وسط ثبات وصمود المقاومة الفلسطينية، الذي أربك حسابات جيش الاحتلال الإسرائيلي وحلفائه، تدخل حرب الإبادة ضد قطاع
غزة المحاصر، يومها التسعين. ما دفع الاحتلال إلى تغيير استراتيجيات المعركة وإعادة النظر في الكثير من الخطط، تجنّبا للمزيد من التوغّل في وحل غزة العميق.
وعلى الرغم من وحشية القصف الأهوج، الذي استمر لثلاثة أشهر، لم يكن حاجزا لها إلا بضعة أيّام من الهدنة؛ فقد ظلّت المقاومة الفلسطينية فاعلة، سواء من الفصائل أم الشعب الغزي الذي أذهل العالم، متمسّكة بثَباتها وصمودها، وذلك بحسب جُملة من المحللين، في عدد من دول العالم. وإن سياسة الاحتلال بالاغتيال زادت قوة المقاومة وشراستها وعزيمتها حتى باتت "إسرائيل" تخاف على وجودها.
تطور نوعي
بعد 90 يوما من الحرب التي توصف بـ"غير المتكافئة" في ظل الفوارق الكبيرة في الإمكانيات، بالإضافة إلى الدعم غير المسبوق الذي تقدمه أعتى جيوش العالم لجيش الاحتلال الإسرائيلي، فإن المعركة لم تنته بعد، إذ إنّ المقاومة تُواصل تكبيد الاحتلال خسائر لم يتوقعها أي أحد.
في كل من شمال قطاع غزة المحاصر وفي الوسط، وفيخان يونس جنوبا، ومخيم المغازي، نفذت المُقاومة الفلسطينية سلسلة من العمليات القتالية، ضد قوات الاحتلال، شملت استهداف جنود ودبابات وجرافات.
وفي تطور نوعي بعمليات الاستهداف، وبعد ساعات قليلة، من تمكنها من إسقاط طائرة استطلاع من نوع "هيرمز 900" بصاروخ مضاد للطائرات شرق غزة، وأخرى في جنوب حي الزيتون؛ أعلنت كتائب عز الدين القسام، في تصريحات إعلامية مُتفرّقة، عن تمكنها مع "كتائب المجاهدين" من إطلاق صاروخ أرض-جو باتجاه مروحية إسرائيلية شرق خانيونس.
وتمكن مقاتلو "القسام" من استهداف قوة راجلة للاحتلال الإسرائيلي، مكونة من سبعة جنود شرق خزاعة، جنوب قطاع غزة، من خلال تفجير عبوتين مضادتين للأفراد، قد أوقعتهم بين قتيل وجريح.
كذلك، تمكنت المقاومة الفلسطينية، من استهداف ثلاث دبابات وثلاث جرافات للاحتلال الإسرائيلي، إحداها من نوع "دي 9" شرق حي التفاح، وفي منطقة الشيخ عجلين بمدينة غزة، وشرق مدينة خانيونس.
وفي عملية مشتركة لكتائب القسام وسرايا القدس، وهي الجناح العسكري لحركة الجهاد الإسلامي، تم استهداف تجمع لآليات الاحتلال الإسرائيلي بقذائف الهاون شرق كل من حي التفاح والدرج.
وتم قنص جنديين إسرائيليين في محور شمال مخيم البريج وسط القطاع، حيث قُتل أحدهما، فيما أصيب الآخر، وذلك وفق معلومات أدلت بها "سرايا القدس"، التي خاضت اشتباكات بالأسلحة الرشاشة مع جنود وآليات الاحتلال في محاور شمال القطاع المحاصر.
أرقام الاحتلال.. مشكوك في أمرها
في تعليقه على
عمليات المقاومة الفلسطينية التي توصف بـ"النوعية"، خلال الساعات الـ24 الماضية، أعلن جيش الاحتلال الإسرائيلي، عن مقتل ضابط من سلاح الهندسة وإصابة 25 جنديا خلال المعارك الدائرة في قطاع غزة؛ غير أنه في ظل توثيق المقاومة لعملياتها، فقد بدا أن الأرقام التي أعلن عنها الاحتلال، مشكوك في أمرها.
