نشر موقع "ميدل إيست آي" مقالا للأكاديمي أندرياس كريغ، تحدث فيه عن الوثائق المسربة مؤخرا من قبل وسائل إعلام، فضحت تورط الحكومة
الإماراتية في حملات التشهير والتحريض ضد شخصيات بزعم ارتباطها بجماعة
الإخوان المسلمين.
وسلط المقال الضوء على الأساليب التي تتبعها حكومة أبو ظبي في توجيه حملات تشهيرية داخل دول أوروبا، لاستهداف شخصيات أو منظمات، بحسب الوثائق التي يطلق عليها "أسرار أبو ظبي".
وتاليا ترجمة المقال كاملا:
تصدر العناوين الإخبارية في أنحاء أوروبا ما تم الكشف عنه مؤخراً من معلومات متضمنة في ما يزيد على الـ78 ألف وثيقة تم تسريبها مؤخراً. ما كشفت عنه هذه الوثائق أشبه بحبكة في رواية تجسسية رخيصة، حيث قامت شركة استخباراتية سويسرية خاصة بالنيابة عن إحدى ممالك الخليج بشن هجوم واسع النطاق على مواطنين ومنظمات مجتمع مدني وشركات في ثمانية عشر بلداً أوروبياً.
فاجأ ذلك القراء الأوروبيين. ومع ذلك، فإنها لم تكن تلك الحملة التشهيرية الرديئة سوى رأس جبل جليدي ضمن حملة تشنها منذ عدة سنين دولة الإمارات العربية المتحدة بهدف تقويض الحوار الدائر في أوروبا.
رغم أن الأمر كان بادئ ذي بدء محاولة من أبو ظبي لمنافسة خصومها الإقليميين في بيئة المعلومات، إلا أنه ما لبث أن تطور إلى شبكة الغاية منها تقويض الحوار الاجتماعي السياسي في أوروبا، مستهدفاً ليس فقط الأوروبيين المسلمين، بل وكذلك كل أكاديمي أو صحفي أو صانع سياسة يقف إلى جانب العدالة الاجتماعية وضد القهر السلطوي.
في كتابي الحديث، أعرف التقويض على أنه "تحويل السرديات إلى أسلحة في مسعى لحمل جمهور المتلقين على القيام طواعية باتخاذ مواقف مسبقة تتوافق مع رغبات المحارب المعلوماتي".
لقد اكتسبت أبو ظبي قدراً هائلاً من الخبرة على مدى العقد الماضي في محاكاة مهارات التقويض الروسية. فكلا الطرفين يحاربان من أجل أمر واحد، ألا وهو الترويج والتمكين للاستقرار السلطوي في الشرق الأوسط وأفريقيا، وشل قدرة المجتمع المدني على الحراك، لأن الطرفين يعتبرانه تهديداً أساسياً لأمن الأنظمة الحاكمة.
وكلاهما عملا على رعاية وتنشيط الشبكات المعلوماتية المكثفة، التي تشتمل على أكاديميين وصناع سياسة وصحفيين، من الذين إذا لم يتم دفع المال لهم بشكل مباشر فإنه يسعدهم التطوع للقيام بدور "المغفل المفيد" ضمن الحملات السردية التي يجري تنظيمها. ولكن على النقيض من روسيا، فإنها لا تصنف الإمارات العربية المتحدة باعتبارها عدواً، ولم تجر العادة على أخذ حملاتها للتأثير على محمل الجد.. بل إن هذه الحملات تبدو في أعين كثير من الأوروبيين مجرد أمر يتعلق بمصالح المسلمين الأوروبيين.
ومع ذلك فإنه لم يعد "البعبع" الإسلامي الذي أوجدته أبو ظبي مجرد أداة لمواجهة التطرف العنيف، بل إنه بلغ الأمر بالحملة التي تشنها الإمارات ضد الإخوان المسلمين أن غدت نسخة القرن الحادي والعشرين من المكارثية، بحيث تعتمد على نشر السرديات التي تبث الخوف في أوصال الناس حول شبكات مؤامراتية مزعومة يحيكها الإخوان المسلمون بهدف الاستيلاء على أوروبا.
