نشرت مجلة "
إيكونوميست" مقالا قالت فيه إن زعماء العالم، في محاولتهم التخطيط للمستقبل، يتطلعون إلى الماضي. مذكرا بتصريح الرئيس الأمريكي، جو بايدن، حول الحرب المستمرة منذ ما يقرب من الشهر: "عندما تنتهي هذه الأزمة، يجب أن تكون هناك رؤية لما سيأتي بعد ذلك، ومن وجهة نظرنا يجب أن يكون حل الدولتين".
وأضاف المقال، بأن رئيس الوزراء البريطاني، ريشي سوناك، أدلى بتعليقات مماثلة وكذلك فعل الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون. وانتهى اجتماع طارئ للجامعة العربية الشهر الماضي بالدعوة إلى "مفاوضات جادة" نحو حل الدولتين.
وأوضح: "عندما غادرت إسرائيل قطاع
غزة في عام 2005، وأجلت نحو 8000 مستوطن يهودي من الأراضي التي كانت تسيطر عليها منذ عام 1967، لم يكن أحد يعرف على وجه اليقين ما الذي يمكن أن يستنتجه من هذا القرار. فيما أعرب البعض عن أمله في أن يكون استعداد إسرائيل للتنازل عن الأراضي المحتلة بمثابة توجه، وخطوة نحو التوصل إلى تسوية نهائية مع
الفلسطينيين. ورأى آخرون حيلة ماكرة: إذ أن التخلي عن السيطرة على غزة قد يساعد إسرائيل على ترسيخ سيطرتها على الضفة الغربية. وتبين أن الرأي الأخير هو الصحيح".
وأكد أنه ظهر ارتباك مماثل منذ السابع من تشرين الأول/ أكتوبر، عندما بدأت إسرائيل التخطيط لغزو بري لغزة بعد أن قامت حركة حماس، الجماعة الإسلامية المتشددة التي تسيطر على القطاع، بقتل 1400 إسرائيلي. ويخشى الفلسطينيون أن تؤدي الحرب إلى نكبة ثانية.
وأشار إلى أن الوزراء الإسرائيليون يأملون من اليمين المتطرف أن يوفر لهم الفرصة لإعادة تأكيد السيطرة على غزة وإعادة بناء المستوطنات اليهودية المفككة. ويأمل عدد قليل من المتفائلين، ومن بينهم بايدن، أن يوفر ذلك فرصة لإحياء عملية السلام الإسرائيلية الفلسطينية الميتة.
وفي الوقت الحالي، يعد هذا حلما بعيد المنال: حيث أن الجنرالات الإسرائيليين يتوقعون أشهرا من القتال. ولكنهم والعديد من القوى الأجنبية يأملون في نهاية المطاف في نقل السيطرة على غزة إلى السلطة الفلسطينية، التي تحكم أجزاء من الضفة الغربية، وربما مع قوة حفظ السلام التي يتم جلبها للمساعدة في العملية الانتقالية. وهم يشكون في أن الرئيس الفلسطيني، محمود عباس، سيعود من دون ضمان إجراء محادثات ذات معنى حول الدولة الفلسطينية.
وبعبارة أخرى، فإن أي خطة "لليوم التالي" في غزة تحتاج إلى النظر في إمكانية التوصل إلى حل الدولتين. لم يتغير المخطط العام كثيرا منذ عقود، سيتم تشكيل دولة فلسطينية في غزة والضفة الغربية، وستقوم إسرائيل باستبدال أجزاء من أراضيها بأجزاء من الضفة الغربية حيث قامت ببناء مستوطنات كبيرة. مشيرا إلى أنه "سيتم تقسيم القدس، مع نوع من السيطرة المشتركة على المدينة القديمة. يمكن لعدد صغير من اللاجئين الفلسطينيين العودة إلى إسرائيل، بينما يستقر الباقون إما في فلسطين أو في أماكن عيشهم الحالية في مكان آخر. وتتوقع إسرائيل أن تكون الدولة الفلسطينية منزوعة السلاح".
