شهد العام 2023 أحداثا سياسية وحراكا محموما في العالم ككل والمشرق العربي بالخصوص، تراوح بين مناورات سياسية وتهدئة محاور صراع ملتهبة، وصولا إلى توتر عسكري ساد المنطقة مع نهاية العام.
وتعرف المنطقة العربية بتوتر ساد الحالة العامة طوال العقود المنصرمة، منذ نشأة الاحتلال الإسرائيلي وحروب العرب معه وصولا إلى حربي الخليج الأولى والثانية، ثم اندلاع الانتفاضة الثانية، التي أعقبها احتلال
العراق، وليس انتهاء بثورات الربيع العربي، وما أفرزته من تقاطعات واستقطاب سياسي ظل مثالا حتى اليوم.
زلزال الطوفان
أحدثت عملية طوفان الأقصى زلزالا لا على الصعيد
الفلسطيني والعربي فقط، بل امتد تأثيرها عالميا، حتى عدها مراقبون نقطة فاصلة على غرار ما جرى باحتلال العراق أو الربيع العربي، كأحداث غيرت وجه المنطقة.
وما تزال آثار العملية حاضرة بالتزامن مع تواصل العدوان على غزة، وسط مخاوف من توسع الحرب على نطاق إقليمي، حيث حشدت الولايات المتحدة بارجاتها شرق المتوسط كما أمدت الاحتلال بآلاف الأطنان من الأسلحة والذخائر.
ووضعت العملية المنطقة على مفترق طرق، كما نجحت بإذابة المربعات الرمادية التي أجادت بعض الدول الوقوف فيها تجاه مأساة الفلسطينيين فقسمت العالم بين معسكرين، إما بصف الاحتلال أو مع أصحاب الأرض.
التقارب السعودي الإيراني
بعد سنوات من القطيعة الدبلوماسية والعلاقات المتوترة، جاء التقارب بين طهران والرياض كحدث بارز في المنطقة التي تعاني من الصراعات مختلفة الأسباب، وفي عدة مناطق.
وفي آذار/مارس الماضي، توسطت الصين باتفاق مصالحة بين
السعودية وإيران، من خلال مبادرة للرئيس الصيني شي جين بينغ، حيث أدار المباحثات رئيس مكتب الشؤون الخارجية في الحزب الشيوعي الصيني ووزير الخارجية السابق وانغ يي.
ومطلع تموز/ يوليو الماضي باشرت السفارة السعودية أعمالها في العاصمة الإيرانية طهران بعد شهرين من افتتاح السفارة الإيرانية في الرياض.
وفي آب/ أغسطس الماضي زار وزير الخارجية الإيراني، حسين أمير عبد اللهيان، العاصمة السعودية الرياض، في أول زيارة له إلى السعودية منذ استئناف العلاقات.
وأعلن وزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان، استئناف بعثات المملكة وإيران لأعمالهما ومباشرة سفيري البلدين مهامهما، معتبرا إياهما "خطوة مهمة".
وقطعت السعودية علاقاتها مع إيران في كانون الثاني/يناير عام 2016 بعد اقتحام محتجين إيرانيين لسفارتها في طهران على خلفية إعدام الرياض لرجل الدين الشيعي نمر النمر بتهمة "الإرهاب".
تهدئة اليمن
حمل العام 2023 فاصلا من حرب طويلة في اليمن منذ عام 2014، بعد التوصل لهدنة توسطت فيها الأمم المتحدة بين طرفي الصراع الحوثيين من جهة والقوات الموالية للحكومة المعترف بها دوليا من جهة أخرى.
وفي نيسان/أبريل الماضي، تم الاتفاق على الهدنة الأولية التي استمرت لشهرين ثم مددت حتى تشرين الأول/أكتوبر الماضي.
واستضافت السعودية وفدا من جماعة الحوثي، في أيلول/سبتمبر الماضي، بعد تسع سنوات من اندلاع الحرب في البلد الفقير، في أول زيارة علنية للحوثيين إلى المملكة منذ تدخّلها بقيادة تحالف عسكري ضد الحوثيين المدعومين من إيران.
ورحبت الرياض بما وصفتها النتائج الإيجابية للمحادثات التي استهدفت الوصول إلى خارطة طريق تدعم عملية السلام في اليمن، وذلك حسب بيان صدر الأربعاء عن وزارة الخارجية السعودية.
ومع نهاية العام تصدر اليمن المشهد مجددا بعد قطع الحوثيين لطريق البحر الأحمر أمام السفن المتجهة للاحتلال كدعم للمقاومة الفلسطينية في غزة.
التطبيع مع الاحتلال
أقدمت السعودية هذا العام على الحديث لأول مرة وبشكل علني عن تطبيع علاقتها مع الاحتلال الإسرائيلي، الأمر الذي كان بمثابة جريمة في المملكة سابقا.
