نشرت صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية تقريرًا، تحدثت فيه عن اختلاف الجمهوريين والديمقراطيين حول تأثير عمليات إغلاق البنوك الأخيرة على مأزق سقف الديون، والدروس المستفادة من الأزمات الاقتصادية السابقة.
وقالت الصحيفة، في تقريرها الذي ترجمته "عربي21"، إن الكونغرس يواجه حاليًا عدم استقرار النظام المصرفي ومأزق رفع سقف الدين في وقت واحد، ما يزيد من القلق المالي. وحسب السناتور رون وايدن، النائب الديمقراطي عن ولاية أوريغون ورئيس اللجنة المالية بمجلس الشيوخ، فإن "المخاطر كبيرة بشكل استثنائي عندما تتعامل مع ما يرقى إلى ضربة مزدوجة من المخاطر الاقتصادية".
يعترف الجمهوريون والديمقراطيون بأنها حالة مخيفة من تجربتين سبق أن واجهتهما البلاد، لكنهم يختلفون بشدة حول تأثير إخفاقات البنوك الأخير، وحالة عدم اليقين بشأن كيفية استجابة الكونغرس لها، إن وجدت، على مكافحة أزمة سقف الديون في وقت لاحق من هذا الصيف.
وذكرت الصحيفة أنه في اجتماعهم الذي اختتموه مؤخراً في فلوريدا، اتخذ الجمهوريون في مجلس النواب الرأي القائل إن عدم استقرار النظام المصرفي يجب أن يعزز موقفهم في المواجهة القادمة بشأن أزمة سقف الديون. وجادلوا بأن فورة الإنفاق بقيادة الديمقراطيين حفّزت التضخم ودفعت أسعار الفائدة إلى الارتفاع وأدت إلى غياب الاستقرار في جميع البنوك باستثناء أكبرها. والإجابة الواضحة -بالنسبة لهم- هي ضرورة إجراء تخفيضات كبيرة في الإنفاق، وهم مصرّون على هذا الإجراء قبل اتخاذ أي خطوة لرفع سقف الديون.
عندما سُئل عن التداخل بين الاستقرار المصرفي وسقف الديون، قال رئيس مجلس النواب الجمهوري كيفن مكارثي للصحفيين يوم الثلاثاء: "ينبغي أن ينذر هذا الجميع. لماذا نمر بأزمة؟ لأن الحكومة أنفقت الكثير وتسببت في التضخم. أعتقد أنه من أجل تحديد سقف الديون، عليك أن تنفق أقل من ذي قبل".
يوم الأربعاء، شكك جيروم إتش باول، رئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي، في فكرة أن الإنفاق لا يزال المحرك الرئيسي للتضخم، قائلاً إن "الإنفاق كان مرتفعا بالطبع بشكل كبير خلال الجائحة، لكن مع انطلاق برامج الأوبئة، انخفض الإنفاق بالفعل".
في الواقع، يرى الديمقراطيون أن الجمهوريين يفعلون عكس ما هو مطلوب في لحظة حرجة، حتى عندما يقدّم بنك الاحتياطي الفيدرالي تأكيدات حول سلامة النظام المصرفي، مؤكدين أن تداعيات أي اضطراب مصرفي يجب أن تقنع الجمهوريين بأن آخر شيء يحتاجه الاقتصاد هو شبح التخلف عن السداد ناتج عن الفشل في رفع سقف الديون.
وأشارت الصحيفة إلى أن السيناتور تشاك شومر، النائب الديمقراطي عن نيويورك، هاجم يوم الأربعاء موقف الجمهوريين، ووصفه بأنه "طائش وجاهل"، قائلا: "بدلا من الدعوة إلى الهدوء، يقوم الجمهوريون في مجلس النواب ببث الفوضى من خلال التهديد بالتخلف عن السداد، في وقت تحتاج فيه البنوك إلى الاستقرار". وأضاف أن "الحل الصائب هو أن يتوقف الجمهوريون عن القيام بأفعال تؤدي إلى تصعيد التوترات، والتخلي عن سياسة أخذ الرهائن وسياسة حافة الهاوية، والعمل معًا لتمديد سقف الديون دون قيود".
نقلت الصحيفة عن السيناتور الديمقراطي عن ولاية ماريلاند كريس فان هولن أن "الأزمة المصرفية تسلط الضوء على أهمية سداد الديون في الوقت المحدد، وعدم خلق المزيد من عدم اليقين في الأسواق المالية والاقتصاد. وبسبب ما حدث للبنوك، من المهم أكثر من أي وقت مضى ألا يدفعنا الجمهوريون إلى الهاوية".