وتابع المصدر نفسه، أنه "بعد عقدين من المحادثات الجادة، انطلاقا من الحقبة المفعمة بالأمل لاتفاقيات أوسلو في أوائل التسعينيات، مرورا بمحاولة متقطعة في عهد باراك أوباما، توقفت عملية السلام في عام 2014، ولم تكن هناك مفاوضات جادة منذ ذلك الحين".
وأضاف: "لا يستطيع المفاوضون الاستمرار من حيث توقفوا، ففي نهاية عام 2021، كان هناك 465,400 مستوطن إسرائيلي يعيشون في الضفة الغربية، ارتفاعا من 116,300 عند توقيع اتفاقيات أوسلو في عام 1993. وهم يشكلون عقبة متزايدة أمام السلام، ويتركز معظمهم في المناطق التي من المحتمل أن يتم التنازل عنها لإسرائيل في أي اتفاق، لكن نفوذهم السياسي (وهم يعارضون تسليم حتى الأراضي التي لا يعيشون عليها) تزايد مع تزايد عدد سكانهم".
وأكد أنه "كما أن الصورة الإقليمية اليوم أكثر تعقيدا، ففي عام 2002، أيدت جامعة الدول العربية اقتراحا سعوديا وعد إسرائيل بعلاقات طبيعية مع الدول العربية بعد حل الدولتين: من خلال إنهاء صراعها مع الفلسطينيين، تستطيع إسرائيل إنهاء جميع صراعاتها الإقليمية، كان المقصود من مبادرة السلام العربية أن تكون حافزا قويا، وقد تكون إسرائيل أكثر استعدادا لإنهاء سيطرتها على الفلسطينيين إذا شعرت أن التهديدات الأخرى سوف تتبدد بعد ذلك".
واسترسل بأن "المنطقة تغيرت منذ عام 2002، فقد أصبح حزب الله في لبنان إلى الحوثيين في اليمن، الآن أكثر قوة من الدول التي يعتبرونها وطنهم. ولن يكفي أن تقوم الحكومات العربية بإنهاء صراعاتها مع إسرائيل: إذ يتعين على الجهات الفاعلة غير التابعة لدول بعينها أن توافق على القيام بذلك أيضا".
وأشار إلى أن "الأمور الأخرى يمكن أن تكون أسهل، إن حل الدولتين سيكون مكلفا، وحتى قبل الحرب، كان الفلسطينيون يتوقعون المساعدة في إعادة تأهيل غزة؛ الفاتورة ستكون أعلى من ذلك بكثير الآن، وفي قمة كامب ديفيد الفاشلة عام 2000، ناقش المفاوضون إنشاء صندوق بقيمة 30 مليار دولار لتعويض اللاجئين الفلسطينيين عن ممتلكاتهم المفقودة، وقد تكون دول الخليج، مثل السعودية والإمارات، التي عززت علاقاتها مع إسرائيل في السنوات الأخيرة، أكثر استعدادا لتوفير الأموال لإظهار أنها لم تتخل عن الفلسطينيين".
وأردف: "مع ذلك، فإن المشكلة الأكبر لا تكمن في تفاصيل الحل، بل في الإرادة السياسية للتفاوض عليه وتنفيذه. لن تكون هناك عملية سلام جادة مع ائتلاف بنيامين نتنياهو الذي يضم سياسيين من اليمين المتطرف والمتدينين. ومن غير المرجح أن يستمر هذا التحالف لفترة طويلة بعد حرب غزة، ويأمل معارضو نتنياهو أن تكون الحكومة المقبلة أكثر استعدادا لإجراء محادثات مع الفلسطينيين. ويقول أحد المشرعين الإسرائيليين الوسطيين: "لقد تعلمنا درسا مفاده أننا بحاجة إلى الانفصال عنهم بطريقة جيدة، لقد حان الوقت لبدء ذلك الحوار" لكن الساسة الإسرائيليين من الوسط واليسار تجنبوا هذه القضية علنا لأكثر من عقد من الزمن".
