قالت قيادات عمالية
وخبراء اقتصاد إن زيادة
أجور القطاع الخاص في
مصر جاءت أقل من المتوقع ولا تتناسب
مع تدهور قيمة الجنيه من ناحية، وزيادة معدلات التضخم من ناحية أخرى.
ورفع المجلس القومي
للأجور في مصر الحد الأدنى للأجور للعاملين بالقطاع الخاص 300 جنيه (نحو 10
دولارات) من 2700 جنيه إلى 3000 جنيه (نحو 97 دولارا)، بنسبة زيادة 11%.
وقدَّر عضو المجلس
القومي للأجور، المهندس علاء السقطي، عدد العاملين بالقطاع الخاص بنحو 21 مليون
عامل، بينما يبلغ عدد العاملين في القطاع غير الرسمي نحو 7 ملايين عامل.
لكن الحكومة المصرية
وعلى لسان وزيرة التخطيط المصرية، هالة السعيد، اعتبرت أن قرار المجلس يتناسب مع
سياسة المجلس في تحقيق التوازن بين مصلحة العمال وأصحاب الأعمال ويتماشى مع
المتغيرات الاقتصادية الجارية وارتفاع معدلات التضخم.
وانكمش نشاط القطاع
الخاص غير النفطي في مصر للشهر الثلاثين على التوالي في أيار/ مايو الماضي؛ متأثرا
باستمرار ارتفاع التضخم وضعف الطلب.
وقالت "ستاندرد
آند بورز غلوبال" إن "الخسائر الناجمة عن ارتفاع أسعار المدخلات وضعف
الطلب أدى إلى مزيد من الانكماش في مخزونات مدخلات الشركات".
في نيسان/ أبريل
الماضي رفعت الحكومة المصرية الحد الأدنى لأجور العاملين في الدولة إلى 3500 جنيه
بدلا من 3000 جنيه (113.45 دولار).
يشار إلى أن الحد
الأدنى لإجمالي الأجر لحاملي درجة "الماجستير" 6000 جنيه شهرياً، ولحاملي
"الدكتوراه" 7000 جنيه، أي ما يعادل 255 دولارا.
وخفضت الحكومة المصرية
قيمة الجنيه 3 مرات منذ آذار/ مارس 2022 بأكثر من 100%، وبلغ سعر الصرف الرسمي عند
نحو 30.90 جنيه مقابل الدولار، بينما تراجع في السوق السوداء إلى نحو 39 جنيها
أمام الدولار.
وارتفع التضخم السنوي
في المدن المصرية إلى 32.7% في أيار/ مايو الماضي، أقل بقليل من أعلى مستوى له على
الإطلاق، بينما ارتفع التضخم الأساسي السنوي إلى 40.3% في الشهر نفسه.
أزمة القطاع الخاص
وهيمنة الدولة
وقال القيادي العمالي
المصري، وعضو لجنة القوى العاملة بالبرلمان المصري سابقا، طارق مرسي: "نحن
أمام معضلات حقيقية يجب أن نذكرها قبل أن نتطرق إلى الزيادة محل النقاش، أولاها أن
القطاع الخاص والذي يفترض أن يستوعب 70% من سوق العمل في مصر هو أصلا مأزوم ويصارع
وتوقفت فيها مصانع وشركات ومؤسسات كبرى بسبب الكساد وعدم قدرته على المنافسة
والبقاء في ظل هيمنة الجيش وشركاته على الاقتصاد. ما أضر بفرص العمل ابتداء".
وأضاف
لـ"عربي21": "المعضلة الثانية هي: هل من ضمانات تملكها الحكومة أو
حتى إرادة جادة تحقق بها هذه الزيادة على ضآلتها؟ فالعامل لا يزال تحت رحمة رب
العمل بالاستثناء الذي يعفي الشركات المتعثرة من الالتزام بالحد الأدنى، أما المعضلة
الثالثة فهي أن الأجور في مصر يتم وضعها بشكل تمييزي ولذلك يأتي العمال في المرتبة
الضائعة مقارنة بمخصصات ورواتب الشرطة والجيش وغيرها".
ورأى القيادي العمالي
أن "رفع الحد الأدنى بنسبة 11% لا يتناسب والحد الأدنى مع تدهور سعر الجنيه،
حيث إن الحد الأدنى المطروح بعد الزيادة هو 3000 جنيه مصري أي ما يعادل 77 دولارا فقط بسعر الدولار في السوق الموازية 39 جنيها للدولار، إذن عن أي رفع وعن أي زيادة
نتكلم؟ بل أؤكد أن مسألة الرفع هذه أكذوبة كبرى وعملية نصب من الحكومة ومن السيسي
رأس الهرم نفسه".
وتابع: "عن أي
رفع رواتب للحد الأدنى للأجور في مصر وهو أصبح لا يساوي 9 كيلوغرامات فقط من
اللحوم الحمراء الطازجة، التي تتراوح أسعارها حالياً ما بين 350 جنيهاً و400 جنيه
للكيلوغرام، وهنا نذكر أن يومية العامل حسب الرفع المزعوم تساوي أقل من 2.6 دولار له
ولأسرته، في الوقت الذي يتحدد فيه حد الفقر العالمي بـ 3 دولارات يوميا للفرد وليس
للأسرة".
واعتبر مرسي أن "التضخم
في مصر تجاوز سنويا الـ40% وذلك بحسب بيانات البنك المركزي، وهو ما يجعل العمال في
مصر يعيشون واقعاً مأسويا، وبينهم وبين الكرامة لا الرفاهية ما بين السماء
والأرض، ولنعرف ما يعانيه العمال في مصر يكفي أن نعرف كم الاعتصامات التي تمت في
2023 رغم الخوف من القبضة الأمنية، ولكن عدم قدرة العمال على إطعام أبنائهم هو ما
دفعهم للاعتصام والأمثلة كثيرة وأخطر منها حالات الانتحار التي أقدم عليها العمال".
من جانبه وصف خبير
الإدارة الاستراتيجية وإدارة الأزمات، الدكتور مراد علي، الزيادة في أجور القطاع
الخاص "بأنها زيادة هزيلة، ولا تتناسب مع تدهور قيمة الجنيه أمام العملات
الأخرى حيث فقد الكثير من قيمته كعملة محلية، ولا تتناسب أيضا مع معدلات التضخم
المرتفعة وغير المسبوقة، وبالتالي فإن أثر مثل تلك الزيادة في حكم أنها عديمة المفعول".
وأوضح علي
لـ"عربي21" أن "هذه الزيادة هي استهانة بحياة الناس، ولا تتماشى مع
زيادة تكاليف الحياة منذ آخر زيادة، الأسعار زادت بنسب تتجاوز الـ300% في حين بلغت
زيادة الأجور 11% ما يعني أن الفجوة واسعة، وهذا لا يساعد القطاع الخاص في النمو ولا
في زيادة وجودة الإنتاج".
واعتبر علي أن
"الأرقام الحقيقية للتضخم أعلى بكثير مما تعلنه الحكومة، والحد الأدنى في
الأجور في مصر 97% أقل بنحو أربع مرات عن نظيره في دولة مثل تركيا، ومتخذ القرار
في مصر بعيد عن الواقع ولا يشعر باحتياجات المواطنين".
وأرجع تدني مستويات
الأجور في القطاع الخاص أو العام إلى "غياب المؤسسات المنتخبة التي تدافع عن
حقوق الناس، سواء منها المجالس النيابية أو النقابات العمالية أو النقابات المهنية أو الجمعيات الأهلية.. ما ساعد وشجع متخذ القرار على الاستهانة بحقوق العمال والموظفين".