لم أستطع أن أتم مقالتي قبل أن أترحم
على أرواح شهداء قطاع غزة الأبرار، وألعن قوات الاحتلال الفاشية التي تضرب أهلنا
في قطاع غزة بأحدث الطائرات والصواريخ، بينما طائرات وطننا الممتد من الماء إلى
الماء كسيرة، ودباباته كسيحة وصواريخه مبطونة لا تلوي على شيء.. الدم
الفلسطيني لا
بواكي له، ودم العدو بواكيه منا كثير.. تصمت دول عربية على قصف قطاع غزة وقتل
الأطفال والنساء والقادة، وحين يُجرح صهيوني يصير الشعب الفلسطيني في عينها
ولسانها إرهابيا وفعله همجيا غير متحضر.
* * *
ما الذي تريده
الإمارات من إعادة
سوريا إلى الحضن العربي؟ هذا
إن كان لم يزل ثمة شيء اسمه الحضن العربي؛ فقد بات حضنا ممزقا أشلاءً، يداه
مشلولتان، وقلبه هواء، وروحه تحتضر. إن السؤال الماثل للمراقب اليوم يتمحور حول
الدور الإماراتي في عودة سوريا إلى
الجامعة العربية، وأهدافه التي حركت آلته
الدبلوماسية لتحقيق هذه العودة.
لقد وجدت الإمارات الأجواء العربية مهيّأة لعودة سوريا إلى الجامعة العربية، لا سيما أن دولا كعُمان والبحرين والجزائر وتونس كانت قد أعادت علاقاتها أو لم تقطعها أصلا كعُمان، أو تتجهز لإعادتها؛ مما دفع الدبلوماسية الإماراتية لتقوم بدور فاعل ونشط في هذا الإطار، بدوافع محتملة، ربما يكون منها رغبتها في لعب دور يثبت حضورها الإقليمي وفاعليتها في المنطقة، أسوة بما قامت به قطر في كثير من الإقليمي والدولي
لقد وجدت الإمارات الأجواء العربية مهيّأة لعودة سوريا إلى
الجامعة العربية، لا سيما أن دولا كعُمان والبحرين والجزائر وتونس كانت قد أعادت
علاقاتها أو لم تقطعها أصلا كعُمان، أو تتجهز لإعادتها؛ مما دفع الدبلوماسية
الإماراتية لتقوم بدور فاعل ونشط في هذا الإطار، بدوافع محتملة، ربما يكون منها
رغبتها في لعب دور يثبت حضورها الإقليمي وفاعليتها في المنطقة، أسوة بما قامت به
قطر في كثير من الإقليمي والدولي، كالأزمة الأفغانية مؤخرا، وتبادل الأسرى بين
طالبان والولايات المتحدة، وتوسطها في الإفراج عن الممرضات البلغاريات في ليبيا، واتفاق
الدوحة بين الفرقاء اللبنانيين، والوساطة بين الحكومة اليمنية والحوثيين والهدن
المتلاحقة بين الكيان الصهيوني والمقاومة الفلسطينية في قطاع غزة، ومشكلة دارفور،
والمصالحة بين فتح وحماس، والقائمة تطول.
ربما وجدت الإمارات نفسها أقل فاعلية وأكثر قبحا
في عيون العرب، لا سيما أن معظم تداخلاتها الإقليمية والأفريقية لم تكن عمليات نظيفة
تمنحها احترام المجتمعين العربي والدولي، فقد خسرت الإمارات سمعتها في أفريقيا،
وأساءت لنفسها، وخصوصا تدخلها في السودان وليبيا والصومال وغيرها. وربما وجدت
الفرصة مؤاتية لإعادة سوريا إلى الجسم العربي المترهل، ظانة أن ذلك عمل إيجابي
يشكل غسيلا لخيباتها وفضائحها السابقة، بينما على المستوى الشعبي وبعض الرسمي فإن
عودة سوريا لا تروق لبعض الرسمي، وغالبية الشعبي.
وربما كان ما قامت به نكاية في المعارضة السورية
التي يشكل الإسلاميون جزءا منها، ذلك أن الإمارات لم تعد تواجه الإسلاميين وحسب،
بل تواجه رائحتهم وخيالاتهم التي تؤرق نومها، فباتت تراهم في كوابيسها؛ فهي ترى أن
كل ما يمت إلى الحركات الإسلامية بما فيها جماعة الدعوة والتبليغ المسالمة خطرا
عليها، باستثناء الحركة الصوفية التي تخضع بالكامل لإرادة الحاكم؛ عكس ما كانت
عليه إبان المقاومة الشعبية للاستعمار وخصوصا في شمال أفريقيا.
