الثورة السورية التي تقترب من الذكرى السنوية الثالثة
عشرة، والاحتلالات المتعددة للشام في حالة انسداد وجمود، إذ لم يتمكن أي لاعب من
اللاعبين الدوليين، أو الإقليميين من حسم المعركة لصالحه، وإنما لا يزال الكل يغوص
في رمالها، فالتدخل الإقليمي الإيراني لم يتمكن من حسم المعركة لصالح نظام
الأسد،
كما أن التدخل الروسي عجز عن حسمها، وهو الأمر الذي يؤدي إلى حالة استعصاء حقيقية
للجميع، وليس للثورة السورية التي تمكنت من الانحسار إلى الشمال الغربي السوري
وتشكيل معقل من معاقلها العسكرية والسياسية والخدماتية، والتي تفوقت فيه على
كانتونات
سوريا التابعة للنظام، أو لمليشيات قسد.
المتفحص لمشروع إدلب وما حولها يرى اندياحا وتوسعا في
المشروع؛ إن كان من حيث اللحاظ العسكري ودمجه للقوى العسكرية المتعددة ضمن غرفة
الفتح المبين، وقدرته على التصدي لاختراقات للنظام ومليشياته، بالإضافة إلى شن عمليات
عسكرية في عمق معاقل النظام. أما على صعيد الواقع المدني، فكل من يتابع النهضة
العمرانية والمدنية والخدماتية في إدلب وما حولها يرى الفرق والبون الشاسع بينها
وبين المناطق الخاضعة لنظام الأسد أو قسد.
التدخل الإقليمي الإيراني لم يتمكن من حسم المعركة لصالح نظام الأسد، كما أن التدخل الروسي عجز عن حسمها، وهو الأمر الذي يؤدي إلى حالة استعصاء حقيقية للجميع، وليس للثورة السورية التي تمكنت من الانحسار إلى الشمال الغربي السوري وتشكيل معقل من معاقلها العسكرية والسياسية والخدماتية، والتي تفوقت فيه على كانتونات سوريا التابعة للنظام، أو لمليشيات قسد
وما دمنا نتحدث عن قسد فإن كل جولات التفاوض بين الأسد
وقسد وعلى مدى سنوات لم تفلح في التقارب بينهما، حيث يعتقد البعض أن النظام ليس
مستعدا لأن يقدم أي تنازل مهما كان للداخل السوري أو للخارج، وهو الأمر الذي يشكك
فيه كل من اقترب منه وحاول التطبيع معه، والمراهنة عليه، وأتى فشله في كسب
السويداء الذي طالما روّج على أنه حامي حمى الأقليات، ليعزز ما نقوله، فقد مرت
أشهر طويلة على هذه الانتفاضة، مع تصعيد واضح بإسقاط النظام وانشقاق ضباط دروز وانضمامهم
للانتفاضة، ومع هذا لم تظهر منه أي ليونة أو تراجع عن مواقفه السابقة تجاه مطالب
الانتفاضة.
على صعيد الفيالق العسكرية التي أنشأها الاحتلال
الروسي نرى تراجعا أو ذوبانا لفيلق أحمد العودة، وانهيار مشروعه في الجنوب السوري،
في ظل إدراك الأردن خطأ استراتيجية المراهنة على الأسد؛ لا سيما باتفاق 2017 يوم
تم تسليم الجنوب السوري المحاذي للأردن إلى نظام الأسد ومليشيات إيران، على أن
تكون الأخيرة بعيدة بعمق 30 كم عن الحدود الأردنية وبضمانات روسية، ولكن كل هذا
فشل بعد أن أصرت إيران على نشر مليشياتها على الحدود، بل وأصرت معه على سياسة
تهريب المخدرات، لترتقي أخيرا إلى تهريب الأسلحة المتوسطة، وهو ما دفع الأردن إلى
مواجهات مسلحة لساعات مع المهربين، بالإضافة إلى استخدام السلاح الجوي في العمق
السوري، فاضطر الأردن لاحقا إلى تعليق مفاوضاته مع النظام السوري، وهو الذي كان
عرّاب اندماجه مع العرب من خلال المبادرة الأردنية "خطوة مقابل خطوة"،
والتي تبين له أن النظام لا يمكن التعويل عليه، أو المراهنة عليه، فأوقف كل تواصله
معه.
وعلى الرغم من الانفتاحة السعودية على النظام السوري
واستقبالها وزير الأوقاف الذي كان قد هاجمها بعنف، إلاّ أنه فشل في النهاية
باستعادة ملف الحج الذي كان حكرا على المعارضة السورية لسنوات، وهو ما ينزع عنه
شرعية مهمة كان يعول على استعادتها.
هذا النظام لا يمكن المراهنة عليه، ولا يمكن تغيير سلوكه بعد أن فشل الجميع في ذلك على مدى 13 عاما متتالية، دفع ثمنها الشعب السوري من دمائه ومعاناته، فضلا عن معاناة دول الجوار
وعلى الجبهة التركية فمن الواضح أن الملف في حالة
جمود، بل وإن التقارب بين النظام وتركيا يبدو أنه استنفد أغراضه على الرغم من بعض
التصريحات التي تتحدث عن لقاءات قريبة بين مسؤولي البلدين، لكن جاء عرض تأجير مبنى
السفارة السورية في أنقرة ليبدد كل هذه الأقوال والتوقعات.
النظام السوري ميّت سياسيا، وميّت إكلينيكيا، وفي
الوقت الذي تُسحب منه الأجهزة الخارجية فإنه سيلفظ ما تبقى لديه من أنفاس،
والنصر الحقيقي للمعارضة والمتمرد على هذا النظام هو بامتلاكها قطعة أرض مع اتساع
فكرتها، وهو ما يتحقق في الشمال المحرر، بينما ما يحصل لدى مناطق النظام هو تراجع
الفكرة، وهروب الشباب من المنطقة، وحتى هروبهم إلى الشمال المحرر وليس إلى خارج
سوريا فقط.
دوليا أثبت طوفان الأقصى، وما يحصل في غزة اليوم، أن
أي مشكلة يمكن تجميدها، ولكن لفترة محدودة ولوقت معين، لتنفجر بزخم أكبر من الزخم
الذي توقفت عنده، وبالتالي فإن ما حصل في 11 أيلول/ سبتمبر، و7 تشرين الأول/ أكتوبر
دليل واضح على ما نؤكد عليه، وعلى الجميع أن يستشعر اللحظة التي تعيشها سوريا
اليوم. فهذا النظام لا يمكن المراهنة عليه، ولا يمكن تغيير سلوكه بعد أن فشل
الجميع في ذلك على مدى 13 عاما متتالية، دفع ثمنها الشعب السوري من دمائه
ومعاناته، فضلا عن معاناة دول الجوار.