ملفات وتقارير

لماذا تعارض الجزائر بشدة التدخل العسكري في النيجر؟

الجزائر لن تسمح بتعريض أمنها القومي للخطر جراء حلول ومغامرات خاطئة من الآخرين.. (الأناضول)
حذّرت صحيفة جزائرية من أي تدخل عسكري في النيجر وتحت أي يافطة، لأن ذلك سيفتح برأيها منطقة الساحل على أسوأ سيناريو ولن تجد الدول الأوروبية التي ضاقت ذرعا من الهجرة غير الشرعية دولا إفريقية توقع معها اتفاقيات ثنائية أو جماعية لمنع تدفقات الهجرات الجماعية باتجاه الضفة الشمالية للمتوسط، لأن الأمر سيخرج كليا عن التحكم.

وقالت صحيفة "الخبر" الجزائرية في تقرير لها اليوم: "إذا كان الأوروبيون قد اكتشفوا، بعد 12 سنة، أن ما يجري حاليا في دول الساحل من أزمات هو نتيجة مباشرة للتدخل العسكري الغربي في ليبيا، فإنهم لن يحتاجوا هذه المرة إلى كل هذه المدة ليقتنعوا بأن التدخل العسكري في النيجر سيفتح منطقة تمتد من شرق القارة الإفريقية حتى غربها على المجهول ولعقود من الزمن، لا رابح فيها سوى الجريمة المنظمة وتجارة تهريب البشر والإرهاب".

وتساءلت الصحيفة: "لماذا يراد تكرار تجربة التدخل العسكري في ليبيا في النيجر بنفس الوصفة العسكرية، مع تغيير القاطرة الأمامية فقط، بتعويض فرنسا ساركوزي بمجموعة "إكواس" التي تقود العملية بالنيابة لكن بضمان باريس رسميا الدعم الفني واللوجيستيكي لهذه العملية العسكرية، رغم أن النتائج الوخيمة التي ترتبت عن أزمة ليبيا مازالت آثارها وتداعياتها ومشاكلها قائمة إلى اليوم ودفعت دول الاتحاد الأوروبي منذ شهر فقط، بضغط من حكومة جورجيا ميلوني، إلى إبرام اتفاقية مع تونس لوقف الهجرة غير الشرعية باتجاه أوروبا، رغم علمهم المسبق باستحالة تحقيق ذلك طالما لم تعالج الأسباب الحقيقية لهذا النزوح الإفريقي، وهي الفقر وتداعيات التغير المناخي الذي تتسبب فيه سياسات التصنيع الأوروبية والأمريكية والصينية؟".

وأضافت: "السؤال المطروح: إذا كانت الدول الأوروبية قد ضاقت ذرعا باستقبال بضعة آلاف من المهاجرين السريين طيلة السنوات الماضية كيف سيكون الحال عندما تسقط النيجر من وراء هذا التدخل العسكري؟".

وأشارت الصحيفة إلى تقرير للهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ، وهي هيئة تابعة للأمم المتحدة، التي توقعت هجرة ما بين 46 و86 مليون شخص من إفريقيا جنوب الصحراء في السنوات المقبلة نحو الشمال بسبب التغييرات المناخية وغياب برامج التنمية ونقص المياه وتراجع الإنتاج الزراعي بحثا عن ظروف العيش، مؤكدة أن تأزم الوضع في دولة النيجر سيحول هذه الهجرة إلى أزمة حقيقية لغياب أي برامج تنمية بهذه المناطق لتثبيت السكان.

ولفتت الصحيفة الجزائرية الانتباه إلى أن توقيف بعض الدول الإفريقية والأوروبية مساعداتها المالية إلى مالي، بوركينافاسو والنيجر كوسيلة ضغط للعودة إلى المسار الدستوري من شأنه أن يشكل عقابا تدفع ثمنه الشرائح الاجتماعية التي ستتضرر منه بشكل مباشر، ما سيزيد من تفاقم مستويات الفقر ويدفع بها للجوء إلى دول الجوار وفي مقدمتها الجزائر.

وقالت: "لذلك لن تكون هذه الحرب في حالة اشتعالها ضمن النطاق الحدودي للنيجر بل ستصل تداعياتها إلى التراب الجزائري، من خلال موجة النزوح للرعايا النيجريين باتجاه عبور الحدود الجزائرية، على غرار ما وقع العام 2013 مع نزوح الماليين باتجاه الجزائر بعد الأزمة التي وقعت في شمال مالي".

وأضافت: "هذا ليس مجرد سيناريو للتخويف، بل هو صورة واقعية ماثلة للعيان، يعطي الحق للجزائر أن تعلن بصوت عال رفضها أي تدخل عسكري في المنطقة لأنه يشكل تهديدا لأمنها القومي وتهديدا بجر منطقة الساحل والصحراء إلى أتون الفوضى واللااستقرار".

وأكدت الصحيفة أن عسكرة إفريقيا ليست مدخلا للاستقرار، وقالت: "لقد شهدت الحلول العسكرية التي روجت لها الدول الغربية ووقعت بمنطقة الساحل على مر السنين الماضية عسكرة غير مسبوقة، إذ إنه زيادة على الـ12 ألف عسكري من قوات حفظ السلام الأممية (مينسما) و4 آلاف عسكري من قوات "برخان" الفرنسية وقوات 5 ساحل التي قوامها 5 آلاف جندي.. لم تنجح هذه القوات العسكرية بعتادها وعدتها وطائراتها وصواريخها و"دروناتها"، بمعية القواعد العسكرية الفرنسية والأمريكية في النيجر، في جلب السلم وتحقيق الاستقرار وإنهاء دور الجماعات الإرهابية، لأن مقاربتها للوضع كانت خاطئة على طول الخط ولم يكن لها استعداد، من باب حب الهيمنة، للاستماع إلى مقاربات ومقترحات دول المنطقة التي هي أدرى بـ شعابها".

