في ظل الأجواء الفوضوية والإجرامية والهمجية التي
يعيشها العالم، المنسلخ من كل قيم تعارف عليها البشر، يقوم الكيان الصهيوني بتنفيذ
إجرامه وبلطجيته في
غزة، بينما يقوم آخرون بتأييده ودعمه، ويلتزم كثيرون بالصمت
إزاء ما يجري من مجازر ومذابح تقشعر لها أبدان البشر.. ولكن يبدو أننا دخلنا
عالماً لم نكن نعرفه، ولم نكن نتخيله، على الرغم أن ما يجري اليوم في غزة هو
استنساخ لما جرى في مدن العراق وسوريا واليمن، وتكرار لمذبحة الموصل، والباغوز
ومدن الشام التي فُرّغت من سكانها الأصليين، فبات المهجرون منهم لا يملكون حتى حق
العيش في المخيمات؛ حين طاردتهم طائرات المحتل الروسي والأمريكي ومدافع العصابات
الطائفية المنفلتة التي شكلت في حقيقتها وواقعها للمحلتين طابوراً خامساً.
لقد بدأ هذا المسلسل بتفريغ المدن من أهل السنة منذ
مطلع التسعينيات حين دك الإجرام الروسي غروزني، فكانت المقدمة لهذا التفريغ دون أن
يشعر بذلك الكثيرون، وشكلت الحالة الغروزنية أنموذجاً للمحتلين من بعدهم، إن كان
بقساوة التطبيق والتنفيذ، أو بصمت العالم كله إزاء ما جرى.
في ظل استهداف متعمد للبنى التحتية في غزة، وتدميرها بشكل كامل، من مشافٍ ومدارس وبيوت وأسواق ومساجد، فهذا أدى إلى استحالة الحياة في هذه المناطق التي لم يعد فيها أي مقوم من مقومات الحياة البشرية، وهو ما سيُرغم أهلها ربما على تركها والتخلي عنها
وقد وثق كتّاب غربيون حالات التهجير والتفريغ التي
تعرضت لها مدن أهل السنة فقدروا عدد من تم تهجيره بأكثر من 26 مليون سني من مدنهم
في العراق وسوريا واليمن ومناطق القبائل الباكستانية خلال العقدين الماضيين، لتضاف
اليوم غزة إلى قائمة التهجير والتفريغ.
التآمر العالمي وبعض العربي مستمر في مسلسله بتهجير
أهل السنة في غزة، ساعة تحت لافتة تهجير مؤقت حتى ينتهي العدوان الصهيوني من
مهماته القتالية والعملياتية كما وصفها صهاينة يسكنون بيننا، بل ويحكموننا، وتارة
يسعون إلى تسويقها على أنها لمائة ألف غزيّ من الجرحى مع عائلاتهم، مقابل فتات
يُلقى لأكبر دولة عربية للأسف. وفي ظل استهداف متعمد للبنى التحتية في غزة،
وتدميرها بشكل كامل، من مشافٍ ومدارس وبيوت وأسواق ومساجد، فهذا أدى إلى استحالة
الحياة في هذه المناطق التي لم يعد فيها أي مقوم من مقومات الحياة البشرية، وهو ما
سيُرغم أهلها ربما على تركها والتخلي عنها.
لكن مقابل هذه الصورة السوداوية ثمة صورة أخرى تتراءى
لكل ذي عينين أن مخطط مدن سوريا والعراق والمدن السنية الأخرى ليس كما هو في غزة
اليوم، لضراوة المقاومة التي تبديها المقاومة
الفلسطينية، والتي تحظى بدعم الحاضنة
العربية والإسلامية وحتى حول العالم. فهناك اليوم غزة تحت الأرض، بموازاة غزة فوق
الأرض التي نراها، وستكون قادرة على الصمود لفترة ليست بالقليلة، مما سيُنهك قوات
الاحتلال.
وفي المقابل، ماذا بمقدور النخب ومنظمات المجتمع
المدني أن تفعل إزاء ما يجري في ظل خذلان العالم لأهل غزة وحتى لمبادئه التي صدّع
بها رؤوسنا؟
تجري ترتيبات من أجل ضم عدد من المنظمات الخيرية والأهلية العربية والإسلامية لهذا البرنامج الكبير، الذي من شأنه أن يُشكل بديلاً عن التخاذل العربي والإسلامي الرسمي لأهلنا في غزة، ويفتح بالمقابل أعين العالم كله على هذه المذبحة والتي تجري في الهواء الطلق وعلى مرأى ومسمع من العالم كله، وبحضور شاشات العالم كله
تعالت الدعوات أخيراً لتسيير سفن إنسانية إغاثية، من
أجل كسر
الحصار عن غزة الصمود، وجاءت الدعوة من منتديات وشخصيات بارزة، ترجمها
علنياً مدير منظمة "إي ها ها" الإغاثية التركية السيد بولند يلدريم،
والذي دعا في اجتماع شعبي حاشد الرئيس التركي إلى تسيير سفن حربية تركية لمرافقة
السفن الإنسانية إلى غزة. وتجري ترتيبات من أجل ضم عدد من المنظمات الخيرية
والأهلية العربية والإسلامية لهذا البرنامج الكبير، الذي من شأنه أن يُشكل بديلاً
عن التخاذل العربي والإسلامي الرسمي لأهلنا في غزة، ويفتح بالمقابل أعين العالم
كله على هذه المذبحة والتي تجري في الهواء الطلق وعلى مرأى ومسمع من العالم كله،
وبحضور شاشات العالم كله.
هذه الخطوة ينبغي أن تحظى بدعم كل حر وشريف، وينبغي أن
يتنادى لها كل أصحاب رؤوس الأموال في العالم العربي والإسلامي، دعماً ومساندة، فكل
واحد فينا معني بهذه الخطوة، وعاقبة الخذلان خطيرة، وماحقة، ومن ظن نفسه أنه بمنأى
اليوم عما جرى ويجري في غزة فهو واهم ومخطئ إلى حد كبير، فمن كان يظن أن المشروع
الغروزني في التسعينيات سيطاله في العراق وسوريا واليمن ولبنان وغيرها؟ بالتأكيد
لم يكن أحد يظن هذا الظن، ولكنه بات اليوم حقيقة، ومن ظن نفسه آمناً مطمئناً اليوم
وبمنأى عن هذه الأخطار، فإن غداً أو بعد غد لا سمح الله قد يتعرض لنفس الأخطار،
ولذلك من يقوم بدعم أهله في غزة والعراق وسوريا واليمن، إنما يدعم نفسه حقيقة
وواقعاً قبل أن يدعم أهله في غزة، وأولاً وأخيراً المسلمون كالجسد الواحد.