أعادت حادثة حريق قاعة الأعراس في قضاء الحمدانية شرقي محافظة نينوى
العراقية تسليط الضوء على المشاريع والبنى التحتية غير الكفؤة التي تسببت بمقتل مئات العراقيين، ومصداقية الحكومة العراقية بمحاسبة المتورطين فيها.
ومساء الثلاثاء، اندلع حريق في قاعة الهيثم للأعراس وسط قضاء الحمدانية ذي الغالبية المسيحية شرقي محافظة نينوى شمالي العراق، أسفر عن مقتل وإصابة المئات.
وأعلن رئيس الحكومة العراقية محمد شياع السوداني فتح تحقيق في الحادثة لمعرفة ملابساتها، فيما قالت خلية الإعلام الأمني إن السلطات اعتقلت تسعة متهمين بالواقعة وطاردت مالك القاعة "سمير نبو" الذي فر إلى كردستان العراق قبل أن تسلمه الأخيرة لوزارة الداخلية ببغداد في وقت لاحق.
وتعيد كارثة الحمدانية إلى الأذهان فاجعة
عبارة الموصل في آذار/مارس عام 2019، التي راح ضحيتها 120 شخصا، واتهم بها أيضا رجل أعمال مقرب من مليشيا العصائب التابعة للحشد الشعبي.
استثمارات مميتة
لم تكن فاجعة عرس الحمدانية الأولى من نوعها سواء بطابع الحادث "الحريق" ولا بالجهة المسؤولة عنه، المقربة أو التابعة للفصائل المسلحة.
يملك قاعة "الهيثم" للمناسبات "سمير سليمان نبو"، وهو رجل أعمال عراقي يحمل الجنسية الأسترالية، ويدير عدة مطاعم ومقاه ومدينة ألعاب في الحمدانية افتتحها بعد عام 2018، بحسب وسائل إعلام محلية.
وسبق أن أحالت بلدية الحمدانية حديقة عامة في القضاء لـ "سمير نبو" الذي حصل عليها بسبب علاقته بريان الكلداني زعيم مليشيا بابليون المسيحية المسيطرة على القضاء، بحسب مصدر أمني تحدث لـ"عربي21".
وقال المصدر لـ"عربي21”, إن الدفاع المدني أبلغ نبو قبل أيام بخلو قاعة الأعراس من مستلزمات السلامة، ولأنه يتمتع بعلاقات وثيقة مع ريان الكلداني فلم يعر للأمر أهمية كونه يدرك صعوبة محاسبته.
وأضاف، "أن القاعة يديرها برفقة ابنه روان، وشقيقه جوني المرتبط بلواء 30 للحشد الشعبي الذي ينتشر في مناطق سهل نينوى ويعتبر هو الحاكم الفعلي لتلك المناطق".
وتابع، "بحكم امتلاك نبو للجنسية الأسترالية فقد سهل ذلك الكثير من نشاطات ريان الكلداني خارج العراق، كما يشاركه العديد من المشاريع التجارية داخل وخارج العراق، من ضمنها قاعة مناسبات وصالة لكمال الأجسام وقطع أراض في الموصل وعقارات في مدينة بيرث الأسترالية".
من جهة أخرى قال النائب في البرلمان العراقي، شيروان الدوبرداني، أن القاعة بنيت على أرض تابعة للدولة واستولى عليها المالك تجاوزا على القانون، مبينا أن المواطن العادي لا يستطيع أخذ أرض بهذا الحجم دون أن يكون مدعوما من جهة متنفذة.
وأضاف في مقابلة تلفزيونية اليوم الأربعاء. "أن إدارة المحافظة لا تستطيع الحديث عن تلك التجاوزات التي وصلت حتى إلى أراض وعقارات داخل الموصل بسبب هيمنة الأحزاب والمليشيات"، مبينا أن نينوى شبه أسيرة بيد الفصائل والمليشيات التي تسيطر على المحافظة.
ونظرا لقرب مالك القاعة من الميليشيات فقد تحدث الكثير من العراقيين في مواقع التواصل الاجتماعي عن تجاهل الحكومة للمكاتب الاقتصادية التابعة لميليشيا
الحشد الشعبي والتي تستولي على الكثير من المشاريع في المدن المستعادة من تنظيم الدولة.
مليشيا بابليون
كتائب بابليون هي حركة مسيحية كلدانية مسلحة تنتمي للحشد الشعبي يقودها ريان الكلداني، الذي أسسها عام 2014 بعد سيطرة تنظيم الدولة على الموصل وسهل نينوى.
وتتهم الميليشيا بارتكاب انتهاكات ضد السكان بمشاركة الفصائل الشيعية، في عدة مناطق في نينوى والأنبار وصلاح الدين.
ومنذ عام 2019 أدرجت وزارة الخزانة الأمريكية الكلداني على قائمة العقوبات الأمريكية ضمن قانون ماغنتسكي لقيامه بانتهاكات خطيرة لحقوق الإنسان.
