تقارير

حي "الشجاعية" في غزة.. رمز المقاومة أخذ اسمه في عهد الأيوبيين

يتميز حي الشجاعية باحتضانه للفصائل الفلسطينية كافة وكونه معقلا لانطلاقتها
يعد من أقدم أحياء مدينة غزة ويعود تاريخه إلى فترة الدولة الأيوبية في عهد السلطان الأيوبي الصالح أيوب في ظل المعركة التي دارت بين الأيوبيين والصليبيين عام 1239، التي انتصر فيها المسلمون.

ويتميز حي الشجاعية باحتضانه للفصائل الفلسطينية كافة، وكونه معقلا لانطلاقتها، إذ شهد البدايات الأولى لمنظمة التحرير الفلسطينية، ومعظم الحركات، وينتمي أبرز قادة الفصائل الفلسطينية الحالية إليه.

وتعود تسمية حي الشجاعية بهذا الاسم إلى الفترة الأيوبية في غزة، وتمت تسميته نسبة إلى شجاع الدين عثمان الكردي، وهو القائد الأيوبي في غزة الذي استشهد في القتال ضد الصليبيين بعد معركة حطين.

وتوجد في الحي العديد من المساجد التي تم بناؤها بشكل رائع  مثل مسجد عثمان بن عفان الذي بني في القرن الـ14 الميلادي.


                                                       جامع ابن عثمان فلسطين

وينمو حي الشجاعية بشكل متقدم عن الأحياء الأخرى، مثل الدرج والتفاح والزيتون، ما جعله في نهاية المطاف أكبر أحياء مدينة غزة، وتم تقسيم الحي قديما إلى قسمين شمالي وجنوبي على أساس عرقي.

ويسمى الجزء الجنوبي من الشجاعية "حي التركمان" بسبب تركيز العشائر التركمانية الذين استقروا هناك في عهد السلطان الصالح. ويسمى الجزء الشمالي الجديدة أو "حي الأكراد" وتم استقرار الأكراد في هذا الجزء وخاصة من منطقة الموصل.

وتبلغ مساحته الإجمالية حوالي 14,305 دونمات، ويضم حي الشجاعية أربع مناطق سكنية، هي:

ـ التركمان ومساحته 2895 دونما، وبلغ عدد سكانها عام 2015، نحو 54 ألف نسمة.
ـ التركمان الشرقية 3700 دونم، وتمتاز بأنها أراض زراعية، ولا يوجد فيها الكثير من المباني.
ـ الجديدة ومساحته 2760 دونما، ويبلغ عدد سكانها عام 2015، نحو 57 ألف نسمة.
ـ الجديدة الشرقية ومساحته 4950 دونم.

ويوجد في حي الشجاعية أكبر سوق في غزة متخصص في الغالب في الملابس والسلع المنزلية، وهو "ساحة الشجاعية" ويقع عند مدخل الحي من المدينة القديمة.

ومن أهم أسواقه أيضا سوق الجمعة الذي يقام فقط يوم الجمعة  وغالبا ما يرتاده تجار الأغنام والأبقار (الحلال) وهو سوق مشهور بغزة لمربي الأغنام.

ومن أهم معالم هذا الحي الكبير جامع أحمد بن عثمان، كما ذكر سابقا، أو ما يسميه أهل المدينة بالجامع الكبير محتلا قلب الحي السكني والتجاري، وبهذا الجامع قبر سيف الدين يلخجا من مماليك السلطان الظاهر برقوق وأصبح نائبا لمدينة غـزة وتوفي ودفن بالجامع.

وللجامع الكبير عدة حجارة تأسيسية تكشف عن ما حدث له من هدم وترميم ابتداء من القرن التاسع الهجري وحتى منتصفه، وهو غني بنقوشه وحجارته المزخرفة خاصة تلك التي تزين مئذنته.

ومن آثار هذا الحي الجميلة جامع المحكمة وقد كان به مدرسة لها أهميتها كما جاء على نقش أعلى عتب بابه الشمالي المغلق.

ومن مساجده: مسجد الهواشي، مسجد السيدة رقية، مسجد علي بن مروان، مسجد الإصلاح، مسجد طارق بن زياد، جامع القزمري، مسجد الدارقطني، مسجد ذو النورين, مسجد السيد علي وكان في هذا الجامع حمام الشجاعية وقد اندثر. وتقع إلى الشرق من هذا الحي مقبرة التونسي، أو مقبرة التفليسي، كما أنه يوجد في أحد مقابر الحي قبر يقال إنه لشمشون الجبار الشهير.

