يستمر أهالي المناطق الشمالية في قطاع
غزة المحتل، بالصمود ومواجهة كافة مخططات التهجير، مع دخول حرب الإبادة التي يواصل جيش الاحتلال الإسرائيلي شنّها، للشهر الرابع على التوالي، وأدّت لاستشهاد أكثر من 25 ألف
فلسطيني، مع تدمير واسع للأحياء والمناطق السكنية.
وتقدر الأمم المتحدة نزوح 85 في المئة من سكان القطاع، البالغ عددهم 2.4 مليون، وبذلك يتبقى في المناطق الشمالية أكثر من 300 شخص.
ورصدت "عربي21" الظروف القاسية والصعبة، التي بات يعيشها السكان في شمال القطاع المحاصر.
يقول سيف، ذو 33 عاما، الذي يسكن في حي الدرج، إنه لم يغادر غزة رفضا لمخططات التهجير، مردفا: "طول عمرنا بنسمع عن النكبة وقصصها، وبدناش تصير ثاني فينا.. لو الموضوع عليا ما بطلع من باب بيتي، لكن نزحت لبيوت أقاربي في نفس الحي علشان النساء والأطفال".
ويضيف سيف في حديثه لـ"عربي21" أنه ترك بيته الذي تضرر بشكل كبير بعدما تم قصف البيت الملاصق له، موضحا: "كان ذلك بعد أسابيع من بدء الحرب، وذهبت إلى بيت جدي من أمي، وكنت أتردد على البيت باستمرار لأخذ بعض الحاجيات، حتى أني نمت فيه، فوق الحجارة والركام في بعض الأحيان".
ويكشف: "كل ذلك في الشهور الأولى من الحرب، عندما كنا نعرف كيف نعيش وكيف هي تفاصيل الحياة، لكن بعد ذلك تغيرت الأمور، وأصبحنا مثل البدو نتنقل بحثا عن الماء والطعام".
وفي السياق نفسه، يسترسل: "مرة تركنا بيتا لأحد أقاربنا في ساعة متأخرة من الليل بسبب زيادة عدد القذائف، ووصلنا إلى بيت آخر في نفس الليلة، ثم غادرنا في الصباح إلى بيت لأحد الأصدقاء، آه يمكن أن ننتقل لأكثر من بيت في نفس اليوم".
ويضيف سيف مازحا: "فكرت في مشروع تجاري بعد الحرب، حيث يمكن أن ينجح كثيرا في الخارج واسمه "دايت الحرب"، لأنني خسرت أكثر من 20 كيلو غراما من وزني، بسبب شح الطعام.. الدايت ليس غنيا بالبروتين ومنزوع الكربوهيدرات، هو دايت منزوع الأكل أصلا".
بدوره، يقول محمد، ذو 40 عاما، وهو الذي كان يعمل ممرضا في مجمع الشفاء الطبي: "عشت كل نزوح ومحاصرة المستشفيات من الشفاء إلى المعمداني إلى الشفاء مرة أخرى".
ويضيف محمد في حديثه لـ"عربي21": "أنا الآن في مستشفى أصدقاء المريض، وتمكنا بجهود بعض العاملين في الجهاز الطبي من إعادة تشغيله على نظام للطاقة الشمسية، مع إعادة بعض غرف العمليات إلى الخدمة".
ويكشف: "كنت لا أرى زوجتي وابنتي لأسابيع طويلة، ومرة في منتصف الحرب، ذهبت لزيارتهم في بيت عائلتها حيث تقيم حاليا، كانوا لم يذوقوا الأرز أو الخبز لأكثر من أسبوعين، نجوا على صنف واحد وهو المهلبية التي يقومون بتحضيرها من الحليب والنشا".
ويردف: "عرفت أن ابنتي تناولت خلال فترة شهر فقط أكثر من شريطين من دواء "فلاجيل" وهو مطهر للمعدة بسبب النزلات المعوية المتكررة والمياه الملوثة".
من ناحيته، يقول عبد الرحيم، ذو 37 عاما، إنه يقيم حاليا في سيارته الشخصية مع أخيه وأخته الذين نجوا فقط من القصف، بعدما فقد والده ووالدته وزوجته وابنيه وبعض إخوانه.
ويضيف عبد الرحيم في حديثه لـ"عربي21": "أنتقل بالسيارة للضرورة فقط، للهروب من القصف، والاستهداف الإسرائيلي، وأعيش فيها مع إخوتي في ظروف كارثية، لا يوجد طعام، والطحين والأرز إذا توفر يكون ثمنه خياليا".
ويكشف: "اشتريت شوال علف وهو قمح مخلوط ببعض المواد التي لا أعرفها، المخصصة لإطعام الأرانب، وطحنته وأعددنا منه خبزا لنا وللعائلة التي نصفّ سيارتنا أمام بيتهم، ونستخدم حمامهم وبيتهم أحيانا من أجل تبديل الملابس، وخلاف ذلك".
ويشير: "أنا لا أعيش في بيت ولا في خيمة ولا في بيت لمعارفي.. أنا أعيش في السيارة، ولا أعرف ماذا سأفعل غدا سوى محاولة شحن بطارية السيارة من أجل الاستماع للراديو وتشغيلها بسهولة حال اضطررت للهرب".
ويقول: "سآكل العلف دون خجل وأشرب المياه الملوثة دون خجل أو حرج، ولن أجعل موتي سهلا لهذا العالم معدوم الضمير".