نشرت صحيفة "
لوموند" الفرنسية تقريرا للكاتب فريدريك بوبان، قال فيه إن اعتقال رئيس حركة النهضة
التونسية راشد الغنوشي، الذي اعتبرته "محميا" منذ فترة طويلة من
الجزائر، يؤسس لوضع جديد في العلاقات الثنائية بين البلدين.
وأشارت الصحيفة إلى أن اعتقال الغنوشي الاثنين، ثم سجنه الخميس، لم يكتف بإثارة التساؤل حول مستقبل الحريات العامة في تونس
قيس سعيد، بل ينطوي كذلك على تحد دبلوماسي كبير للعلاقة بين تونس والجزائر.
وفسرت الصحيفة ذلك بالقول إن "الارتباط بين رئيس التيار الإسلامي التونسي المحافظ الذي نشط جدا على الساحة الإقليمية حتى انقلاب الرئيس قيس سعيّد في 25 تموز/ يوليو 2021، وبين النظام الجزائري، تاريخي".
وتعود العلاقة الجيدة التي تجمع الغنوشي بالنظام الجزائري إلى عامين من المنفى (1990-1991) أمضاها زعيم حركة النهضة في الجزائر أثناء فراره من قمع نظام الديكتاتور الراحل زين العابدين بن علي. ثم تم تعزيزها بالمساعدة التي قدمها، في نهاية التسعينيات، إلى الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة في سياسة المصالحة "الوفاق المدني" في ما يتعلق بالإسلاميين من مقاتلي "العقد الأسود".
وبعد الثورة التونسية 2011، استقبل الرئيس الجزائري الراحل بوتفليقة، رئيس حركة النهضة الغنوشي في الجزائر العاصمة أربع مرات، وهو ما اعتبرته الصحيفة "ترددا يشهد على قرب الارتباط".
وداخل حركة النهضة، لطالما اعتبر بعض القياديين أن التأثير الذي تمارسه الجزائر على قيس سعيّد يحمي السيد الغنوشي بطريقة ما من خطر الاعتقال، بحسب الصحيفة التي قالت إنه باختصار "خط أحمر" لا يجب تجاوزه في عيون الجارة الكبيرة لتونس، والتي لا تزال شديدة التطفل في الشؤون التونسية.
وأضافت "لوموند" أنه بالإضافة إلى البعد الشخصي المرتبط بمسيرة الغنوشي وعلاقاته، فإن "الجزائر تخشى من أن يؤدي قمع النهضة في تونس إلى إعادة الحركة الإسلامية إلى الاختباء ويكون مصدرًا لعدم الاستقرار على حدودها"، بحسب مصدر قالت عنه الصحيفة إنه مقرب من الغنوشي.
"الخط الأحمر" الجزائري
كان لدى الجزائر العديد من الحجج التي قدمتها لسعيّد، باعتباره رئيس بلد في حالة إفلاس مالي مفترض، تمت تغطية احتياجاته من الغاز من قبل الجزائر بنسبة الثلثين. ناهيك عن المكاسب المفاجئة التي يحظى بها السائحون الجزائريون والتعزيزات المالية لسد الميزانية. وقد أثبت توافق تونس مع المواقف الجزائرية المتعلقة بالصحراء الغربية - مما يثير استياء المغرب - بالفعل فعالية هذه الروافع، بحسب الصحيفة.
وأضافت "لوموند" أنه "في الواقع، كان قيس سعيّد قد انتظر وقتًا طويلاً - ما يقرب من عامين بعد "انقلاب القوة" في صيف عام 2021 - لمهاجمة زعيم حزب النهضة وجهاً لوجه، حيث اقتصرت المشاكل القانونية لهذا الأخير على ثلاثة استدعاءات للمثول أمام قاض".
ومع ذلك، فإن سيناريو الاعتقال بدا غير مرجح، لا سيما بسبب حساسيته الدبلوماسية، حيث إن من الواضح أن "الخط الأحمر" الجزائري - غير المعلن بشكل رسمي - فقد فعاليته.
وأضاف المصدر المقرب من رئيس حركة النهضة أن "محاورينا الجزائريين أعربوا عن قلقهم"، مضيفا أن "الجزائريين يفعلون ما هو ضروري لتأمين إطلاق سراح الغنوشي"، بحسب ما نقلته الصحيفة.
السياسة الجزائرية
واعتبرت "لوموند أن "كون قيس سعيّد يعتقد أنه واثق بما يكفي لتجاهل هذا المعيار للعلاقة الجزائرية التونسية يغذي العديد من التكهنات".
وتساءلت الصحيفة قائلة: "هل كانت الجزائر ستتخلى عن الغنوشي؟"، معتبرة أن الفرضية ليست سخيفة في ظل الاضطرابات الداخلية في النظام الجزائري، حيث يبيع خلفاء بوتفليقة العديد من جوانب إرثه.
ورأت أنه في ظل الترتيبات الجيوستراتيجية الجديدة الجارية في شمال أفريقيا، كانت قيمة زعيم النهضة قد تراجعت في أعين الجزائر، التي ستكون أولويتها الآن تعزيز الجار التونسي الصغير الذي يواجه صعوبة بأي ثمن.
وفي شهر آذار/ مارس الماضي، قال الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون في مقابلة مع قناة الجزيرة إن "تونس هدف مؤامرة"، فيما طرحت الصحيفة فرضية ثانية، قائلة: "إذا كان سعيّد قد تحدى بالفعل الرغبات الجزائرية في ملف الغنوشي، فإنه في هذه الحالة من المتوقع حدوث بعض التوترات الثنائية في الأسابيع المقبلة".