر بقلق بالغ إزاء ما تردد عن اعتقال العديد من الشخصيات السياسية ورجال الأعمال والصحفيين في تونس في الأيام الأخيرة. نحترم تطلعات الشعب التونسي إلى قضاء مستقل وشفاف، قادر على حماية الحريات الأساسية للجميع ".




وأضاف: "نحن منخرطون مع الحكومة التونسية على جميع المستويات لدعم حقوق الإنسان وحرية التعبير. من المبادئ الأساسية للولايات المتحدة أن يكون الناس في جميع أنحاء العالم قادرين على التعبير عن أنفسهم دون خوف من الانتقام. تقع على عاتق جميع الحكومات مسؤولية الحفاظ على هذا المبدأ الأساسي ".

رد تونسي
في المقابل، عبر الرئيس التونسي عن رفضه لأي تدخل أجنبي في شؤون بلاده والمس بسيادتها، قائلا: "لسنا تحت الاستعمار، نحن دولة مستقلة ذات سيادة ونعلم جيدا ما نقوم به في ظل احترام القانون".

وأضاف: "نحن قادرون على تشخيص مشاكلنا.. إذا كانوا يريدون مساعدة تونس ودعم التونسيين فليعيدوا أموالنا المنهوبة.. ليسقطوا الديون المتراكمة".

وفي مقابلة مع "عربي21"، قال السفير الأمريكي السابق في تونس غوردون غري، إن "النقد البناء من الأصدقاء لا يعتبر تدخلا في الشؤون الداخلية. ودفاع الرئيس سعيّد عن نفسه ومحاولته لعب بطاقة السيادة شبيه بسلوك الحكام المستبدين الآخرين، بمن فيهم ابن علي".