منذ
الحادثة الأخيرة لحرق نسخة من القرآن الكريم في السويد، يتخذ التيار
الصدري خطوات
تصعيدية متوالية بالعراق، الأمر الذي أثار تساؤلات عدة عن ما إذا كانت تمهّد لعودته
إلى المشهد السياسي، بعد نحو عام على إعلان زعيمه مقتدى الصدر اعتزال السياسة.
وفي
حزيران/ يوليو 2022، أمر الصدر كتلته البرلمانية بتقديم الاستقالة بعدما أخفق في
تشكيل حكومة أغلبية سياسية مع حلفائه من السنة والأكراد، الأمر الذي أفسح المجال
أمام خصومه في الإطار التنسيقي الشيعي القريب من إيران، لتشكيل حكومة توافقية
برئاسة محمد شياع السوداني.
خطوات
تصعيدية
ولعل
آخر تلك الخطوات، هو ما شهدته العاصمة
بغداد، الاثنين، من توتر أمني بين القوات
الأمنية، ومليشيا "سرايا السلام" التابعة للصدر، بعد محاولة إخراج
الصدريين من بناية المطعم التركي المطلة على المنطقة الخضراء، والتي يسيطرون عليها منذ الاحتجاجات الشعبية عام 2019.
وانتشرت
المليشيا أيضا في ساحة التحرير وسط بغداد، ومناطق في جانب الرصافة، ولاسيما بمدينة
الصدر، والبلديات، وبغداد الجديدة ومناطق أخرى مجاورة، مقابل انتشار أمني كثيف
للقوات الحكومية من ضمنها الفرقة التاسعة المدرعة التابعة للشرطة الاتحادية.
وفي
اليوم التالي، شن زعيم التيار الصدري، مقتدى الصدر، عبر بيان له، هجوما عنيفا على السفيرة الأمريكية في
العراق ألينا رومانوسكي، ووصفها بـ"السفيهة" التي
ترتع وتلعب في البلد "دون رادع"، في إشارة إلى لقاءاتها المتكررة مع
المسؤولين العراقيين وقادة الإطار التنسيقي.
وتساءل:
"هل وصل بنا الأمر أن نرضى بأعداء الديمقراطية والسلام والسماء يتحكمون بنا،
فوالله إنها ودولتها تريد بنا وبديننا السوء، وما أفعالها إلا بداية للتمهيد لنشر
الفاحشة ليكون العراق تبعا لأمريكا، فيكون أمة المثليين".
وقبل
ذلك بأيام هاجم أتباع الصدر سفارتي ستوكهولم وكوبنهاغن في بغداد، وبعدما حرقوا
مبنى الأولى، طالب زعيم التيار الحكومة بأن يكون لها موقف بحق السويد، ليتخذ
رئيس الوزراء محمد شياع السوداني قرارا بطرد السفيرة السويدية وقطع العلاقات.
وفي الـ15 من شهر تموز/ يوليو الجاري، شن أتباع الصدر هجوما على نحو 20 مقرا لحزب
"الدعوة الإسلامية" برئاسة نوري المالكي، وحرقها، وذلك بعد اتهام حسن
العذاري رئيس الكتلة الصدرية السابق للأخير بالتجاوز على والد زعيم التيار محمد
محمد صادق الصدر.
ووصف
زعيم حزب "الدعوة" نوري المالكي خلال مقابلة تلفزيونية الأربعاء الماضي،
الهجوم الذي تعرضت له مقراته بأنه يندرج ضمن جرائم الإرهاب التي يحاسب عليها
القانون، داعيا الحكومة إلى التصدي لهم بإمكانياتها التي تمتلكها من أجهزة أمنية
عدة.
تمهيد
للانتخابات
وتعليقا
على ذلك، قال المحلل السياسي العراقي، فاضل البدراني لـ"عربي21" إن
"التيار الصدري اعتزل السياسة لفترة مؤقتة ولم يشارك في الحكومة وأفسح المجال
للقوى السياسية في تحالف إدارة الدولة أن تشكلها، لكن يبدو أنها كانت إجازة سياسية
للتيار، فهو لا يريد أن يبتعد عن الساحة كثيرا".
