قالت صحيفة "
نيويوركر" إن "المفاوضين القطريين ظنوا أنهم توصلوا إلى اتفاق في أواخر تشرين الأول/ أكتوبر، حيث كانوا يتوسطون لأسابيع بين ممثلي حماس والحكومة الإسرائيلية، لتأمين إطلاق الأسرى الذين يقدر عددهم بمائتين وثلاثين رهينة، لدى المقاومة
الفلسطينية، منذ 7 تشرين الأول/ أكتوبر".
وأضافت الصحيفة، خلال مقال للصحفي، جويل سيمون، أنه: "بحلول تلك المرحلة، كانت حماس قد أطلقت أربعة أسرى، ويتعلق الأمر بأم إسرائيلية أمريكية وابنتها، وامرأتين إسرائيليتين؛ نتيجة لاتفاقيات توسطت فيها قطر ومصر. وقد لاحظ القطريون أنه على الرغم من عدم وجود مقايضة صريحة، فإن حماس يمكنها أن تتوقع أن إطلاق سراح الأسرى، من شأنه أن يسهل تسليم المساعدات الإنسانية إلى
غزة، وتوقف الغزو العسكري الإسرائيلي".
وتابعت: "في 25 تشرين الأول/ أكتوبر، وافقت حماس على صفقة لإطلاق سراح خمسين شخصا، لكن كان للمسؤولين الإسرائيليين مطلب آخر: أسماء الأشخاص الذين سيتم إطلاق سراحهم؛ مما جعل حماس تمتنع عن ذلك، نظرا لأن الأسرى محتجزون لدى فصائل مختلفة، فإنهم لا يملكون سجلا كاملا جاهزا للتسليم".
وأشار المصدر نفسه إلى أن تبرير حماس، تم تفسيره من طرف دولة الاحتلال الإسرائيلي، على أنه "تكتيك للمماطلة"، مضيفا أنه "بعد يومين، انهارت الصفقة؛ وفي غضون ساعات، شن الجيش الإسرائيلي غزوه البري، والذي صاحبه قصف جوي متواصل وانقطاع متقطع للاتصالات، مما تسبب في معاناة رهيبة للمدنيين الفلسطينيين".
وذكر
المقال نفسه، الأربعاء الماضي، أن عددا من التقارير، أفادت أن "حماس والمسؤولين الإسرائيليين يقتربون مرة أخرى من التوصل إلى اتفاق، الذي توسطت فيه قطر ومصر والولايات المتحدة، بإطلاق سراح خمسين أسيرا، مقابل إطلاق سراح نفس العدد من الفلسطينيين المحتجزين في السجون الإسرائيلية، ووقف إطلاق النار لعدة أيام".
وتابع: "كانت قطر وسيطا مفيدا بشكل خاص مع حماس، بسبب دعمها الطويل الأمد لغزة، حيث قدمت لها ما تشير بعض التقديرات إلى مساعدات بقيمة أكثر من مليار دولار أمريكي منذ عام 2014. وقد تم استخدام الأموال القطرية للمساعدة في دفع تكاليفها. الوقود والعاملين الحكوميين في غزة، بما في ذلك رواتب الأطباء والمعلمين. كما استضافت قطر أيضا مكتبا سياسيا خارجيا لحماس في الدوحة منذ عام 2012، وهو القرار الذي واجهت بسببه انتقادات من إسرائيل ومن بعض المشرعين الأمريكيين".
وأردف: "لكنها تدافع عنه، بالقول إن اتخاذه تم بناء على طلب المسؤولين الأمريكيين، الذين كانوا يأملون في إنشاء مكتب سياسي خارجي لحماس في الدوحة، لفتح قناة اتصال. واليوم، أصبحت هذه القناة متكاملة، فبالإضافة إلى الإسرائيليين، يضم أسرى حماس مواطنين أمريكيين وتايلانديين وفرنسيين وبريطانيين. وسافر مسؤولون من تلك الدول إلى الدوحة في الأيام الأخيرة، على أمل إطلاق سراح مواطنيهم".
واسترسل: "في العقود التي تلت أحداث 11 أيلول/ سبتمبر، أصبح احتجاز الأسرى عنصرا بارزا بشكل متزايد في الحرب الحديثة. وفي الوقت نفسه، قامت الحكومات، بما في ذلك حكومات إيران وروسيا والصين وفنزويلا، باحتجاز مواطنين أجانب بتهم جنائية ملفقة كوسيلة لكسب النفوذ السياسي".