السردية المستخدمة كسلاح
غدت جماعة الإخوان المسلمين فرشاة عريضة، ووصمة تطال الجميع بهدف الشيطنة، ونزع الشرعية عن الأفراد والمنظمات وحتى الشركات ومن ثم حمل الناس على النأي بأنفسهم عنهم. ومما يفضح المفهوم الأجوف الذي تنطق منه هذه الرؤية هو حقيقة أن الكثيرين ممن ترد أسماؤهم في القائمة التي أعدتها المؤسسة السويسرية، واسمها ألب سيرفيسز، بالنيابة عن أبو ظبي ليسوا حتى مسلمين.
ولكن المكيدة نجحت. فهذه السردية التي تم تحويلها إلى سلاح تعتمد على إعادة تدوير تحيزات وعصبيات قديمة جداً، تعيد إلى الذاكرة، وبشكل مدهش، ما ورد في مقالة استشراقية نشرت في عام 1913 تحت عنوان "الخطر الكامن في مفهوم الأمة الإسلامية"، حيث حذر كاتبها من مؤامرة إسلاموية. عندما بثت ألب سيرفيسز داخل شبكتها من الصحفيين وصناع السياسة قائمتها المغلوطة لما قالت إنهم أفراد ومنظمات ينتسبون إلى الإخوان المسلمين، فقد كانت تستغل التوصيل المعرفي لدى الأوروبيين.
فكرة وجود شبكة بالغة القوة وواسعة الانتشار تتبع جماعة الإخوان المسلمين، تتآمر من أجل تقويض المجتمع الأوروبي، تحتاج إلى "مغفلين مفيدين" حتى يتسنى لها الانتشار. مثل هذه المقاربة تجد لها صدى لدى التحيزات الضمنية، وتجذب إليها جيوشاً من أشباه الخبراء في مجال مكافحة التطرف العنيف، تماماً كما ينجذب الذباب إلى العسل. كثيرون تعودوا على الارتزاق من تقديم المشورة للحكومات الأوروبية حول السبيل الأفضل للدفاع عن نفسها في مواجهة رجل القش الإسلاموي الذي صنعوه بأيديهم.
وتجد هذه السردية صدى لدى الليبراليين غير الليبراليين الذين يقلبون إنجازات عصر التنوير رأساً على عقب، فيسعون إلى قمع الأفكار التي يعتبرونها ضارة بتفسيرهم المتطرف لمفهوم الليبرالية. ويمكنهم الاعتماد في ذلك على مساندة نفر من الناس صنعوا لأنفسهم صفة "المسلمين التقدميين"، ممن يسعون جاهدين إلى نيل مباركة أقرانهم غير المسلمين لهم.
وهؤلاء يوفرون الذخيرة للعقد الأكثر شيطانية ضمن شبكات المعلومات التي تقف من ورائها دولة الإمارات العربية المتحدة، والمتمثلة في كارهي الإسلام من منتسبي التيارات اليمينية المتطرفة الذين يسعون جاهدين لحماية الغرب من الأسراب المتوهمة للدعاة المسلمين الذين يتآمرون لإنجاز "الإحلال العظيم".
بمساعدة مشاتها الراغبين أو غير الراغبين، تمكنت أبو ظبي على مدى العقد الماضي من إنضاج بيئة مكافحة التطرف العنيف، حتى يتسنى لها غرس نظرية المؤامرة التي نسجتها لبث الرعب في قلوب الناس من الإخوان المسلمين في تربة خصبة.
يتم تمويل مراكز التفكير والباحثين بالمال الإماراتي، وهؤلاء يوفرون منصات تنشر تقارير شبه علمية حول الإخوان المسلمين. وتتم عبر ذلك تغذية الصحفيين بما يوصف بأنه "تحليلات الخبراء". ثم تساعد مؤسسات العلاقات العامة مثل ألب سيرفيسز في توصيل السرديات التي تم تحويلها إلى أسلحة إلى عتبات أبواب صناع السياسة، وهؤلاء يكونون عادة في سياق الكلام عن التطرف العنيف أشبه بالأوعية الفارغة التي تنتظر من يملؤها بالأفكار التي تصلح منطلقاً للحديث.
