كشفت الحكومة
المصرية عن نجاحها في تحقيق إيرادات بلغت 5.6 مليار دولار من بيع 14 شركة مملوكة للدولة ضمن برنامج الطروحات منذ بدء البرنامج العام الماضي؛ من أجل تلبية احتياجات البلاد المتزايدة من العملة الصعبة.
وأوضح رئيس الوزراء المصري، مصطفى مدبولى، الأربعاء، أن مؤسسة التمويل الدولية التابعة للبنك الدولي شاركت في دراسة 50 شركة سيتم تأهيلها للطروحات، خلال عام كامل.
وكشف مدبولي أربعة قطاعات ستشهدها الطروحات، منها قطاع المطارات الذى يُعد قطاعًا مستحدثًا فى الطروحات، وقطاع الاتصالات وإعادة هيكلته،، وقطاعى البنوك والتأمين.
مع تباطؤ عمليات البيع تعاقدت الحكومة المصرية مع مؤسسة التمويل الدولية (IFC) ، والتي لها باع طويل في تنفيذ الطروحات وتعزيز الشراكة بين القطاعين الحكومي والخاص؛ وذلك من أجل مساعدة الحكومة في إتمام إجراءات الطرح لعدد كبير من الشركات.
تتضمن الخطة التنفيذية للمرحلة القادمة، والتي من المُقرر أن تستمر حتى كانون الأول/ ديسمبر 2024، منح الأولوية في عملية الطروحات إلى أربعة قطاعات منها قطاعان لم يتم العمل عليهما بشكل كبير وهما: المطارات والاتصالات، والقطاعان الآخران هما البنوك والتأمين.
خرجت شركة مصر للطيران من التصنيف العالمي من قائمة أفضل 100 شركة عالميًا، قبل أيام، ما أثار جدلا واسعا بشأن الأسباب الحقيقية التي أدت إلى تدهور حال الشركة التي تعد واحدة من أعرق الشركات العربية وثاني أقدم شركة طيران في أفريقيا.
فجوة تمويلية كبيرة
يقدّر معهد التمويل الدولي حجم الفجوة التمويلية التي ستواجه مصر في العام المالي 2023-2024 بنحو 7 مليارات دولار.
وفي وقت سابق، قًدر وزير المالية المصري الفجوة التمويلية للعام المالي الحالي ما بين 6 إلى 8 مليارات دولار، مشيرا إلى أنه سيتم سدها بإصدار سندات دولية وتمويلات من بنوك بضمانات.
وفقا لبيانات تقرير الوضع الخارجي الصادر عن البنك المركزي المصري، قفز حجم الدين الخارجي في الفترة من حزيران/ يونيو 2023 وحتى حزيران/ يونيو 2024، إلى 49.4 مليار دولار، أي ما يعادل أكثر من 140% من احتياطي النقد الأجنبي.
وارتفع مستوى الديون الخارجية لمصر إلى مستوى قياسي عند 165.4 مليار دولار بنهاية آذار/ مارس الماضي، ويعادل هذا الرقم نحو 40.3% من الناتج المحلي الإجمالي للبلاد.
وبلغ حجم احتياطي النقد الأجنبي في مصر في تشرين الأول/ أكتوبر 35.10 مليار دولار، وفقا لآخر بيان للمركزي المصري، لكن غالبية الاحتياطي لدى البنك هي ودائع لدول خليجية ويُقدر حجمها بنحو 28 مليار دولار.
فقر على المدى البعيد
اعتبر الباحث
الاقتصادي المصري، إلهامي الميرغني، أن "تصريحات الحكومة بشأن نجاحها في بيع أصول الدولة هي قراءة خاطئة لطريقة معالجة الأزمة المالية التي تمر بها البلاد، والرقم البالغ 5.6 مليار دولار لا يغطي إلا جزء يسير من حجم الفجوة التمويلية أو الديون إذ أن مصر مدينة بنحو 380 مليار دولار ديون محلية وخارجية".
وأوضح في حديثه لـ"عربي21": "مصر مطالبة بسداد 1.3 تريليون جنيه أقساط ونحو 1.1 تريليون جنيه فوائد (الدولار يعادل 30.9 جنيها رسميا)، وبالتالي حصيلة بيع الأصول كم تمثل من صافي ديون مصر أو احتياجاتها لسداد الأقساط الفوائد، ولو قمنا ببيع كل شيء يمكن بيعه كيف سوف نسدد باقي الديون، وإذا كانت مستمرة في الاقتراض فإننا نواجه كارثة على المدى البعيد تتحملها الأجيال المقبلة".
و بشأن مصير حصيلة بيع الشركات الحكومية، أكد الميرغني أنها "سوف تذهب لسداد فوائد وأقساط الديون ولن تستطيع مصر تعويضها مرة أخرى، وستفقد كل العوائد السنوية التي كانت تدرها على موازنة الدولة، وما تفعله الحكومة المصرية هو توليد الديون من ديون جديدة، وتسعى إلى زيادة حجم القرض من صندوق النقد الدولي ".
ورأى الباحث الاقتصادي أن "إعلان الحكومة عن دخول قطاعات جديدة مثل الاتصالات والتأمين والمطارات خريطة هو كارثة جديدة تهدد مستقبل الاقتصاد المصري، لكن الحكومة تتجاهل البدائل الأخرى التي تشمل تنمية الاقتصاد الحقيقي من خلال تنمية قطاعات الصناعة والزراعة وتوفير القيمة المضافة وتوفير فرص عمل وزيادة الصادرات وتحسين الهيكل الضريبي ووقف نزيف الفساد".
"مصر تتجرع الدواء المر"
يعتقد الخبير الاقتصادي ورئيس منتدى التنمية والقيمة المضافة، أحمد خزيم، أن "حل الأزمة الاقتصادية المصرية أكبر من مجرد بيع الأصول لأن البيع هو حلول مؤقتة ومسكنات لمرض مزمن، والتحول نحو البيع هو الحل الأسرع ولكنه يجعلنا في دائرة جهنمية من الاقتراض والجباية".
مضيفا لـ"عربي21": أن "مسيرة الحكومة مع صندوق النقد غير مبشرة، ولم تحقق منذ انطلاقها سوى نتائج سلبية، كان من المفترض أن تقوم الحكومة خلال السنوات التي تلت التعويم في نهاية 2016 أن تعيد هيكلة الاقتصاد وتتفادى الأخطاء وتعمل على تنمية موارد الدولة لا زيادة مصادر الاستدانة".
ووصف خزيم خيار البيع بأنه "مثل الدواء المر الذي تشربه الحكومة مرغمة؛ لأنها تواجه أزمة حقيقية وكبيرة في تدبير موارد دولارية من أجل سداد التزاماتها سواء ناحية الدائنين أو احتياجات البلاد من السلع الضرورية مثل القمح والوقود وهي متطلبات عاجلة لا يمكن التغاضي عنها لضمان الاستقرار المجتمعي والاقتصادي".
وأقرت مصر رسميا في 29 كانون الأول/ ديسمبر الماضي، وثيقة سياسة ملكية الدولة، المعروفة إعلاميا بـ”وثيقة بيع أصول الدولة”، وتضع الوثيقة خارطة طريق للحد من دور الدولة (بما فيها القوات المسلحة) في الاقتصاد لصالح القطاع الخاص.
بموجب الوثيقة، تخطط الحكومة المصرية للخروج الكامل من 62 قطاعا، وتثبيت أو تخفيض الاستثمارات في 56 قطاعا، وتثبيت أو زيادة الاستثمارات في 76 قطاعا أخرى في غضون سنوات قليلة.