نشر موقع "ميدل إيست آي" البريطاني، مقالا للكاتب بيتير أوبورن تحدث خلاله عن سبب عداء
الولايات المتحدة، لرئيس الوزراء
الباكستاني السابق
عمران خان.
واستعرض أوبورن في مقاله، الأسباب التي تدفع الولايات المتحدة لما وصفه بـ"كره" عمران خان، بحسب قوله.
وتاليا ترجمة المقال كاملا:
في الأسبوع الماضي صدر حكم بالسجن تسعة عشر عاماً على المعارض الروسي أليكسي نافالني لاتهامه بتمويل "التطرف" و"إعادة تأهيل العقيدة النازية".
نددت الولايات المتحدة وبريطانيا في الحال، وبحق، بالإجراء، ووصفت وزارة الخارجية الأمريكية الإدانة بأنها "نهاية غير عادلة لمحاكمة غير عادلة."
وزعم وزير الخارجية البريطاني جيمز كلفرلي بأن النتيجة "تثبت لامبالاة روسيا الكاملة حتى بأبسط حقوق الإنسان" وأضاف أن "المعارضة لا يمكن إسكاتها".
بعد ذلك بثلاثة أيام حُكم على عمران خان – الذي كان حتى العام الماضي رئيس الوزراء المنتخب ديمقراطياً في باكستان – بالسجن ثلاث سنين بعد ما بدا محاكمة صورية في ظروف مبهمة.
التشابه بين الحالتين يكاد يكون متطابقاً. فقلة قليلة من الناس تصدق التهم التي وجهت للمعارض الروسي نافالني. وكل ما هنالك أن الرئيس فلاديمير بوتين كان بحاجة ماسة إلى إخراجه من الحلبة السياسية، وخاصة أن الانتخابات الرئاسية الروسية من المقرر أن تجري في شهر مارس (آذار) 2024.
وكذلك لا تحمل التهم الموجهة لعمران خان أي قدر من المصداقية، إلا أنه كان من الأهمية بمكان إزاحته عن طريق الانتخابات العامة الباكستانية التي من المقرر إجراؤها في الخريف.
هناك قوى سوداوية تريد إبعاد الرجلين من الطريق. كان نافالني قد تعرض لمحاولة تسميم قبل ثلاث سنين بينما جرح عمران خان في محاولة اغتيال في وقت متأخر من العام الماضي.
دعونا نلفظ الحقيقة البشعة، ألا وهي أن أليكسي نافالني وعمران خان كلاهما سجينان سياسيان، يُحتجزان بناء على تهم لفقتها لهما السلطات الروسية والباكستانية.
إلا أن الغرب لا يهمه سوى مصير واحد منهما.
ازدواجية المعايير
سارع وزير الخارجية الأمريكي أنطوني بلينكين إلى التنديد بحكم السجن الإضافي الذي صدر بحق نافالني، مندداً بما قال إنه "الإدانة الروسية لزعيم المعارضة أليكسي نافالني بتهم ذات دوافع سياسية. لا يمكن للكريملين أن يكتم الحق. ينبغي أن يُطلق سراح نافالني".
ولكن لم يصدر عن الولايات المتحدة أي تنديد بمحاكمة خان ذات الدوافع السياسية.
وكذلك يُتهم وزير الخارجية البريطاني بارتكاب نفس الازدواجية في المعايير.
تعلم بريطانيا والولايات المتحدة علم اليقين بأن التهم الموجهة لخان – بأنه انتفع من الحصول على هدايا رسمية – تهم واهية.
والحقيقة هي أن خان عندما كان على رأس منصبه عدل القانون بحيث يصبح أصعب على السياسيين الانتفاع من الهدايا التي يتلقونها أثناء قيامهم بزيارات إلى الخارج.
فسابقاً، حينما كان المسؤول يرغب في الاحتفاظ بهدية ما، كان بإمكانه شراؤها بتخفيض نسبته 20 بالمائة من القيمة التي تقررها لجنة توشاخانا للتقدير. ما فعله خان أثناء رئاسته للوزراء هو أنه رفع النسبة إلى 50 بالمائة.
لربما كان خان أقل السياسيين فساداً في تاريخ باكستان المعاصر، ولئن لم يكن ذلك معياراً بالغ الرقي، إلا أن هذا الرجل يمثل عودة إلى المدرسة الأولى للسياسيين في حقبة ما بعد الاستقلال، من القائد الأعظم محمد علي جناح إلى أول رئيس في البلاد إسكندر ميرزا، الذي كان منقطع النظير في نزاهته.
