فتح قرار المحكمة الاتحادية
العراقية (أعلى سلط قضائية)
إلغاء اتفاقية خور عبد الله بين العراق والكويت بعد 10 سنوات على إبرامها، باب التساؤل واسعا بخصوص أبعاده، وتوقيته، والتداعيات التي من الممكن أن تنعكس على العلاقة بين البلدين الجارين.
ونص قرار المحكمة الاتحادية، الاثنين، على عدم دستورية قانون تصديق اتفاقية تنظيم الملاحة البحرية في خور عبدالله، لأنه يخالف أحكام الدستور العراقي الذي يلزم البرلمان بأن يكون تنظيم عملية المصادقة على المعاهدات والاتفاقيات الدولية بقانون يصوت عليه أغلبية ثلثي أعضائه.
ما هي اتفاقية خور عبد الله؟
واتفاقية "خور عبد الله" لتنظيم الملاحة البحرية بين العراق والكويت، هي اتفاقية دولية تمت المصادقة عليها في بغداد، في 25 تشرين الثاني/ نوفمبر 2013، تنفيذا للقرار رقم 388 الذي أصدره مجلس الأمن بعد عدة قرارات تلت الغزو العراقي للكويت عام 1990.
وتنص الاتفاقية على تقسيم مياه خور عبد الله بالمناصفة بين البلدين، انطلاقا من قرار مجلس الأمن الدولي التابعة للأمم المتحدة رقم 833 الصادر عام 1993 الذي أعاد ترسيم الحدود في أعقاب الغزو العراقي للكويت.
خيار التدويل
من جهته، قال الخبير القانوني والدستوري العراقي، علي التميمي، إن "قرار المحكمة الاتحادية لإلغاء اتفاقية خور عبد الله استندت فيه على أنها كانت مخالفة لأحكام الدستور المادة 61 الفقرة الرابعة المتعلقة بتصويت ثلثي أعضاء البرلمان على القانون".
وأوضح التميمي لـ"عربي21" أنه "من الناحية الواقعية يُعد العراق حاليا غير مصادق على اتفاقية خور عبد الله الموقعة مع
الكويت عام 2013، وهذا يرجعنا إلى المربع الأول وكأن الاتفاقية جرى توقيعها الآن".
وتابع: "الاتفاقية متوقفة حاليا، فإما أن يصادق عليها البرلمان أو لا، فإذا صوت عليها بأغلبية الثلثين، فإنها ستمضي وتكون بقانون ورقم جديد ثم يقرها الرئيس العراقي عبد اللطيف رشيد، وإذا لم يصادق عليها نعود إلى الاتفاقية المتكونة من 16 بندا".
ولفت التميمي إلى أن "الفقرة الثانية من البند 16، تجيز لأي طرف من الطرفين إنهاء الاتفاقية وإشعار الطرف الآخر كتابيا خلال مدة 6 أشهر، ويتوقف هذا الإنهاء على موافقة الأخير. أما البند رقم 14 فإنه يؤكد أنه إذا استعصى الحل يذهب الطرفان إلى محكمة البحار لعام 1982".
وأشار إلى أن "المحكمة الاتحادية لها الحق في العدول أو التراجع عن قراراتها السابقة وهذا موجود في نظامها الداخلي بمسمى حق العدول، لذلك فإن التراجع عن قرارها السابق الصادر عام 2014، والذي ردت فيه دعوى أقامتها برلمانية عراقية ضد الاتفاقية، لا يُعد تناقضا".
وتابع: "اتفاقية فينا للعلاقات الدولية لعام 1969 تتيح أيضا للدول العدول عن الاتفاقيات المبرمة بينها لظروف اقتصادية وسياسية واجتماعية وحسب الحاجة، وإن العراق بعد احتلاله عام 2003 تعرض لتعسف بقرارات من مجلس الأمن، لأنه ليس من صلاحيات الأخير ترسيم الحدود البحرية والبرية".