وتابع المصدر نفسه: "المسؤولون القطريون يقارنون دورهم بالدور الذي يلعبه الدبلوماسيون السويسريون. لعقود من الزمن، حيث شارك السويسريون في المفاوضات الدولية بشأن الأسرى، ولكن في المشهد الجيوسياسي الحالي، أصبح القطريون في وضع أكثر فائدة"، مشيرا إلى أنه "في الشرق الأوسط، قدمت قطر نفسها على أنها محايدة، حيث تستضيف قاعدة عسكرية أمريكية كبرى، بينما تحافظ أيضا على خطوط اتصال مفتوحة، وفي بعض الحالات، علاقات مباشرة مع الجماعات التي كانت القوات تقاتل ضدها".
تجدر الإشارة، إلى أن قطر تعتبر أيضا موردا رئيسيا للطاقة للولايات المتحدة، ولكنها تحافظ على علاقات وثيقة مع إيران، التي تشترك معها في حقل رئيسي للغاز الطبيعي. وقد سمح لها ذلك بالتدخل بنجاح في الحالات التي تم فيها احتجاز أسرى في إيران وأفغانستان. لكن في الآونة الأخيرة بدأت قطر أيضا العمل خارج نطاق نفوذها المعتاد.
وتابع التقرير: أنه "في عام 2021، لعبت دورا مهما في تأمين العودة الآمنة للصحفي الأمريكي، داني فينستر، من ميانمار. وفي تشرين الأول/ أكتوبر، ساعد المسؤولون القطريون في التفاوض على عودة العديد من الأطفال الأوكرانيين الذين اختطفتهم روسيا" مؤكدا أن "دور قطر لم يخل من الجدل".
وذكر المصدر بكتاب صدر عام 2019 بعنوان "أوراق قطر"، الصادر من الصحفي مالبرونو وتشيسنو، الذي كان ممتنا لقطر لأي دور لعبته في تأمين حريته، إلا أنه أمضى سنوات في التحقيق في "دور البلاد في تمويل الإسلام السياسي في جميع أنحاء العالم" زاعما أن الأمر تم "استنادا إلى وثائق سرية".
وقال مالبرونو، إن "قطر كانت تساعد بشكل غير مباشر في تمويل الجماعات الإسلامية، بما في ذلك تلك المتورطة في احتجاز الأسرى، بينما كسبت امتنان الحكومات الأوروبية لنجاحها بالإفراج عن أسراهم".
مردفا خلال مقابلة تلفزيونية سابقة، أنها "جزء من دبلوماسيتهم المتمثلة في أن يكونوا أصدقاء مع أي شخص".
وأضاف، أنه "رغم أن المسؤولين في البلاد يقولون إنهم يسترشدون بالمبادئ الإنسانية والرغبة في الحد من الصراع وتعزيز الاستقرار، فمن الواضح أنهم استخدموا نفوذهم لاكتساب النفوذ والظهور، وهو الموقف الذي يعتقدون أنه يعزز أمنهم في منطقة مضطربة؛ هذه هي اللعبة المزدوجة، المنطقة الرمادية" بحسب تعبيره.
وأردف
تقرير الصحيفة، أن "ممارسات قطر أثارت حفيظة الحكومات في الشرق الأوسط. وفي عام 2017، تم إطلاق سراح مجموعة من صائدي الصقور القطريين الذين أسرهم مجموعة من إيران في جنوب العراق، بعد مفاوضات شاقة أسفرت عن تحويل قطر مئات الملايين من الدولارات إلى العراق. وبعد فترة وجيزة من الصفقة، أطلق تحالف من الدول العربية، بقيادة السعودية، حصارا إقليميا ضد قطر بسبب قائمة طويلة من المظالم، من بينها الادعاء بأن البلاد تمول الجماعات الإسلامية في سوريا والعراق".
وتابع: "أصبح السؤال حول مدى استمرار قطر في ممارسة "اللعبة المزدوجة" أكثر إلحاحا مع تطور نهج الولايات المتحدة في مفاوضات الأسرى. وخلال القرن الحالي، التزمت الولايات المتحدة بسياسة صارمة ضد تقديم تنازلات للجماعات المصنفة إرهابية"، مضيفا أن "العديد من مسؤوليها فسروا ذلك على أنه حظر للمفاوضات".