ولأن الإمارات باتت أحد الأذرع الصهيونية في
المنطقة وقامت بالأمس القريب بالاحتفال بقيام ما يسمى "دولة إسرائيل"
وغنّى أحد أبنائها "البررة" النشيد الوطني الصهيوني؛ فإنها لن تقوم بأي
فعل ضد مصالح الكيان المحتل. وإذا حاولنا فهم دوافع الأولى في إعادة سوريا إلى
الجامعة العربية، من منطلق تحالفها مع الأخيرة، فإن الإمارات تسعى إلى إبعاد إيران
وحزب الله عن سوريا لصالح الكيان المحتل، ضمن صفقة تقوم على هبات وقروض مغرية، وهو
ما لا تستطيع إيران تقديمه لسوريا. ولا أستبعد أن تسعى الإمارات للاستحواذ على
أكبر قدر ممكن من مشاريع إعادة البناء لشركاتها العاملة في البناء والتشييد؛ لتدفع
بيد وتأخذ بالأخرى، وتكيد لبعض الدول التي تحلم بالمشاركة في إعادة البناء.
والاحتمال الأقرب إلى قناعتي بأن دولة الإمارات
ربما تسعى إلى مزيد من إشعال الحريق السوري؛ فأنا لم أرَ، ولو لمرة واحدة، تدخلا
نظيفا للإمارات في عهد محمد بن زايد؛ ولا أدري إن كان ثمن المصالحة المتفق عليه مع
سوريا سيكون مشروطا بعودة اللاجئين السوريين، أم أن الأمر تُرك بدون نقاش. وأرجح
أنه ترك بدون نقاش، لتزيد الأمور تعقيدا على تركيا والدول المستضيفة الأخرى،
وليقطع الطريق على التفاهمات المحتملة مع تركيا بشكل غير مباشر، وهو ما سيعقّد المشهد،
ويضع المعارضة السورية والدول المضيفة في أزمات داخلية متفاقمة. وقد تعود الأعمال
العسكرية إلى سابق عهدها، بناء على تنصل سوريا من التزاماتها تجاه المهجرين
والمعتقلين.
في منافسة شرسة بين العربية السعودية والإمارات بدأت تطفو على السطح بكثير من الوضوح، تحاول الإمارات خطف الأضواء من السعودية، ولعب دور يضعها في مقدمة الدول العربية القادرة على الفعل والتأثير، وهي الآن مزهوة بما قامت به، وتحس بأنها فوق الجميع وأن تأثيرها بات ظاهرا للعيان
وفي منافسة شرسة بين العربية السعودية والإمارات بدأت تطفو على
السطح بكثير من الوضوح، تحاول الإمارات خطف الأضواء من السعودية، ولعب دور يضعها
في مقدمة الدول العربية القادرة على الفعل والتأثير، وهي الآن مزهوة بما قامت به،
وتحس بأنها فوق الجميع وأن تأثيرها بات ظاهرا للعيان، فمحمد بن زايد رجل تنافسي
مريض بمقاربات الأحجام والأوزان والمظاهر التي من شأنها أن تضع الإمارات في موضع
أكبر منها، وهو يعلم أنه لولا النفط وحقائب الدراهم التي تحمل بالطائرات إلى كل
مكان، لما كان له ولا لدولته أن تلعب بمصائر البشر، وتؤثر سلبا على سياسات الدول
الفقيرة؛ فتخرب كما يحلو لها التخريب، حتى لكأنك تحس بأنها مغرمة بالأفعال
الشيطانية وتنتشي بها.
لن يغفر السوريون المقهورون والمشردون ولن تغفر الثكالى
والأرامل لمحمد بن زايد ما قام به لمصلحة النظام السوري، على حساب مصالح الشعب وحاجته
الملحة إلى الاستقرار والعودة إلى الديار بأمان.. إن الاختراق الذي أحدثه محمد بن
زايد في القضية السورية ونجاحه في التأثير على دول عربية للتصويت لصالح النظام
السوري سيظل وصمة عار في جبينه وجبين حلفائه والمتواطئين معه.