منذ عقدين من الزمن العربي الإسلامي الصعب وأنا
لم أكف عن متابعة ما يكتبه هذا الصحفي البريطاني الأمين (ديفيد هيرست) وهو الذي
دعاه المركز القطري للصحافة للحديث عن طوفان الأقصى.. كما أن الجزيرة خصصت له
حوارا ثريا..
والشكر للمركز وللقناة على اختيارهما لإعلامي بريطاني أمين وهي حقيقة
تبينت لي وللرأي العام العربي المسلم لأن جميع تحاليله ورؤاه شديدة الاطلاع على
خفايا السياسات الأمريكية والأوروبية تجاه حضارة الإسلام، وهو الذي على موقعه
الشهير (ميدل إست أي) يوميا يفضح مؤامرات الغرب وانخراط اليمين الإسرائيلي العنصري
في لعبة خطيرة نسميها نحن (إخراج الإسلام من التاريخ وإبادة المسلمين فكرا وقيما وأخلاقا)
فيما يشبه الحملات الصليبية السبعة التي انطلقت من كاتدرائية (كليرمون فيران) في
فرنسا على أيدي بابا المسيحية الفرنسي (يوربان الثاني)..
واخترت أن نتابعه اليوم في محطة طوفان
الأقصى مع التوجه بالشكر والتقدير لهذا الصوت النزيه ولموقع (عربي21) المناضل الذي
يترجم مقالات هيرست لجمهور القراء العرب، خاصة وأنه اليوم يحذر إسرائيل من أن
تهجير مليون
فلسطيني من
غزة بغاية وهمية هي تشكيل خارطة جديدة للشرق الأوسط ستكون
بداية النهاية للدولة العبرية..
وفي هذا الصدد نشر موقع "ميدل إيست
آي" مقالا للكاتب البريطاني ديفيد هيرست، تحدث فيه عن النكبة الثانية التي
يرتكبها
الاحتلال الإسرائيلي ضد أهالي قطاع غزة وشكك هيرست في قدرة الاحتلال على
تغيير الواقع الاستراتيجي في الشرق الأوسط، بمجرد "القضاء على فصيل
واحد".
قال هيرست:" منذ" اللحظة الأولى
لهجوم حماس من داخل غزة، قطع رئيس الوزراء الإسرائيلي وعدا لم ينتبه له الكثيرون
في حديثه مع عمد البلدات الحدودية قال إن رد إسرائيل "سوف يغير الشرق
الأوسط". وعاد وكرر نفس الشيء في خطابه الموجه إلى الشعب المصدوم، حيث قال:
"ما سنفعله بأعدائنا خلال الأيام القادمة، سوف يظل صداه يتردد معهم لأجيال
قادمة".
فما الذي يجول في خاطره؟
نعلم أنه انتظر طويلا رجاء أن يتمكن من ضرب
مرافق إيران النووية بعد مرور ثلاث سنين على إحباط محاولته في عام 2010 قال في
مقابلة مع سي بي إس: "لن أنتظر حتى يفوت الأوان." كما نعلم أيضا أنه
يريد أن يجتث حزب الله وحماس، التي وصفها ذات يوم في حديث له معي (عندما كان في
المعارضة)، إنهما بمنزلة حاملتي طائرات تعملان لإيران. لقد استخدم منذ الهجوم الذي
شنه المقاتلون الفلسطينيون يوم السبت كلمات وعبارات مشابهة لتلك التي صدرت عن
الرئيس الأمريكي السابق جورج دبليو بوش ردا على هجمات الحادي عشر من سبتمبر في
أثناء مطاردة القاعدة في أفغانستان، كان نائب الرئيس السابق ديك تشيني القوة
الحقيقية من وراء العرش يفكر بهجوم أكبر على العراق.
هل يفكر نتنياهو باستغلال الدعم الهائل الذي
يحظى به حاليا من المجتمع الدولي في تنفيذ حملته ضد غزة؟ من أجل تحقيق شيء أكبر،
كما فعل بوش في 2001؟ ولقد أومأ زعيم المعارضة الإسرائيلية، بيني غانتز، هو الآخر
إلى شيء أكبر، حين قال: "سوف ننتصر ونغير الواقع الأمني والاستراتيجي في
المنطقة."
