تحلّ هذه الأيام الذكرى السنوية الـ30 لاتفاق
أوسلو الموقع بين
الاحتلال
ومنظمة التحرير الفلسطينية، وما زالت وسائل الإعلام الإسرائيلية منشغلة بتفاصيل
الاتفاق، وما حصل خلف
الكواليس، وآخرها أن رئيس الوزراء الراحل إسحاق
رابين كان يفضّل
البدء باتفاق مع سوريا بدل الفلسطينيين، لكن المفاوضات معهم لم تزِل شكوكه ومخاوفه
بشأن ياسر عرفات.
يوفال بلومبرغ مؤلف كتاب "فخ أوسلو"، كشف في كتاب سيصدر قريبا أن
"محاضر الحكومة الإسرائيلية آنذاك أكدت أنه قبل المصادقة على اتفاق أوسلو
بعدة أشهر، فقد عمل رابين بقوة من أجل التوصل إلى اتفاق آخر مع سوريا، وقد حاول
حتى اللحظة الأخيرة تجنب قناة المحادثات التي تم تشكيلها في أوسلو، وقال بصراحة
إنها ليست اتفاقية بسيطة لحلّ القضية الفلسطينية، ومن الواضح أن الاتفاق ترتيب
مؤقت فقط، مع العلم أن المفاوضات لم تكن مع الوفد الفلسطيني، لأنه لم يكن سوى
واجهة للفاكسات والهواتف القادمة من تونس حيث مقر
منظمة التحرير، وبالتالي فليس له
سلطة مستقلة".
وأضاف في مقال نشرته
صحيفة يديعوت أحرونوت، ترجمته "عربي21" أن
"رابين حين أقدم على توقيع اتفاق أوسلو كان مدفوعا بعدة دوافع أساسية، أولها
تعهده في انتخابات 1992 بالتوصل إلى اتفاق سياسي خلال تسعة أشهر، وقد وضع رهانه على
اتفاق مع سوريا رغم فشله، وعلى قناة واشنطن مع الفلسطينيين، وقد فشل أيضاً، ولم
يبق أمامه سوى خيار واحد في أوسلو، وثانيها رؤية رابين الأمنية التي رافقته من
عصابة البالماخ، والسنوات التي قضاها وزيرا للحرب في الثمانينيات والتسعينيات، وخضوعه
لتحول حقيقي خلال حرب الخليج، حين أكدت الصواريخ بعيدة المدى حجم الاعتماد على
الولايات المتحدة بتوفيرها الإنذار المضاد للصواريخ".
وأشار إلى أن "رابين اعتقد أن اتفاق أوسلو من شأنه الحفاظ على الدعم
الأمريكي، حتى في التعامل مع إيران التي شكلت له التهديد الاستراتيجي الرئيسي، ما
يتطلب تقديم تنازلات في القضية الفلسطينية، كما أن تعرض تل أبيب لإطلاق الصواريخ
خلال حرب الخليج أقنعته بأن الجمهور الإسرائيلي لم يعد لديه القدرة العقلية على
تحمل المواجهة المستمرة مع الفلسطينيين، ونقل عنه يوسي سريد زعيم حزب ميرتس أن "الأمة
التي تجهد عضلاتها خمسين عاما، تتعب في نهاية المطاف".
وأوضح أن "الدافع الثالث أمام رابين ينبع من حقيقة أنه لم يقدّر أبدا
أهمية قطاع غزة، فقد رآها مكانًا من الأفضل التخلص منه، وبما أن المرحلة الأولى من
إعلان المبادئ تناولت غزة بشكل رئيسي، فقد كانت مناسبة بوجه عام لوجهات نظره. أما
الدافع الرابع فقد رأى رابين في الاتفاق تجربة تضمن عدم إهمال السيطرة الكاملة على
الضفة الغربية، مقترحا فصل بين ما هو مكتوب على الورق، وكيفية تنفيذه، حتى إن
الصحفي الكبير أمنون أبراموفيتش كتب أن "رابين كبير في السنّ، وسياسي بما
يكفي ليعرف أن الاتفاق لا رجعة فيه".
يصل الكاتب إلى تحول لافت حين "أصبح الوضع أكثر توتراً عندما أوشك حزب
شاس الديني الانسحاب من الحكومة بعد تقديم لائحة الاتهام لزعيمه أرييه درعي، وبدون
تحقيق إنجاز سياسي كبير، فقد تضطر حكومة رابين للسقوط في وقت مبكر من نوفمبر 1993،
ولم يكن الوضع يبدو جيدًا بين الفلسطينيين أيضًا، لأن هناك شعورا بأن الوقت كان
ينفد قبل أن يفقد عرفات ومنظمة التحرير سلطتهما في المناطق الفلسطينية، لصالح تقوية نفوذ حركة حماس".
وختم بالقول إن "البروتوكولات الحكومية الرسمية التي تم نشرها،
وتصرفات رابين العلنية، تثبت أنه استمر بتنفيذ اتفاق أوسلو، بما في ذلك تسليم
المسؤولية الأمنية لعرفات وأجهزة أمن السلطة الفلسطينية حتى يتمكنوا من قتال حماس،
ومن الواضح أن الضغط السياسي الذي تعرض له رابين، وانعدام الثقة في مواجهة
الإسرائيليين لتصاعد الانتفاضة الفلسطينية دفعه للتوجه إلى قناة أوسلو، رغم
المخاطر الواضحة للعيان".
وتكشف البروتوكولات الحكومية الإسرائيلية أن مفاوضات اتفاق أوسلو تم
إدارتها عبر قناتين في الوقت نفسه: أولاهما قادها رئيس الوزراء شخصياً في واشنطن،
وثانيتهما ترأسها وزير الخارجية شمعون بيريس في أوسلو. ومن الجانب الفلسطيني لم يكن
هناك سوى مفاوض واحد هو ياسر عرفات، الذي سعى لتسخير أي قناة سياسية تحقق له عائدا
أكبر. وفهم رابين أن عرفات هو الشخص الأساسي في الاتفاق، وأثبت بما لا يدع مجالاً
للشك أن لديه حق النقض الذي يتمتع به.