وعزا
البدراني ما أسماه "النشطات السياسية والتغريدات ومهاجمة السفيرة الأمريكية،
والفعاليات التي نظمها بشأن حرق نسخة من المصحف الشريف، كلها تؤكد أن التيار
الصدري أصبح حاضرا في المشهد السياسي، ولا أستبعد أن تكون هذه الخطوات ممهدة
لدخوله إلى الانتخابات المحلية المقبلة".
واستبعد
الخبير العراقي أن يكون ما يقوم به التيار الصدري هو تسقيط لخصومه السياسيين، كونه
هو من فسح المجال لهم في تشكيل الحكومة، لكنه يريد العودة للميدان السياسي، وأيضا
إحراج الخصوم ومراقبة خطواتهم، والتي ربما لا تعجبه أو تصب في مصلحتهم.
وأشار
البدراني إلى أن "التيار الصدري أثبت لكل المراقبين أنه أصبح قريبا جدا من
المشهد السياسي والممارسة الجماهيرية، ومن خلال هذه النشاطات يبدو أنه داخل لقيادة
العمل الجماهيري للسياسة باندفاع كبير هذه المرة".
إسقاط الخصوم
من
جانبها، قالت الباحثة والمحللة السياسية العراقية، نوال الموسوي
لـ"عربي21"، إن "تصاعد الفعاليات الشعبية والجماهيرية للتيار
الصدري تشير إلى انتهاء المهلة التي منحها زعيم التيار، مقتدى الصدر، لحكومة محمد
شياع السوداني".
وأشار
إلى أن "الضغوط التي مورست ضد التيار الصدري لم تكن ضغوطا طبيعية، فهو تعرض
لسلوكيات عدائية واضحة وأخرى مبطنة تستهدف إسقاط رمزيته الدينية ومكانته الشعبية،
ولا سيما في مناطق نفوذه".
وأكدت
الموسوي أن "كل هذه الأمور ولدت مزيدا من الاحتقان تجاه التيار الصدري،
وبالتالي كان الأخير ينتظر الهفوات من الإطار التنسيقي وحكومته للانقضاض عليها ورد
الصاع صاعين".
وتابعت:
"لذلك نرى اليوم بشكل واضح أن التيار الصدري يمارس ذات الأساليب التي مورست
ضده، وذلك من خلال الرد على خصومه السياسيين وادعاءاتهم الباطلة، والعديد من
الشعارات التي كان يرفعها الإطار التنسيقي".
ورأى
الموسوي أن "التيار الصدري يسعى إلى تسقيط جماهيرية قوى الإطار التنسيقي،
ولا سيما ما يتعلق بموضوع المقاومة والعداء للولايات المتحدة وسفارتها في العراق،
لذلك فهو يمارس ضغوطات على خصومه السياسيين لإسقاط الحجج التي رفعت ضده في المرحلة
السابقة".
وبحسب
الباحثة، فإنها ما دامت السلطة الحالية قائمة والعداء والخصومة السياسية قائمتين، فإن
النزاعات والأحقاد الدفينة قابلة للتفجر، ولابد أن يعلم المجتمع الدولي أن الصراع
المخفي في العراق سيظهر إلى العلن في أية لحظة وستفقد الحكومة سيطرتها على الوضع.
ورأت
الموسوي أن "التيار الصدري ليس بحاجة لممارسة أي ضغوط للعودة إلى العملية
السياسية، فقد وجهت له العديد من الدعوات لكنه رفضها، فهو بإمكانه فعل ذلك بكل
بساطة وبالشروط التي يضعها".
ومن
المقرر أن تجرى انتخابات مجالس المحافظات (المحلية) في 18 كانون الأول/ ديسمبر
المقبل، والتي سبق أن ألغاها البرلمان العراقي في عام 2019، تلبية لمطالب
الاحتجاجات الشعبية التي اجتاحت البلاد في تلك المرحلة، وسقط خلالها نحو 800 قتيل،
وأكثر من 30 ألف جريح.