يعتبر
متحف "شجرة الدر" في مدينة الخليل المحتلة جنوب الضفة الغربية واحدا من أهم المتاحف
الفلسطينية وشاهدا على العديد من الحقب
التاريخية، كونه كان فيه مطحنة لطحن لدقيق، وهرس الزيتون في الحقبة المملوكية
والعثمانية.
حافظ هذا المتحف على نمطه القديم وهويته رغم ما تعرض له من
اعتداءات إسرائيلية كثيرة قبل تحويله إلى متحف والاهتمام به وترميمه.
وقال جبر الرجوب مسؤول المواقع في وزارة السياحة والآثار الفلسطينية:
"متحف شجرة الدر هو ملك لعائله عبد النبي النتشة، وكان يطلق على هذا المكان
(بابور) يتم فيه طحن البذور وتحويلها إلى طحين".
وأضاف الرجوب لـ
"عربي21": "قام هذا المكان بوظيفتين
الأولى تتعلق بموضوع البابور ليطحن البذور وتحويلها إلى طحين، والثانية هرس
الزيتون أو عصره وتحويله إلى زيت الزيتون الفلسطيني المعروف بجودته العالية
وتاريخه".
جبر الرجوب مسؤول المواقع في وزارة السياحة والآثار الفلسطينية
وأوضح أن هذه المعصرة كانت من أكبر المعاصر الموجودة في مدينه الخليل
التي كان يأمها العديد من المزارعين في محافظه الخليل من البلدات والقرى المجاور
اضافه لمناطق بيت لحم وبلدة تقوع القريبة من مدينه الخليل بالاتجاه الشرقي
والشمالي.
وأشار الرجوب إلى أنه في العام 2015م تم افتتاح متحف شجرة الدر وذلك
بعد عام من تنظيف الموقع وتأهيله، وذلك على نفقة منظمة التعاون الإسلامي وبإشراف
وزارة السياحة والآثار الفلسطينية ولجنة الإعمار الخليل.
وأوضح أنه بعد افتتاح المتحف بشكل رسمي تم فيه عرض الأدوات اللي كانت
تستخدم في عملية هرس الزيتون وطحن الحبوب إضافة لبعض اللقى.
وأشار إلى أن هذه الأدوات والتي كانت مسجلة في وزارة التربية
والتعليم باسم مدرسة شجرة الواقعة في الطابق العلوي من المتحف لذلك حمل المتحف هذا
الإسم وبقي عليه.
ويعود هذا المتحف بحسب الرجوب إلى نمط البلدة القديمة في مدينة
الخليل كبناء وكعماره والتي أغلبها ترجع للفترة المملوكية والعثمانية وكذلك فترة
الاحتلال البريطاني.
وقال: "يقع متحف شجرة الدر في شارع الزاهد في أطراف البلدة
القدية، وهو من المباني التي بنيت في فترات لاحقة من الحقبة المملوكية خارج حدود
البلد القديمة أو ضمن مخطط الهيكل القديم لها".
وأضاف: "إن المتحف وفي ظل الفراغات الموجودة فيه وكونه يبعد عن
البلدة القديمة عشرات الأمتار فهو جاء في مرحلة لاحقة للفترة المملوكية أي الحقبة
العثمانية، لكن النمط الموجود فيه يقودنا إلى القول إن هذا المبني قد شيد في فترة الانتداب
البريطاني".
ويدلل على ذلك من خلال شبابيك المتحف العالية والمرتفعة، مستدركا
بالقول ولكن الحفريات الأثرية أثبتت أن المداميك والأساسات ونظام وطرز البناء
الموجودة فيه يرجع للفترة العثمانية المتأخرة وبداية الفترة البريطانية.
وشدد على أهمية هذه المتاحف التي تحفظ
الهوية الفلسطينية، مشيرا إلى أنها
تعكس أهمية الزيتون بالنسبة للفلسطينيين، وأن عائلات الخليل كانت تحافظ على طبعها
الاقتصادي وكانت تعمل على شغل له علاقة في موضوع هرس الزيتون وموضوع طحن الحبوب.
وقال: "كون هذا المكان كان يعتبر مقصدا للمئات من المزارعين من
كل مناطق الخليل وريفها فإنه يعكس علاقة الترابط الاقتصادي التي كانت سائدة في
مدينة الخليل وأماكن أخرى والتي انبثق عنها موضوع شرائهم واستيرادهم للأدوات اللي
يتم فيها طحن الحبوب وهرس الزيتون".
وأضاف: "هذا يعطينا أيضا أهمية القيمة الاقتصادية التي كان أهل
الخليل محافظين عليها وتوارثوها والتي لا زالت موجودة في مدينة الخليل كواحدة من أهم
المدن الاقتصادية الفلسطينية والتي تضم أهم المصانع في شتى المجالات".
وتابع: "هذا يعد لكون شجرة الزيتون شجرة مقدسة ذكرت في القرآن
الكريم، وزيتها مبارك ويستخدم في إضاءة القناديل للحرم الإبراهيمي والمسجد الأقصى
المبارك، وهذا المكان يعني كذلك امتدادا ويعكس أثر الدين والاقتصاد والثقافة
والوعي الاجتماعي".
وشدد على أهمية القيمة التاريخية لمتحف شجرة الدر، لا سيما فيما يخص
ما يحتويه هذا المتحف من مقتنيات.