واسترسل المصدر نفسه، بالقول إنه "من المعروف أن الدول الأوروبية، بما في ذلك إسبانيا وإيطاليا، تدفع فدية، وكانت واشنطن تشعر بالقلق إزاء هذه الممارسة، التي زعمت أنها تحفز على الاختطاف وتوفر مبالغ ضخمة من المال إلى الجماعات المتمردة والمتشددة. لكن موقف الأمريكيين تعرض للاختبار، بين عامي 2012 و2014، عندما أسر تنظيم الدولة مجموعة كبيرة من الغربيين في سوريا. وبعد أن دفعت الحكومات الأوروبية الفدية، تم إطلاق سراحهم. قُتل الأمريكيون والبريطانيون، الذين رفضت حكوماتهم الدفع".
وتابع: "في عام 2014، بدأت إدارة أوباما مراجعة المبادئ التوجيهية الخاصة بالأسرى. وظلت سياساتها المتعلقة بالتنازلات أو الفديات دون تغيير، لكن المراجعة، التي اكتملت في العام التالي، أوضحت أن المفاوضات ليست محظورة، وأصبحت قطر بعد ذلك لاعبا أساسيا في مثل هذه المفاوضات. ومنذ ذلك الحين، أصبح المشاركون في جهود الاستجابة للأسرى، سواء داخل الحكومة أو خارجها، يصفون دور البلاد بأنه لا غنى عنه".
وفي هذا السياق، قال كريستوفر أوليري، الذي شغل منصب مدير عملية استعادة الأسرى في الحكومة الأمريكية من آذار/ مارس 2021 حتى أيلول/ سبتمبر 2023، إن "القطريين وسطاء استثنائيون، ولديهم دوافع كبيرة ومستعدون للغاية للمساعدة في حل النزاعات".
أوليري، الذي يعمل الآن في مجموعة سوفان، وهي شركة استشارات أمنية تشارك في العديد من جهود استعادة الأسرى، قضى معظم حياته المهنية في مكتب التحقيقات الفيدرالي. ويتذكر الفترة التي أعقبت أحداث 11 أيلول/ سبتمبر وفي حرب العراق عندما كان المسؤولون الحكوميون قلقين بشأن الدعم القطري المحتمل لتنظيم القاعدة في العراق؛ ولم تكن التحقيقات التي أجرتها الولايات المتحدة حاسمة، ولم يتم فرض عقوبات على قطر.
وأوضح أوليري: "لا أعرف متى تغير الوضع، لكنه وصل إلى درجة مائة وثمانين درجة"، وذلك خلال السنتين والنصف التي قضاها أوليري في قيادة عمليات استعادة الأسرى لصالح الحكومة، عمل بشكل وثيق مع المسؤولين القطريين في التفاوض على عودة الأمريكيين من إيران وأفغانستان ومالي.
إلى ذلك، أكدت
الصحيفة أن "إسرائيل تزعم أن شدة هجماتها تفرض ضغوطا على حماس لحملها على إطلاق سراح الأسرى، في حين يقول القطريون إنهم بحاجة إلى وقف إطلاق النار من أجل إبرام اتفاق".
فيما قال مسؤول قطري، لم تذكر الصحيفة هويته: "من المحبط والمخيب للآمال حقا أن نرى أنفسنا نتراجع عن التقدم الذي حققناه، لهذا السبب كنا على اتصال وثيق أيضا مع الإسرائيليين، من أجل التوصل إلى وقف التصعيد، والتوقف المؤقت الذي سيساعدنا ويمنحنا بعض المساحة لإطلاق سراح الأسرى".
وقال الأستاذ المساعد في العلوم السياسية بجامعة نورث وسترن والخبير البارز في سياسة الأسرى، داني جيلبرت، إنه "بالإضافة إلى الاتصالات والسمعة لتأمين هذه الصفقات، فأنت بحاجة إلى العملية ومجموعة المهارات وتقسيم العمل". مضيفا أن "كونك مفاوضا ناجحا بشأن الأسرى، موقع مؤثر؛ إن احتياجك وتقديرك من قبل الدول الأكثر قوة يمنحك مكانة اللاعب القوي الحقيقي، في قضية جيوسياسية تحظى بالكثير من الاهتمام".