وذكرت الوزارة أن الكلداني المقرب من زعيم الحشد الشعبي السابق أبو مهدي المهندس، "متورط بتعذيب معتقلين والاستيلاء على منازل وممتلكات العراقيين في سهل نينوى بمشاركة لواء 30 في الحشد الشعبي".
وتبرأت الكنيسة الكلدانية في العراق عدة مرات من مواقف الكلداني حيث أصدرت عدة بيانات نفت فيها علاقتها بالرجل الذي قالت إنه لا يمثل المسيحيين.
ويتهم ريان الكلداني أيضا بالعمل على مضايقة كاردينال الكلدان في العراق والعالم، لويس ساكو حيث دفع لمغادرة بغداد بعد صدور أمر مذكرة استدعاء بحقه من القضاء العراقي في تموز/يوليو الماضي.
حادثة عبارة الموصل
في 20 آذار/مارس 2019 قتل أكثر من 120 مدنيا غالبيتهم من النساء والأطفال بعد غرق عبارة كانت تقلهم في جزيرة الموصل السياحية وسط نهر دجلة بمحافظة نينوى.
أعلنت حكومة عادل المهدي وقتها فتح تحقيق بالحادثة، ووجهت الاتهامات لميليشيا العصائب التي يشارك القيادي فيها "حيدر الساعدي" باستثمارات جزيرة الموصل السياحية.
ويملك العبارة "عبيد إبراهيم الحديدي" المعروف بعلاقاته مع ميليشيا العصائب، حيث ذكرت مصادر محلية أن الحديدي يدفع مبالغ كبيرة للميليشيا لقاء حمايته، رغم صدور أمر اعتقال بحقه بتهمة الإرهاب منذ عام 2017.
وأقر محافظ نينوى آنذاك نوفل العاكوب بسيطرة العصائب على مشروع الجزيرة السياحية رغم نفيه هذا الخبر بادئ الأمر.
وأعلن القضاء العراقي بعد يوم من الحادثة أنه أمر بتوقيف تسعة مسؤولين معنيين بالحادث، وأصدر مذكرات توقيف بحق مالكي العبارة والمدينة السياحية.
وتظاهر حينها عدد كبير من أهالي الموصل، مطالبين السلطات باتخاذ إجراءات حازمة ضد المتسببين في الحادث، واتهموا الحكومة والمسؤولين بالتقصير، قبل أن تهاجمهم قوة من حماية المحافظ.
وفي ذلك الوقت أكد قائد عمليات نينوى، نجم الجبوري (المحافظ الحالي) اعتقال 16 شخصا من المشتبه بهم في غرق العبارة، فيما تحدثت مصادر أمنية أن أغلب العبارات على نهر دجلة وكذلك المقاهي، مملوكة لمستثمرين مسنودين من فصائل مسلحة أو من أحزاب سياسية نافذة، ويعملون بلا شروط أمان أو احتياطات سلامة.
ولم تكشف حتى الآن مجريات التحقيق بالقضية، إلا أن مأساة الحمدانية أعادت ذكريات العبارة للواجهة، خصوصا أن المتهم الرئيسي بها "حيدر الساعدي" ظهر هذا العام في الحج.
نفوذ الفصائل المسلحة
منذ استعادة الموصل من تنظيم الدولة تعاظم نفوذ الحشد الشعبي في المدينة، حيث افتتحت ما يسمى بـ "المكاتب الاقتصادية" التابعة لفصائل الحشد واستولت على العديد من المشاريع والاستثمارات.
وفي آذار/مارس 2019 كشف تقرير لجنة تقصي الحقائق في الموصل التي شكلها البرلمان العراقي، "عن سيطرة الفصائل التي تعمل ضمن الحشد على مقدرات محافظة نينوى حيث تمنع المكاتب الاقتصادية التابعة للفصائل سكان المدينة من الحضور للمزايدات التي تتعلق بمشاريع المحافظة".
وذكر التقرير، أن "أحد الفصائل المسلحة يسيطر على حقول النفط في المدينة عبر وثائق صادرة من مجلس الوزراء، كما سرق فصيل آخر مستندات العقارات العائدة للدولة من مديرية التسجيل العقاري في نينوى، وسجلها بأسماء عناصره، فضلا عن فرض الإتاوات على البضائع وعلى تجار المدينة".
وأشار التقرير إلى تواطؤ محافظ نينوى السابق نوفل العاكوب مع فصائل الحشد حيث أمر بإنشاء طريق طوله عشرة كيلومترات من أجل تسهيل حركة الشاحنات التي تسرق آبار النفط.
وتنتشر في محافظة نينوى ميليشيا العصائب التي يتزعمها قيس الخزعلي والمدرجة على قوائم الإرهاب الأمريكية والممثلة في البرلمان عبر كتلة "صادقون" أحد مكونات "الإطار التنسيقي" الذي شكل حكومة السوداني الحالية.
وتتهم الميليشيا بارتكاب انتهاكات بدوافع طائفية، في المحافظات ذات الغالبية السنية كما أنها متهمة باستهداف المتظاهرين خلال احتجاجات تشرين في تشرين الأول/أكتوبر 2019.