ورأى التميمي أن "العراق إذا ذهب إلى محكمة البحار وفق عدد من مواد قانون البحار، فإنه سيحسم القضية لصالحه، لأن ما بني على باطل فهو باطل"، بحسب قول الخبير العراقي.
من جهته، قال أستاذ العلوم السياسية في العراق، الدكتور معتز النجم، إن "القضايا القانونية وتحديدا ذات البعد الدستوري تأخذ مدة طويلة جدا، خصوصا أن التكوين السياسي في البرلمان العراقي الحالي يختلف عن ما كان عليه عام 2013".
وأوضح النجم في حديث لـ"عربي21" أن "البرلمان الحالي يضم نوابا مستقلين استطاعوا الخروج من شرنقة الكتل السياسية المهيمنة طيلة السنوات الماضية، وأن من قدم الدعوى هم من النواب الجدد، وبناء على ذلك فإننا اليوم أمام تطور في طبيعة العلاقات الخارجية".
ورأى الخبير السياسي أن "إلغاء المحكمة الاتحادية اتفاقية خور عبد الله جاء لصالح العراق حتى يستطيع تنظيم العلاقات الدولية، وبالتالي فإن فيه انعكاسات على السياسة الخارجية".
وأكد النجم أن "السياسة هي التي تصنع القانون ومحركاتها تجعل من القانون أحد الوسائل لتفعيل المصالح الدولية، لذلك يجب أن يكون هناك رد فعل عراقي على قرار مجلس الأمن 833 لعام 1993 القاضي بترسيم الحدود بين العراق والكويت".
ولفت أستاذ العلوم السياسية إلى أن "العراق اليوم بدأ يتعافى، وعلى بغداد والكويت أن يتعاملا وفق سياسة حسن الجوار، لأن الميناءين العراقيين الفاو وأم قصر، وكذلك خور عبد الله كان يراد لها التعطيل، وأن تذهب منافعها لصالح الدول المجاورة".
"كيل بمكيالين"
بخصوص تداعيات القرار على العلاقة بين الكويت والعراق، قال التميمي إن "هناك 250 ألف عراقي متواجدين على أراضي الكويت، إضافة إلى وجود علاقات اقتصادية قد تتأثر، لكن الموضوع يتعلق بقضية سيادية، وأن خور عبد الله جزء لا يتجزأ من البلد".
ولفت إلى أن توقيت القرار جاء بعد دعوى قضائية رفعها نواب بالبرلمان، لأن المحكمة الاتحادية لا تتحرك تلقائيا، وإنما وفق قانون المرافعات والإثبات ويجب أن يكون هناك مدعٍ ومدعىً عليه، وبالنتيجة عندما تأتيها دعوى فهي ملزمة بالرد عليها سواء في قبولها أو ردها".
من جانبه تساءل النجم، قائلا: "لماذا تقام هناك دعوى لدى المحكمة ضد الكويت ولا يوجد شيء ضد إيران التي أيضا تنتهك السيادة العراقية، لذلك نحتاج إلى تفسير هذا اللغز في السياسة المتبعة، حتى ننطلق من مفهوم ’مصلحة العراق هي العليا‘".
وبحسب النجم، فإن عقلية صانع القرار السياسي العراقي ما زالت تعتمد على الأجندة الخارجية، لذلك فلدينا إشكالية في فلسفة بناء الدولة التي يفترض أنها تعتمد على الداخل وليس الخارج، ولهذا نحن بحاجة إلى مشروع وطني داخلي يتصدى لمثل هذه القضايا".
ولفت إلى أنه "في ظل حكومة الإطار التنسيقي المقربة من إيران قد تكون القرارات الحالية فيها جلبة سياسية تصب في صالح طهران وبالضد من دول أخرى في المنطقة على حساب المصلحة الوطنية العراقية".
وتابع: "على المحكمة الاتحادية النظر في جميع القضايا العالقة بين العراق ودول المجاورة والإقليمية، لاستعادة حقوقه، ولا سيما في الآبار النفطية والغازية والمياه والتجاوزات الحدودية، لأن هناك كيلا بمكيالين وازدواجية في التعاطي مع هذه الملفات".