إن إعادة احتلال غزة والقضاء على فصيل
فلسطيني مسلح واحد، لن يغير الواقع الاستراتيجي في المنطقة، ولا تحتاج إلى جيش
قوامه 360 ألف جندي حتى تستعيد احتلال غزة. يمثل ذلك أضخم عدد من الاحتياطيين يتم
استدعاؤهم في تاريخ البلد. وبحسب مصادري، يوجد لدى حماس من الرجال المسلحين ستون
ألفا كحد أقصى، وقد تتمكن بصعوبة بالتعاون مع الفصائل الأخرى من تشكيل قوة تعدادها
ثلث ذلك العدد. وطبعا من الممكن أن يكون ذلك مجرد تبجح ـ من نمط اللغة
العدوانية
التي يتسم بها خطاب نتنياهو.
لكم جاءت مثل هذه التعهدات بتغيير الشرق
الأوسط على لسان مسؤولين إسرائيليين وأمريكيين سابقين، وثبت أنها جوفاء. خذ على
سبيل المثال رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق شمعون بيريز، الذي ألف كتابا يشرح فيه
كيف ستعيد أوسلو تغيير شكل الشرق الأوسط. وكذلك وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة
كونداليزا رايس، التي أشارت إلى تشكل “شرق أوسط مختلف"، عندما حثت إسرائيل
على تجاهل المطالبات بوقف إطلاق النار بعد أحد عشر يوما من قصفها لحزب الله في
جنوب لبنان في عام 2006.
إن إعادة احتلال غزة والقضاء على فصيل فلسطيني مسلح واحد، لن يغير الواقع الاستراتيجي في المنطقة، ولا تحتاج إلى جيش قوامه 360 ألف جندي حتى تستعيد احتلال غزة. يمثل ذلك أضخم عدد من الاحتياطيين يتم استدعاؤهم في تاريخ البلد.
ولكن ماذا لو كان ذلك الذي يتم التخطيط له
مشروعا أكبر من ذلك؟ على ماذا سوف ينطوي؟ وما هي الأخطار التي يشكلها على المنطقة
ككل؟
أول وأوضح إجابة هي نكبة ثانية أو طرد جماعي
لجزء كبير من سكان قطاع غزة الذين يبلغ تعدادهم 2.3 مليون نسمة وهو رقم يكفي
لتغيير القنبلة الزمنية السكانية التي لا يغيب هاجسها عن ذهن كل واحد من
الإسرائيليين.
يوم الثلاثاء الماضي قال المقدم الإسرائيلي
ريتشارد هيشت في حديث مع الصحفيين: إنه ينصح اللاجئين الفلسطينيين
"بالخروج" من خلال معبر رفح على حدود غزة الجنوبية مع مصر. ثم اضطر
مكتبه لأن "يوضح" ما قاله هيشت من خلال الإقرار بأن المعبر كان مغلقا.
ومن جهة أخرى أثار الأزهر الشريف أكبر مؤسسة
دينية في مصر إمكانية أن تضطر مصر للسماح للاجئين المتدفقين من قطاع غزة بالعبور
إليها ـ وهو نفس ما حدث بعد حربي عام 1948 وعام 1967 بين العرب والإسرائيليين.
ودعا الأزهر الفلسطينيين إلى الصمود والثبات وحثهم على البقاء حيث هم. ما الذي
سيدفع الأزهر إلى إصدار مثل هذا التصريح لولا أن إمكانية حدوث نزوح جماعي جديد قد
تمت مناقشتها خلف الأبواب المغلقة. فمن شأن وصول مليون فلسطيني من غزة إلى سيناء
وبدون أدنى مبالغة أن يؤدي إلى ما لا تحمد عقباه بالنسبة لمصر وذلك بعد عقد من
الانهيار الاقتصادي تحت قيادة الرئيس عبد الفتاح السيسي.
