من تشجيع
السياحة نحو
تركيا، إلى الدعوة إلى مقاطعاتها، هكذا تحوّل "تفكير" عدد من المغاربة، ما بين ليلة وضحاها، كردّة فعل ناتجة عن مقتل رجل مغربي من قبل سائق سيارة أجرة في مدينة إسطنبول، الأسبوع الماضي.
ورصدت "عربي21" مظاهر استنكار عدد من رواد مواقع التواصل الاجتماعي في
المغرب لجريمة قتل المغربي جمال دومان (57 عاما)، مقيم في تركيا منذ نحو 13 عاما، وصلت إلى حد المطالبة بمقاطعة
البضائع التركية وكذلك السياحة.
وفي 18 آب/أغسطس الجاري، نشر الصحفي التركي إبراهيم هاسكلوغلو، مقطع يظهر اعتداء سائق تاكسي تركي على المواطن المغربي، الذي سقط وارتطم رأسه بالأرض، قبل أن يلفظ أنفاسه الأخيرة في المستشفى.
"مقاطعة تركيا"
وأثار الحادث موجة غضب واسعة على مواقع التواصل الاجتماعي في المغرب، وقال نشطاء مغاربة إن "حالات سوء المعاملة والاعتداءات
العنصرية على السياح العرب، وصل مداه في الآونة الأخيرة، مما بات يستدعي مقاطعة السياحة في بلاد الأناضول".
وفي السياق، تداول نشطاء مغاربة مقطع فيديو لسيدة وهي تشتكي باكية، بسبب ما وصفته بـ"الإهانة" التي قالت إنها "تعرضت لها من قبل مواطنين أتراك".
ودعت ناشطة على مواقع التواصل الاجتماعي في المغرب تدعى إيمان، الآلاف من متابعيها إلى مقاطعة السياحة في تركيا، إثر ما وصفته بـ"سريان موجة العنصرية في البلاد تجاه كل ناطق باللغة العربية".
ولم تقتصر دعوات مقاطعة السياحة في تركيا على المغرب فقط بل امتدت أيضا إلى نشطاء في الجزائر، حيث كتبت ناشطة جزائرية: "من يختار تركيا وجهةً له للسياحة فليتحمل نتائج اختياره.
ليست الأولى عربيا
يشار إلى أن الحملة التي دشنها نشطاء مغاربيون على مواقع التواصل الاجتماعي لا تعد الأولى من نوعها، ففي كانون الأول/ ديسمبر 2017 انتشرت دعوات إلكترونية لمقاطعة السياحة في تركيا من قبل نشطاء سعوديين وإماراتيين، وذلك على خلفية التوترات السياسية بين تركيا من جانب والسعودية والإمارات من جانب آخر.
ولا توجد إحصائيات رسمية حول حجم السياحة العربية في تركيا، وقبل أسابيع قال معهد الإحصاء التركي، إن "عائدات تركيا من السياحة بلغت عام 2022، نحو 46 مليار دولار، بمتوسط إنفاق يومي للسائح الواحد بلغ 89 دولارا".
ما أثر دعوات"المقاطعة" على العلاقات المغربية التركية؟
على مدار السنوات الماضية، كان المغرب يعتبر أحد أبرز الشركاء الاقتصاديين لدولة تركيا في المنطقة المغاربية خاصة، حيث ارتفعت نسب المبادلات التجارية بينهما بشكل كبير، عقب توقيع البلدين اتفاقية التبادل الحر عام 2004، ثم دخلت حيز التنفيذ سنة 2006.
وقفز حجم التبادل التجاري بين المغرب وتركيا بنحو 30.6 بالمئة خلال 12 عاما، مرتفعا من 688 مليون دولار في 2006 إلى 2.8 مليار دولار خلال 2018. وفي 2019، بلغت قيمة الصادرات المغربية نحو تركيا 827 مليون دولار، أبرزها الفوسفات ومشتقاته بنسبة 38.5 بالمئة، والسيارات بنسبة 18.4 بالمئة، والأعلاف بنسبة 12.4 بالمئة.
ويعمل في المغرب 160 شركة تركية في عديد من المجالات، في مقدمتها البناء والتشييد، والتجارة بالجملة والتقسيط، والنسيج، ويوفرون فرص عمل لقرابة 8 آلاف مغربي، فضلا عن العدد المتزايد من السياح المغاربة نحو تركيا.
ومن جانبه، يعتبر الخبير الدولى في إدارة الأزمات وتدبير المخاطر وتحليل الصراع، البراق شادي عبد السلام، أن مقتل مغربي من طرف سائق تاكسي تركي في إسطنبول، "حادثا عرضيا لا يمثل توجها عاما داخل تركيا أو استهدافا للجالية المغربية في تركيا.
وقال عبد السلام في حديث خاص لـ"عربي21"، إن القانون التركي اتخذ مجراه باعتقال الجاني وتقديمه إلى المحاكمة، ولازلنا بانتظار نتائج البحث والتحقيق".
وبخصوص تداعيات حملة "المقاطعة" أوضح الخبير الدولي، أنه "في حالة تمددها وانتشارها على نطاق واسع سيكون لها تأثير على الاقتصاد التركي، الذي يعتمد بشكل كبير على عائدات القطاع السياحي ونشاط التصدير نحو مختلف الدول العربية".
وأشار عبد السلام إلى أن عمق العلاقات بين تركيا والمغرب، تتعزز باستمرار تقارب وجهات نظر البلدين في العديد من القضايا الإقليمية والدولية، مؤكدا أن تركيا والمغرب "تربط بينهما علاقات وثيقة تستند إلى التاريخ العريق المشترك والروابط الثقافية والاقتصادية المتينة بين البلدين".