إلى ذلك، تابع
المقال نفسه: "على الجانب الفلسطيني، كانت حماس دائما حريصة على إفشال عملية أوسلو، كما تسببت خلال الانتفاضة الثانية في الفترة من عام 2000 إلى عام 2005 في تحويل جيل من الإسرائيليين ضد فكرة التسوية، ربما تتلاشى حماس بعد الحرب في غزة، لكن يمكن لمجموعة أخرى أن تحل محلها".
وتابع: "لقد فقد الناس العاديون على كلا الجانبين الثقة في حل الدولتين. أظهر استطلاع للرأي أجراه المعهد الإسرائيلي للديمقراطية، وهو مؤسسة فكرية غير حزبية، في أيلول/ سبتمبر 2022، أن 32% فقط من اليهود الإسرائيليين سيؤيدون ذلك، مقارنة بـ 47% قبل خمس سنوات. ولا يزال العرب الإسرائيليون، الذين يشكلون خمس السكان، يؤيدون الفكرة، على الرغم من انخفاض دعمهم أيضا، من 87% في عام 2017 إلى 71% في عام 2022. ويفضل عدد كبير من اليهود الإسرائيليين الوضع الراهن".
وأضاف: "انخفض الدعم بشكل أكبر بين الفلسطينيين، ووجد استطلاع أجراه المركز الفلسطيني للبحوث السياسية والمسحية في حزيران/ يونيو 2023 أن 28% فقط ما زالوا يؤيدون حل الدولتين. وقد أيد نحو 53% منهم الفكرة قبل عشر سنوات، رغم أن 39% فقط اعتقدوا أنها ممكنة" فيما "يأمل المتفائلون أن تكون هذه النتائج ضعيفة: فمن غير المرجح أن يدعم الناس شيئا يعتقدون أنه مستحيل. ومن الممكن أن تؤدي عملية السلام الهادفة إلى ارتفاع أرقام استطلاعات الرأي مرة أخرى".
ويقول وزير فلسطيني سابق: "لا أعتقد أن شعبنا سوف يرفض فرصة إنهاء الاحتلال، لكن أحداث الأسابيع الأخيرة يمكن أن تزيد من تصلب الجانبين ضد فكرة التسوية". كما هو الحال دائما في إسرائيل، فإن بعض أقوى المؤيدين لإنهاء الاحتلال هم الرجال المكلفون بإدارته. في أعقاب هجوم حماس، لم يتحدث سوى عدد قليل من الإسرائيليين علنا عن حل الدولتين، أو أي حل آخر للصراع، لكن مسؤولي الدفاع يناقشون الأمر في غرف مغلقة؛ ويرجع ذلك جزئيا إلى أن الحالة النهائية المرغوبة للحرب ستشكل الحرب نفسها، ولأن حكومة نتنياهو غير قادرة على إجراء نقاش جدي حول استراتيجية إسرائيل طويلة المدى.
وتابع
المصدر: "ثم هناك السؤال حول من سيلعب دور الوسيط، ورغم أن روسيا والصين يطمحان إلى الاضطلاع بدور في عملية صنع السلام في الشرق الأوسط، إلا أن أيا منهما لا تتمتع بالقدر الكافي من النفوذ أو المصداقية التي تمكنها من الاضطلاع بهذا الدور، يمكن للاتحاد الأوروبي أن يضع نفسه كوسيط نزيه، لكن هذا الأمر لا يؤخذ على محمل الجد".
وأكد أن "هذا يترك أمريكا، أمضى بايدن السنوات الثلاث الأولى من رئاسته وهو يحاول تجاهل الصراع، وستكون لديه أشياء أخرى في ذهنه في عام 2024، ومن غير المرجح أن يشرع الإسرائيليون أو الفلسطينيون في عملية سلام مع رئيس قد يتم استبعاده قريبا، إذا فاز بايدن في عام 2024، فقد يحاول قيادة الجهود".
وختم المصدر بالقول إنه "سيكون دونالد ترامب قصة أخرى، وفي كانون الثاني/ يناير 2020، بعد سنوات من متابعة خطة السلام التي يُفترض أنها جدية والتي وضعها جاريد كوشنر، صهره، كشف النقاب عنها أخيرا. وكانت الخطة، التي كانت منحازة بشكل مثير للضحك لصالح إسرائيل، قد ولدت ميتة".