لا يبدو شيء من ذلك ذا أهمية بالنسبة للولايات المتحدة وبريطانيا، فهما باستمرار تفضلان التعامل مع الطغاة الطيعين الخادمين لمصالحهما، من مثل محمد أيوب خان، الذي تولى المنصب بعد انقلاب عسكري في عام 1958، والجنرال ضياء الحق، الذي أدار البلاد بقبضة من حديد خلال حقبة السبعينيات والثمانينيات، ومؤخراً برفيز مشرف، الذي وصل إلى السلطة في انقلاب غير دموي في عام 1999 وشغل منصب رئيس باكستان من 2001 إلى 2008.
يثبت التاريخ أن الولايات المتحدة معادية بنيوياً لأي زعيم سياسي باكستاني ذي توجه ديمقراطي.
خوض المعركة وحيداً
يذكر الفضل لعمران خان أنه تحدى المنظومة التي يستشري فيها الفساد، والقائمة على وجود حزبين اثنين يمثل كل واحد منهما سلالة قبلية، هيمنا على السياسة الباكستانية لما يزيد عن نصف قرن من الزمن، ويتمثلان في حزب الشعب الباكستاني الذي تقوده عائلة بوتو وحزب الرابطة المسلمة في باكستان الذي تقوده عائلة شريف.
لقد سعى من خلال ذلك إلى إنهاء وضع البلد كدولة عميلة تابعة للولايات المتحدة.
وفي ممارسة غير معهودة بين الأجيال الأخيرة من الزعماء الباكستانيين، تمسك عمران خان بالمبادئ، الأمر الذي أوقعه في مواجهة مع الولايات المتحدة.
طوال الفترة المديدة التي قضاها في المعارضة، خاض عمران خان وحيداً معركة ضد الحرب الأمريكية المتوحشة ضد الإرهاب، فندد بالهجمات التي كانت تشن باستخدام الطائرات المسيرة، ووقف منافحاً عن سيادة القانون.
ويذكر الفضل لعمران خان أنه عندما وصل إلى السلطة وطوال فترة حكمه غدا شوكة في حلق الولايات المتحدة. ولكنه دفع ثمن ذلك.
أجد أن أفول نجمه يعود إلى سقوط كابول في أغسطس (آب) 2021 عندما اصطدم عمران خان مع واشنطن حول تجميد أموال الدولة الأفغانية وكذلك بشأن الرغبة الأمريكية في استخدام المجال الجوي الباكستاني.
منذ تلك اللحظة، وضعت عليه علامة. فقد كانت لدى خان الجسارة لتحدي الولايات المتحدة، ومما لا ريب فيه أن رفض إدارة بايدن التنديد بسجنه يرقى إلى التواطؤ.
أعشق باكستان وقد سافرت إلى هذا البلد الجميل العديد من المرات، وأحترم الجيش الباكستاني ودوره في الحفاظ على الاستقرار بعد الاستقلال قبل ما يقرب من 75 سنة. إلا أن ثمة تواترا في التقارير التي تشير إلى أن الجيش يقف من وراء إسقاط عمران خان.
ولكن ليست تلك هي المرة الأولى التي يسمح لنفسه بالتورط في السياسة المحلية.
ادعاءات مخادعة
يعتبر عمران خان اليوم الزعيم السياسي الأكثر شعبية في البلاد. وتشير استطلاعات الرأي إلى أنه سوف يحقق نصراً كاسحاً في أي انتخابات حرة ونزيهة يخوضها.
إن إجراء انتخابات في باكستان بدون مشاركة عمران خان أشبه بعرض مسرحية هامليت لشيكسبير بدون شخصية الأمير.
وكل من يفوز في انتخابات تنظم بدون عمران خان لن يحظى بأية شرعية سياسية، ولسوف يصبح مبغوضاً لكونه الحاكم المحلي العميل، الذي يدير البلاد بالنيابة عن الولايات المتحدة.
أما بالنسبة لعمران خان فهو الآن ينضم إلى قائمة من الزعماء الوطنيين أصحاب الشرعية الديمقراطية ممن جازفوا بالتأثير على الولايات المتحدة من خلال انتهاج سياسة خارجية مستقلة.
فهذا محمد مرسي، أول رئيس مدني منتخب ديمقراطياً في مصر، يقضي آخر سنين عمره في السجن قبل أن يلفظ أنفاسه الأخيرة داخل المحكمة.
وهذا سلفادور أيندي في شيلي يتجرأ على الفوز في انتخابات أرادت له الولايات المتحدة أن يخسرها ويطاح به من منصبه في ظروف بالغة القسوة.
وهذا علي بوتو، أول زعيم منتخب ديمقراطياً في باكستان، والذي تحدى الولايات المتحدة ببناء تحالف للبلدان غير المنحازة، ينتهي به الأمر في السجن ثم ينفذ به حكم الإعدام.
وهذا محمد مصدق في إيران. وهناك غيرهم الكثير.
إن صمت الولايات المتحدة وبريطانيا، وكلاهما يدعيان خداعاً أنهما يؤمنان بالديمقراطية، يكشف عن المستور.
للاطلاع إلى النص الأصلي (
هنا)