منذ فترة وأعداد غير مسبوقة من المصريين
يركبون البحر في قوارب يدرك السيسي نفسه هذا الخطر ولذلك لم يكن منه إلا أن كرر
الدعوة الصادرة عن الأزهر. لا يوجد أدنى شك فيما سيكون للطرد الجماعي للفلسطينيين
من أثر على التوازن الدقيق بين الفلسطينيين وسكان الضفة الشرقية من الأردن الذي
يشترك مع إسرائيل في أطول حدود وهي الحدود التي ماتزال حتى الآن على الأقل أهدأ
الجبهات.
ومن شأن النكبة الثانية أن تخلق أزمة وجودية
لأول بلدين عربيين اعترفا بإسرائيل، وذلك أن مثل هذه الأزمة سوف تهدد قدرة كل واحد
من النظامين على السيطرة على دولته. وعلى الرغم من ذلك، وكما هو جلي من تصريحات
القيادة الإسرائيلية ومن أفعال طياريها، فإن الطرد الجماعي هو بالضبط ما قد تحاول
إسرائيل حمل أهل غزة عليه في الوقت الراهن يوم الاثنين الماضي وصف وزير الدفاع
الإسرائيلي يوآف غالانت الفلسطينيين بأنهم "حيوانات بشرية"، وذلك تعليقا
على مزاعم تقول؛ إن حماس قطعت رؤوس الأطفال، وهي مزاعم لم يمكن التحقق من صحتها
بشكل مستقل، ولم تصدر عن الصحفيين الإسرائيليين عندما سمح لهم للوهلة الأولى برؤية
آثار ما وقع داخل كفار عزا.
في نفس اليوم، دعا عضو الكنيست ريفيتال
غوتليف إسرائيل إلى التفكير باستخدام القنبلة النووية ضد غزة، وغرد عبر السوشال
ميديا قائلا: "فقط انفجار يهز الشرق الأوسط من شأنه أن يعيد للبلد كرامته
وقوته وأمنه. آن لنا أن نرسلهم إلى الجحيم." ثم هذا غيورا إيلاند، الجنرال
السابق، يقول: إنه يتوجب على إسرائيل "خلق أزمة إنسانية غير مسبوقة" في
غزة، وهدد بنكبة أخرى قائلا: "فقط تعبئة عشرات الآلاف وصيحة المجتمع الدولي
يمكن لهما أن يمارسا الضغط اللازم على غزة، لتختار بين أن تكون بلا حماس أو تكون
بلا شعب. إننا في حرب وجودية".
رأيي هو: لقد حطم المقاتلون الفلسطينيون في
غارة الفجر صبيحة يوم واحد الأسطورة التي نسجت حول مناعة إسرائيل وهي التي تمتعت
بها منذ أن هزمت ثلاثة جيوش عربية في حرب الأيام الستة في عام 1967. بل حتى حرب
1973 لم تسبب صدمة تعادل تلك التي نجمت عن هجوم حماس.
تقول إسرائيل الآن: إن هذه الحرب حرب
وجودية. ولكنْ ثمة إحساس في الشارع بأن إسرائيل بلد لا وجود للسلطة فيه بلد يمكن
للإسرائيليين أن يأخذوا حقوقهم بأيديهم بلد راح المواطنون العاديون الذين لا
يربطهم شيء لا بالمستوطنين ولا باليمين المتطرف يتجولون في الشوارع والطرقات وهم
مسلحون. هذا هو ما وصل إليه المستوى العام من الكراهية والخوف، وما هي إلا مسألة
وقت قبل أن يبدأ الفلسطينيون في الداخل يتعرضون للاعتداء.
الخلاصة والعبرة هما: نعم حملة غزة التي
تتطور إلى خطة يمكن أن تغير الشرق الأوسط، من الممكن أن ترتد عكسيا على الدولة
العبرية وبشكل خطير جدا، وعلى مساندي المجزرة من الغرب والعرب وينبغي أن تتوقف قبل
فوات الأوان و قبل أن ترسم للتاريخ صورة إبادة جماعية أكبر من الهولوكوست.