وأكدت الصحيفة أن "ما يزيد خطورة الوضع بالنسبة للجزائر بالنظر إلى طول حدودها الجنوبية، حيث تصل حدود الدولة الجزائرية إلى: 982 كلم مع ليبيا و1376 كلم مع مالي و463 كلم مع موريتانيا و956 كلم مع النيجر، وهو ما يتطلب إمكانيات مالية ضخمة لتأمينها ويفرض تجنيد وسائل ضخمة على مر السنوات المقبلة، لذلك يعتبر أي تدخل عسكري جديد في النيجر تحديا أمنيا جديدا لها يقتضي مواجهته بصرامة".

واختتمت الصحيفة تقريرها بالقول: "إذا كانت فرنسا قد أعلنت دعم تدخل قوات "إكواس" عسكريا في النيجر، لأن ليس لديها ما تخسره أكثر مما خسرته بعد طردها من مالي وبوركينافاسو والنيجر حتى وإن كانت تختفي وراء اعتبار أن حدود حزامها الأمني يبدأ من الساحل، فهي حدود افتراضية غير حقيقية، فإن الأمر ليس كذلك بالنسبة للجزائر التي تربطها حدود جغرافية واقعية مع دول جارة بالساحل إلى الأبد، ليس بمقدور أي منهم الرحيل أو تغيير الجغرافيا، لذلك لن تسمح بتعريض أمنها القومي للخطر جراء حلول ومغامرات خاطئة من الآخرين".

يذكر أن الخارجية الجزائرية كانت قد أكدت في بيان لها رفضها للانقلاب العسكري في النيجر، لكنها أكدت أيضا رفضها لأي تدخل عسكري مشددة على ضرورة العمل على إيجاد حل سياسي للأزمة.



ومنذ تنفيذ الانقلاب في 26 يوليو/ تموز الماضي، يحتجز المجلس العسكري بازوم وعائلته وبعض أركان الحكم المطاح به في القصر الرئاسي، وسط دعوات دولية أبرزها أممية وأمريكية للإفراج الفوري وغير المشروط عنه.

وكان تقرير لوكالة "الأناضول" قد أشار إلى أن التأخر في التدخل العسكري مرده إلى وجود عقبات كثيرة تحول دون، ومنها أن نيجيريا وهي أكبر قوة عسكرية في "إيكواس" والمجاورة للنيجر، تواجه رفضا من مجلس الشيوخ للمشاركة بالعملية العسكرية، بضغط من شيوخ القبائل والزعامات الدينية في بعض الولايات الشمالية ذات الغالبية المسلمة، والمتداخلة قبليا مع النيجر (قبيلة الهوسا).

كما أن دولا بقيادة مجالس عسكرية انقلابية في إيكواس (مالي والنيجر وغينيا) تعارض هذه العملية، بل إن باماكو وواغادوغو هددتا بدخول الحرب إلى جانب المجلس العسكري في النيجر.

ناهيك عن رفض الجزائر، الجارة الشمالية للنيجر، أي تدخل عسكري من شأنه مفاقمة الأوضاع الأمنية في الساحل.

تشاد، الجارة الغربية للنيجر - ليست عضوا في إيكواس - لا تدعم العملية العسكرية، خاصة أنها هي الأخرى تحت قيادة مجلس عسكري عطل الدستور.

دوليا وإن كانت فرنسا، داعمة لعملية عسكرية تعيد حليفها الرئيس محمد بازوم إلى الحكم، إلا أن إيطاليا غير متحمسة لأي تدخل غربي في المنطقة من شأنه أن يؤول على أنه عودة الاستعمار إلى إفريقيا.

أما الولايات المتحدة فموقفها متباين، فمرة تعلن تأييدها للموقف الجزائري الداعم للحلول الدبلوماسية، وفي أحيان أخرى تؤكد دعمها لإيكواس، التي حسمت خيارها بالتدخل العسكري.

وبالنظر إلى روسيا التي دعت إلى إطلاق سراح بازوم، فهي تبدو المستفيد الأكبر من انقلاب النيجر، لأنه يقوي نفوذها بمنطقة الساحل على حساب فرنسا، وهذا ما تدركه دول إيكواس التي قررت التحرك عسكريا دون أخذ "شرعية" من مجلس الأمن الدولي، لأنها قد تواجه فيتو روسيا، خاصة في ظل حديث عن تحرك قوات فاغنر الروسية من مالي نحو النيجر للمشاركة في القتال المتوقع.

أما في النيجر، فإن رئيس الحرس الرئاسي عبد الرحمن تياني، الذي قاد الانقلاب ثم دعمه قادة الجيش بشكل مرتبك لتفادي إراقة الدماء، يحظى بدعم آلاف النيجريين في العاصمة نيامي، التي لم يتمكن بازوم من الفوز بها في انتخابات الرئاسة التي صعدت به إلى سدة الحكم عام 2021.

إذ لم يتحرك سوى بضعة عشرات من مؤيدي بازوم للتظاهر في اليوم الأول للانقلاب، ولم تشهد البلاد أي مظاهرات عارمة ضد الانقلاب حتى في الولايات المؤيدة له في الشمال والشرق.

لكن التطور الداخلي الأهم لصالح بازوم، إعلان ريسا آغ بولا، الوزير والزعيم السابق للمتمردين الطوارق في النيجر، إنشاء "مجلس المقاومة من أجل الجمهورية"، بهدف استعادة النظام الدستوري.

اقرأ أيضا: هل يعرقل انقلاب النيجر مشروع خط غاز نيجيريا العابر للصحراء؟