وبعد 90 يوما من عملية "طوفان الأقصى"، تمكّنت المقاومة الفلسطينية من قتل 509 عسكريين إسرائيليين، بين ضابط وجندي، منهم 181 منذ بدء الهجوم البري على القطاع في 27 تشرين الماضي/ أكتوبر الماضي؛ وذلك وفقا للأرقام الرسمية الصادرة عن حكومة الاحتلال، وهو الرقم الذي يقول الخبراء إنه "أقل بكثير من الأرقام الحقيقية للقتلى في صفوف الجيش المحتل".
واستطاعت المقاومة الفلسطينية، تدمير قرابة الـ1000 دبابة ومدرعة لجيش الاحتلال، بعضها من الأنواع التي توصف بأنها "الأكثر تطورا في العالم" من قبيل: الميركافا.
من جهة ثانية، فقد ضرَبت هزّة قوية اقتصاد دولة الاحتلال الإسرائيلي، حيث عاشت على إيقاع خسائر مادّية متواصلة، فيما يتوقع أن تصل إلى نحو 60 مليار دولار، ناهيك عن معدلات البطالة التي ظلّت ترتفع، منذ بداية الحرب على القطاع.
بذلك، أثبتت المقاومة بعد ثلاثة أشهر من الحرب الشرسة، أنها لا تزال صامدة وقادرة على المواجهة، لتنسف بذلك كافة قواعد الاشتباك الميدانية التقليدية المتعارف عليها على مر السنوات الماضية، وتفرض قواعد جديدة للعبة في الميدان، لتغيير موازين القوى.
الاحتلال يتسوّل الانتصار
مع استمرار الاحتلال الإسرائيلي في حصده للفشل، وعدم قُدرته على تحقيق انتصار واضح المعالم على المقاومة الفلسطينية، في قطاع غزة المحاصر؛ فإنه انطلق في البحث عن منافذ خارجية، فعمل على اغتيال نائب رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، صالح العاروري، واثنين من قادة كتائب القسام وأربعة آخرين من كوادرها، إثر غارة جوية، استهدفت مقرًا لهم، في الضاحية الجنوبية، للعاصمة اللبنانية بيروت، وذلك مساء الثلاثاء 2 كانون الثاني/ يناير 2024.
وأشار عدد من المحللين، إلى أن عملية اغتيال نائب رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، ترمي إلى محاولة نتنياهو وحكومته تحقيق انتصار، يُخفي العجز على المستوى الداخلي في قطاع غزة، وهو ما يُحسب للمقاومة، التي أجبرت الاحتلال على البحث عن انتصار خارجي.
كذلك، تمثل عملية الاغتيال، اعترافا صريحا بفشل الاحتلال الإسرائيلي في إنجاز أي هدف له، في المعارك المباشرة مع المقاومة الفلسطينية، داخل القطاع.
تجدر الإشارة إلى أنه، استشهد خلال عدوان الاحتلال المتواصل على قطاع غزة أكثر من 22 ألف شهيد، جُلهم من النساء والأطفال، فيما تجاوز عدد الجرحى حاجز الـ57 ألف، ولا يزال الآلاف في عداد المفقودين.
في اليوم الـ89 للعدوان الإسرائيلي على غزة، قام طيران الاحتلال بتنفيذ أحزمة نارية وسط وجنوب القطاع، مخلفا المزيد من الشهداء والدمار، وقد ارتكبت قواته 10 مجازر جديدة خلّفت أكثر من 128 شهيدا.
ويواصل الاحتلال غاراته الجوية والبرية والبحرية على قطاع غزة، حيث إنه يستمر في استهداف المستشفيات والمراكز الطبية من أجل إخراجها عن الخدمة، ما تسبّب في وقوع مئات الشهداء، وعدد كبير من الإصابات.