حملات الثورة المضادة
مثل أي حملة تقويض ناجحة، دفع التلاعب الإماراتي في بيئة المعلومات داخل أوروبيا الجماهير المستهدفة نحو تغيير مواقفها وسلوكياتها طواعية تجاه ليس فقط المواطنين المسلمين بل وكذلك، بشكل أوسع، تجاه الثورة المضادة التي تقودها الإمارات العربية المتحدة في مختلف أنحاء منطقة الشرق الأوسط.
وتبعاً لذلك غدت البيئة المعلوماتية أشد استقطاباً، وبات الارتياب بالمسلمين والمنظمات الإسلامية أكثر شيوعاً. وضمن الجدل المحتدم حول الهجرة والاندماج، يصب "البعبع" الذي صنعته الإمارات العربية المتحدة مزيداً من الزيت على النار فيغذي بذلك مشاعر الكراهية ضد الآخر والخوف من الإسلام والمسلمين، ويحرك جموعاً جديدة من الناس – وكل هذا يحدث بينما تساهم حملات التشهير في إسكات الأصوات المسلمة وفي شل الحراك المسلم.
والأكثر من ذلك أن الشبكات الموالية للإمارات تمكنت من تغيير الخطاب المرتبط بصناعة السياسة. ففي بريطانيا، بلغت البيئة المعلوماتية درجة من الإنضاج حفزت حكومة كاميرون على اتخاذ قرار بإجراء تحقيق في جماعة الإخوان المسلمين في عام 2014 – وهو تحقيق تم الدفع باتجاهه من الأسفل نحو الأعلى بجهود شبكات معلوماتية إماراتية، وتم فرضه من الأعلى نحو الأسفل بفضل السياسة الخارجية الإماراتية التي تستغل العلاقات التجارية مع الآخرين.
في نفس الوقت، تمكنت الإمارات العربية المتحدة من إيجاد السياق المناسب لتمكينها من تبييض سمعتها وتوفير غطاء لما تمارسه من قمع سلطوي وقهر للمجتمع المدني داخل البلد وفي كل أنحاء المنطقة. فباسم محاربة جماعة الإخوان المسلمين، تتصدر أبو ظبي الثورة المضادة وتحتل مقعد القيادة فيها منذ أن ساعدت في تنفيذ الانقلاب العسكري في مصر في عام 2013.
لقد مولت الإمارات العربية المتحدة حملة أمير الحرب خليفة حفتر ضد العملية السياسية التي تدعمها الأمم المتحدة في ليبيا منذ عام 2014، وكل ذلك باسم محاربة جماعة الإخوان المسلمين. وفي اليمن شكلت الإمارات المجلس الانتقالي الجنوبي، الذي أفضى قتاله للمجموعات المتحالفة مع الإخوان المسلمين إلى إضفاء مشروعية على جرائم الحرب والاغتيالات. ومنذ شهر إبريل (نيسان)، يقوم وكيل أبو ظبي، حميدتي، ومسلحوه من بلطجية قوات الدعم السريع، باستخدام سرديات قتال الإسلاميين في السودان من أجل تبرير الانقلاب على النظام في الخرطوم.
لقد أوجدت عمليات التقويض الإماراتية في أوروبا، والمستمرة منذ عقد من الزمن، بيئة سانحة تستغلها الإمارات العربية المتحدة لتمرير سياساتها الخارجية والأمنية. كما أن التخويف من جماعة الإخوان المسلمين نجح، كما يبدو، في تزويد أبو ظبي بحجة قوية لدرء أي انتقاد يوجه إليها بسبب انتهاكات حقوق الإنسان، سواء ما ترتكبه بنفسها أو ما يرتكبه شركاؤها، باسم السعي لاحتواء الإسلام السياسي.
كل من يقف من الأوروبيين الأبرياء في وجه مصالح أبو ظبي يصبح "أضراراً جانبية" لدولة سلطوية صغيرة تحاول أن تلعب دور قوة وسيطة. وينبغي على الحكومات الأوروبية الآن أن تتدخل لمساءلة الإمارات العربية المتحدة ومحاسبتها على مساعيها لتصدير مخاوفها السلطوية من المجتمع المدني إلى القارة الأوروبية.
للاطلاع على النص الأصلي (هنا)