وتعود أهمية حي الشجاعية الاستراتيجية إلى احتوائه على تلة "المنطار"، وهي تلة ترتفع بنحو 85 مترا فوق مستوى سطح البحر، وتعتبر أهم موقع عسكري في القطاع، إلى درجة أنها تسمى المفتاح الشرقي لمدينة غزة.

وكان لحي الشجاعية دور كبير أثناء معارك عام 1967، وشهد انطلاق شرارة الانتفاضة الفلسطينية الأولى عام 1987. وتحول الحي إلى ساحة مواجهات مسلحة بين المقاومة الفلسطينية وقوات الاحتلال، وأسفرت الاشتباكات آنذاك عن مقتل ضابط إسرائيلي واستشهاد أربعة من أعضاء المقاومة.


                                                     إحدى طرقات حي الشجاعية

وكان حي الشجاعية عرضة لسلسلة مجازر ارتكبها الاحتلال الإسرائيلي، وهدفا ثابتا للاجتياح الإسرائيلي البري على القطاع، حيث ارتكب الاحتلال مجزرة ضد الحي عام 2003، في إثر تسلل قوات إسرائيلية للحي بآليات مصفحة، وبغطاء من الطائرات الحربية.

وتصدى المقاومون لهذا التوغل وأوقعوا طليعة القوة المتسللة بين قتلى وجرحى، وتواصلت المعركة أكثر من 16 ساعة وسط مساندة من كتائب القسام من عدة محاور.

ونفذ الاحتلال مجزرة عام 2004، خلفت عشرات الشهداء والجرحى.

وكان الحي هدفا للغارات الجوية المتكررة ومنطقة اشتباكات مكثفة بين المقاومة وقوات الاحتلال خلال التوغل البري، في العدوان  على القطاع خلال عامي 2008 و2009، وأيضا أثناء العدوان على القطاع عام 2014.

كما أنه كان ساحة لمجزرة أخرى راح ضحيتها أكثر من 75 شهيدا، ومئات المصابين معظمهم من النساء والأطفال، إضافة إلى إبادة عائلات بأكملها، وتكررت هجمات مماثلة في عدوان 2021.

وتجددت الغارات العنيفة على الحي في عدوان 2023 التي تعد  الأعنف على القطاع، وقد وصفت بأنها حرب إبادة جماعية، إذ ارتكبت قوات الاحتلال الإسرائيلية العديد من المجازر المروعة.


                                         الدمار الذي أحدثه الاحتلال في حي الشجاعية

وبشكل عام يشكل حي الشجاعية كابوسا بالنسبة لقوات الاحتلال الإسرائيلي، ولا يتوانى المحللون العسكريون عبر الشاشات الإسرائيلية عن وصفه بأوصاف تدل على أنه مصدر رعب لهم، فتارة يصفونه بـ"اللعنة" وتارة بـ"الكابوس".

ويعود ذلك إلى شراسة المقاومة وتصديها لتوغل الاحتلال في الحي، وإيقاع القتلى والجرحى في صفوف الاحتلال مع كل محاولة جديدة للتوغل، إلى أن أصبح اليوم كابوسا للواء "غولاني" الإسرائيلي، بعد مقتل عدد من ضباطه وجنوده في كمين محكم داخل الحي.

وشن جيش الاحتلال أكبر هجوم على الحي ودمر معظم مباني الحي بعد أن تعرضت قوات الاحتلال الإسرائيلية، إلى خسائر فادحة خلال العمليات العسكرية البرية في منطقة حي الشجاعية في قطاع غزة، فقد أعلنت الفصائل الفلسطينية، عن قتل العديد من الجنود الإسرائيليين.

رغم الدمار سيبقى حي الشجاعية رمزا للمقاومة وأنه شهد تدمير نخبة جيش الاحتلال.

المصادر

ـ "حي الشجاعية الغزاوي..كيف جعلته المقاومة كابوسا لإسرائيل"؟، الميادين نت، 23/12/2023.
ـ قوات الاحتلال تعلن تدمير ومحو حي الشجاعية عن وجه الأرض، قناة رؤيا، 20/12/2023.
ـ إسرائيل تقيل قائد الكتيبة 51 فى لواء جولاني بعد خسائر حي الشجاعية بغزة، عبد الوهاب الجندى، 25/12/2023.
ـ "حي الشجاعية في غزة.. من أصل تسميته إلى عدد مناطقه السكنية"، سي أن أن العربية، 15/12/2023.
ـ "سمي نسبة إلى أحد قادة الدولة الأيوبية وشهد أكبر مجزرة إسرائيلية في حرب 2014.. تاريخ حي الشجاعية"، عربي بوست، 4/11/2023.
ـ "الشجاعية.. بوابة غزة الشرقية النابضة بالتاريخ والمقاومة"، المركز الفلسطيني للإعلام، 5/11/2017.