وعلى خلفية الأزمة هذه، أجرى وزير الخارجية الكويتي سالم عبد الله الجابر الصباح، مع نظيره العراقي فؤاد حسين، لقاء تناولا خلاله "العلاقات الثنائية الوثيقة التي تربط البلدين الشقيقين" ومناقشة "آخر المستجدات الإقليمية والتطورات الراهنة في المنطقة"، بحسب ما نشرت وكالة "كونا" الكويتية، الثلاثاء.
ولم يذكر بيان الخارجية الكويتية من قريب أو بعيد موضوع خور عبد الله في الاتصال الذي جرى بين الصباح وحسين، الأمر الذي يبقي ردود فعل الحكومتين غامضا حيال الإجراءات التي من المحتمل أن تتخذ بعد قرار المحكمة الاتحادية العراقية إلغاء الاتفاقية الملاحية بين البلدين.
ما موقف الكويت؟
في المقابل، قال أستاذ العلوم السياسية في جامعة الكويت، إبراهيم الهدبان لـ"عربي21" إنه "بغض النظر عن أحقية العراق في التراجع عن الاتفاقية وعدم التصديق عليها، فإن تصرفه هذا يتطلب النظر في ظروف البلد الداخلية، وظروف الإقليم كالدور الإيراني، والخلاف حول حقل الدرة (الغازي) ودور طهران في بغداد".
بين الحين والآخر يبرز الخلاف حول "حقل الدرة" الذي يقدّر احتياطي الغاز فيه القابل للاستخراج بنحو 200 مليار متر مكعب، حيث تدّعي كل من الكويت والسعودية وإيران والعراق أنه يقع ضمن حدودها المائية، وبالتالي لها الحق في استثماره، الأمر الذي يعطّل العمل به منذ اكتشافه عام 1960.
وأشار الهدبان إلى أنه "في هذه المرحلة كان يفترض أن يكون العراق الدولة الأكثر قربا من الكويت بعد انتهاء كارثة الغزو وعودة العلاقات والتقارب الذي تلا هذه الكارثة والدعم المستمر الذي تقدمه الكويت له كدولة جارة شقيقة استكمالا للدور الذي كانت تلعبه قبل الغزو".
ورأى أستاذ العلوم السياسية أن "العراق يفترض به أن يلعب دور الشقيق الأكبر الداعم لشقيقه في الظروف التي تمر فيها المنطقة، إلا أنه أيضا لم يعد إلى وضعه الصحي ولا يزال يعاني من مليشيات متصارعة كل منها لديه أجندة خاصة به ومصلحة لقادتها ولإيران المتغلغلة حتى النخاع في هذا البلد وقراراته".
وشدد الهدبان على أن "الأزمات بين الكويت والعراق ستستمر ما دام الأخير يتخبط بين ضغط خارجي وفوضى داخلية. والأجدر أن يكون هناك مقترب أكثر شفافية ويتعامل بشكل مباشر وصريح ومرن بين الدولتين".
وعن خيارات الكويت في التعامل مع خطوة العراق في نقض اتفاقية خور عبد الله، قال الهدبان إن "بلاده لا تملك إلا أن تلجأ للمنظمات الدولية فإذا حكمت للعراق فكعادتها الكويت ستلتزم، وذلك درءا للمشاكل وعدم الاستقرار في المنطقة".
بدوره، قال النائب في البرلمان الكويتي، عبد الكندري، إن التعامل مع "ما يجري يجب أن يكون حازماً جداً"، معتبرا في تغريدة على حسابه في "إكس"، "تويتر" سابقا أن إلغاء العراق اتفاقية خور عبد الله "تطور خطير على مستوى العلاقات الثنائية"
ورأى النائب الكويتي أن "عدم الاعتراف بالحدود البحرية من الطرف العراقي بالاضافة لكونه انتهاكاً لقرارات مجلس الأمن وقواعد القانون الدولي وحسن الجوار؛ قد يكون مقدمة للمطالبة بتعديل المسار البحري الحدودي للوصول لحقل الدرة".