وتسعى إدارة بايدن لإتمام التطبيع بين الرياض والاحتلال على عجل، كما تحاول السعودية ضمان عدة مكاسب أولها بناء مفاعل نووي تشرف عليه الولايات المتحدة وتوقيع اتفاقية دفاع مشترك معها.
وفي أيلول/سبتمبر أجرت قناة "فوكس نيوز" مقابلة شاملة مع ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، تناولت فيها قضايا عدة، أبرزها العلاقة مع الاحتلال الإسرائيلي والقضية الفلسطينية، والعلاقة مع إيران والولايات المتحدة، والعديد من القضايا الداخلية والخارجية للمملكة.
وخلال المقابلة، أقر ولي العهد السعودي بمساعي التطبيع مع دولة الاحتلال، مشددا على ضرورة التوصل إلى حل شامل للقضية الفلسطينية.
وقال ابن سلمان: "كل يوم نقترب من التطبيع مع إسرائيل، لكن القضية الفلسطينية تظل مهمة للمفاوضات".
سوريا.. تعويم الأسد
في أعقاب 12 عامًا من غياب سوريا عن الجامعة العربية، تبنت الأخيرة، في أيار/مايو الماضي، قرارًا بعودة دمشق إلى المنظومة العربية، وسبق ذلك زيارة لوفد برلماني عربي إلى سوريا، مهد لخطوة العودة.
وشارك رئيس النظام السوري بشار الأسد بالقمة العربية التي انعقدت في جدة، بعد أن أعيد فتح السفارات في دمشق والرياض في آذار/مارس الماضي.
داخليا، في آب/ أغسطس الماضي، اندلعت احتجاجات شعبية على ارتفاع معدل التضخم وتدهور الوضع الاقتصادي في سوريا في مدينة السويداء ذات الأغلبية الدرزية، بمشاركة مئات المحتجين.
واتسعت المظاهرات، لعدة مناطق في البلاد، كما تطورت الشعارات إلى المطالبة العلنية برحيل الأسد.
وشهدت البلاد تصعيدا عسكريا، أضخمه كان هجوم الخامس من أكتوبر، حيث قُتِل 89 شخصاً على الأقل وأصيب 227 آخرون بجروح في هجومٍ استهدف الكلية الحربية في مدينة حمص وسط سوريا.
العراق.. عواصف سياسية
لم تختلف هذه السنة عن سابقاتها في العراق الذي يعاني من مشاكل مركبة، تدور رحاها داخليا وخارجيا أيضا، بحكم محيط البلد المتوتر بمختلف الولاءات.
وكان اللافت في هذا العام محاولة حكومة السوداني استثمار التقارب السعودي الإيراني، لطي صفحة التوتر بين بغداد والعرب عموما، والخليج خصوصا، ولعل ذلك كان بارزا باستضافة البصرة بطولة "خليجي25" الكروية.
لكن لم يكن العراق خاليا من المصائب هذا العام، فقد شهد خلال شهر أيلول/سبتمبر الماضي حريقا اندلع في قاعة أعراس بمحافظة نينوى شمالي البلاد أودى بحياة العشرات.
واستكمالا لأزمات المشهد السياسي، أقيل الشهر الماضي رئيس البرلمان العراقي محمد الحلبوسي بقرار من المحكمة الاتحادية العليا، على خلفية اتهامات بالتزوير.
كما وجرت انتخابات محلية في العراق، قاطعها التيار الصدري وشرائح واسعة من العراقيين، وانتهت بفوز الأحزاب القريبة من إيران في عدة محافظات وسط وجنوب العراق.
كما شهدت البلاد بالتزامن مع العدوان على غزة، عمليات قصف شنتها فصائل تسمى "المقاومة الإسلامية في العراق"، ضد القواعد الأمريكية المنتشرة في البلاد وفي الجارة سوريا.
تركيا.. عودة بعد قطيعة
فتحت جولة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الخليجية صفحة جديدة في علاقة أنقرة مع دول الخليج العربي، التي شهدت انعطافات كبيرة خلال السنوات الأخيرة.
وزار الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، في تموز/يوليو الماضي، كلا من المملكة العربية السعودية وقطر والإمارات، حيث طغى الطابع الاقتصادي على الزيارة التي استمرت 4 أيام برفقة وزراء ومستشارين وأكثر من 200 رجل أعمال تركي.
ووقعت تركيا خلال الزيارة عدة اتفاقيات ومذكرات التفاهم وفي مختلف المجالات كان على رأسها الدفاع والأمن والطاقة فضلا عن السياحة والصناعة والتكنولوجيا.