وأضافت الصحيفة أن الأزمات الاقتصادية التي حصلت في سنتي 2008 و2011 مثّلت أحداثًا مزلزلة بالنسبة لمبنى الكابيتول هيل. ففي خريف سنة 2008، واستجابةً لتحذيرات مسؤولي الخزانة ومسؤولي الاحتياطي الفيدرالي من أن البنوك في البلاد كانت على وشك الانهيار، انغمس الكونغرس في نقاش هائل في السوق حول 700 مليار دولار من برنامج إغاثة الأصول المتعثرة، وأقرّ في النهاية بإجراء تدخل حكومي تاريخي في الاقتصاد.
وبعد مرور ثلاث سنوات، تسبب صدام الأغلبية الجمهورية الجديدة في مجلس النواب مع إدارة أوباما حول الإنفاق بدفعهما إلى حافة الانهيار المالي، والاقتراب من التخلّف عن سداد الدين الفيدرالي قبل التوصل إلى تسوية في اللحظة الأخيرة بشأن خفض الإنفاق، ممهدة بذلك الطريق أمام زيادة في سقف الديون لتجنب كارثة.
وأشارت الصحيفة إلى أن المشرعين يفيدون بأنهم استخلصوا الكثير من الدروس من تلك التجارب المؤلمة، لكنها تختلف بين الحزبين. بالنسبة للديمقراطيين، عززت تجربة سنة 2011 معارضتهم للتفاوض بشأن زيادة حد الدين مقابل ضرورة رفعه دون شروط لأنه ببساطة يتماشى مع الإنفاق الذي سبق أن وافق عليه الكونغرس بالفعل بدعم من أعضاء كلا الحزبين. على النقيض من ذلك، يقول الجمهوريون إن نفس التجربة أقنعتهم بأن الطريقة الوحيدة لفرض تخفيضات حقيقية في الإنفاق هي استخدام التهديد بالتخلف عن سداد الديون الفيدرالية.
والآن، دفعت المناهج المتضاربة كلا الحزبين إلى التعمق في زيادة حد الدين، كما تم إحراز تقدم ضئيل نحو إيجاد حل من شأنه تفادي تقويض الاقتصاد رغم علامات الإجهاد التي يظهرها النظام المصرفي. ويعتقد بعض الجمهوريين أن الانهيار الكبير لبنك وادي السيليكون حادث منعزل، على عكس الخوف الذي انتشر على إثر الانهيار المصرفي الكامل في سنة 2008 قبل تدخل الكونغرس.
حيال هذا الشأن، قال السيناتور الجمهوري عن ولاية إنديانا مايك براون وغيره من الجمهوريين إنهم بحاجة إلى مواصلة المطالبة بخفض الإنفاق كجزء من أي اتفاق ممكن لرفع حد الديون، ودعوا كلا من الديمقراطيين والرئيس بايدن إلى التخلي عن رفضهم للتفاوض.
وفي ظهور علني أمام جمعية المصرفيين الأمريكيين يوم الثلاثاء، قالت وزيرة الخزانة جانيت يلين إن الرئيس مستعد لمناقشة موضوع الإنفاق الفيدرالي مع الجمهوريين، ولكن ليس على حساب تحديد سقف الديون. وأضافت الوزيرة في حديثها مع أعضاء المجموعة أن "إجراء هذه المحادثة يجب أن يحدث بمرور الوقت وليس من خلال التهديد بالتخلف عن السداد. ومن الضروري أن يرفع الكونغرس سقف الديون، وأن يفعل ذلك على الفور؛ حتى لا يتسبب في كارثة حقيقية في اقتصادنا ونظامنا المالي".
يعزو الجمهوريون والديمقراطيون ثقة المستهلك إلى تمكنهم من تأجيل الكارثة الاقتصادية ومنع الكونغرس حتى الآن من الدخول في أجواء الأزمة التي تخللت كلا من سنتي 2008 و2011، ولكن ليس هناك ما يضمن الحفاظ على هذه الثقة. ويحذّر المشرعون من احتمال حدوث أحداث متتالية في حال أصبح النظام المصرفي غير مستقر أو في حال استمرار المواجهة المتعلقة بتحديد سقف الديون لفترة طويلة جدًا.
للاطلاع إلى النص الأصلي (
هنا)