وقال: "أهم مكونات متحف شجرة الدر هي أقسام هذا المتحف وهي عبارة
عن جزئين، مبنى أول والمبنى بشكل كامل هو عبارة عن مستويين من الأرضي المستوى الأول
أثناء الدخول من البوابة الرئيسية للمتحف".
وأضاف: "من يدخل المتحف يجد أحواضا عديدة على الجهة اليسرى من
الداخل، وبأحجام مختلفة كانت تخصص لوضع الزيتون لغسله وتنظيفه قبل هرسه".
وأشار إلى أن الحفريات الأثرية كشفت عن بعض الأحواض الأخرى والتي
كانت تستخدم لتخزين الحبوب التي كانت تهرس وفي الغالب كانت هذه الحبوب عبارة عن ذرة
وقمح.
وأوضح أنه يوجد في أحد الغرف التي تقع في المنطقة الشمالية من المتحف
مخزن ويعلو هذه الغرفة غرفة أخرى ربما كانت تستخدم مكانا للنوم للعاملين في
البابور.
ومن جهته شدد الدكتور طالب جبران، مدير متاحف جنوب الضفة الغربية
المحتلة في وزارة السياحة والآثار الفلسطينية على أهمية متحف شجرة الدر لا سيما
بالنسبة لسكان مدينة الخليل.
طالب جبران مدير متاحف جنوب الضفة الغربية في وزارة السياحة والآثار الفلسطينية
وأشار جبران في حديثه لـ
"عربي21" إلى أن المتحف مفتوح أمام
المواطنين ويؤمه يوميا عدد لا بأس به من المواطنين سواء في زيارات شخصية أو رحلات
جماعية.
وقال جبران: "قامت وزارة السياحة والآثار وبالتعاون مع شركائها
مثل لجنة إعمار الخليل بتأهيل تلك المواقع في البلدة القديمة للحفاظ على صمود أهل
البلدة القديمة، وللحفاظ على تلك المواقع لتصبح نقاط جذب للسياحة المحلية
والوافدة، لذلك خصصت الوزارة كوادر وطواقم لفتح تلك المواقع لاستقبال الزوار".
وأضاف: "تقوم طواقم الوزارة وموظفيها بعمل احصائيات لإعداد
الزوار القادمين لتلك المواقع وتتفاوت تلك الأرقام من موقع لآخر، لكن بشكل عام
تعتبر الأرقام جيدة".
وأفاد الرجوب أنه سجل خلال العام الماضي 2022م زيارة 2638 مواطنا
لهذا المتحف.
وأكد مدير متاحف جنوب الضفة الغربية المحتلة في وزارة السياحة والأثار
الفلسطينية على أن الوزارة تقوم بعمل ترويج محلي وخارجي لتلك المواقع من خلال
العديد من المعارض التي تشارك بها خارج فلسطين.
وأشار إلى أن متحف شجرة الدر مثله مثل بقية المواقع الأثرية تعرض
لاعتداءات المستوطنين في الخليل.
وقال جبران: "لا يسلم أي موقع من اعتداءات المستوطنين في الخليل
بشكل خاص وبفلسطين بشكل عام، فخلال شهر سبتمبر للعام ٢٠٢٢م اقتحمت قوات الاحتلال
الإسرائيلي وقطعان مستوطنيه موقع الحمام التركي الواقع في قلب البلدة القديمة في
الخليل، وقامت بسرقة محتوياته، وتدمير قطع أثرية كانت بداخله".
وأضاف: "الاحتلال يمنع طواقم وزارة السياحة والآثار من إجراء أي
أعمال ترميم وتدخل للسطح الخارجي لمتحف شجرة الدر كونهم يقيمون ثكنة عسكرية فوقه،
الأمر الذي يجعل الموقع يعوم بالماء في فصل الشتاء نتيجة تسرب المياه من فتحات
القباب أعلى السطح".
وأشار إلى أنه نظراً لبعد متحف شجرة الدر عن مناطق تجمع وسكن المستوطنين،
فإن الاعتداءات عليه تكون أقل من غيره من المواقع الأثرية.
ومن جهتها دعت مديرة متحف قصر الباشا في غزة نريمان خلة السلطة
الفلسطينية إلى إيلاء المتاحف اهتماما أكبر كونها تعبر عن تاريخ الشعب الفلسطيني.
نريمان خلة.. مديرة متحف قصر الباشا في غزة
وأكدت خلة لـ
"عربي21" أنه يوجد في فلسطين عدد كبير من المتاحف
التي تضم في جنباتها آلاف القطع الأثرية التي تحكي قصة هذا الشعب منذ آلاف
السنيين.
وشددت على ضرورة الترويج لهذه المتاحف خارجيا وداخليا وعمل توأمة مع
متاحف عالمية وتدريب العاملين فيها على كيفية عرض المقتنيات والتعريف بها خلال جولات
الزوار لها.
وطالبت بالعمل على وضع هذه المتاحف على قائمة التراث العالمي وتجهيز
ملفاتها علميا ومهنيا لهذا الأمر.
واعتبرت خلة أن أهمية متحف شجرة الدر تكمن في موقع مدينة الخليل وما
يحتويه من قطع أثرية وطواحين كانت تعتبر قبل مئات السنين محركا للاقتصاد
الفلسطيني لأهمية الزيتون والحبوب.