أعلن رئيس الوزراء
المصري عن اتفاق مصري إماراتي لإقامة مشروع عمراني
بمنطقة رأس الحكمة، على مساحة 41 ألف فدان، تستلم مصر بمقتضاه 24 مليار دولار
كسيولة على دفعتين، أولها خلال أيام بقيمة عشرة مليارات دولار والثانية خلال شهرين
بقيمة 14 مليار دولار، وذلك بخلاف 11 مليار دولار أخرى سيتم استنزالها من الدين الخارجي
المستحق للإمارات وتنفق على استثمارات أخرى.
ومن الطبيعي أن يتسبب الخبر الذي سلطت فيه وسائل الإعلام المصرية على رقم
35 مليار دولار كقيمة للمشروع ستدخل مصر، وعلى رقم 150 مليار دولار كقيمة لاستثمارات
المشروع رغم أنها لا تعرف أجله الزمني، في أن يسارع حائزو الدولار من صغار
المتعاملين بالتخلص مما لديهم من دولارات، لتلعب وسائل الإعلام على العامل النفسي
لهؤلاء فيزداد خوفهم واندفاعهم للبيع.
ومارست وسائل الإعلام نفسها ذات اللعبة قبل أسابيع قليلة، مع الحملات
الأمنية التي استهدفت حائزي الدولار، لينخفض السعر في السوق الموازية من سبعين
جنيها إلى أقل من خمسين جنيها، لكن بعد أيام قليلة عاد سعر صرف الدولار في السوق
الموازية ليدور حول الستين جنيها.
المعروف للجميع أن الدول الغربية أبدت حرصها على مساندة النظام المصري، مكافأة له على دوره في تجويع سكان غزة سعيا لشق الصف الفلسطيني المتحد خلف المقاومة، وبدت شواهد تلك المكافأة بتصريح مديرة صندوق النقد الدولي عن نية الصندوق -الذي تهيمن على التصويت فيه الدول الغربية- عن نيته رفع قيمة القرض بمبرر تضرر مصر من حرب غزة، وبدت إشارات مماثلة من الاتحاد الأوروبي
وبالعودة للمشروع
الإماراتي، فالمعروف للجميع أن الدول الغربية أبدت حرصها
على مساندة النظام المصري، مكافأة له على دوره في تجويع سكان
غزة سعيا لشق الصف الفلسطيني
المتحد خلف المقاومة، وبدت شواهد تلك المكافأة بتصريح مديرة صندوق النقد الدولي عن
نية الصندوق -الذي تهيمن على التصويت فيه الدول الغربية- عن نيته رفع قيمة القرض
بمبرر تضرر مصر من حرب غزة، وبدت إشارات مماثلة من الاتحاد الأوروبي.
مكافأة الأردن ومساندة النظام الباكستاني
وهو أسلوب ليس بجديد، فقد حصلت الأردن على قرض من الصندوق، في كانون الثاني/
يناير الماضي بقيمة 1.2 مليار دولار مكافأة لها لمشاركتها بحصار غزة، وإمداد
اسرائيل بالخضروات المحروم منها سكان غزة، كما كافأ الصندوق النظام الحاكم في باكستان
بإقراضه ثلاثة مليار دولار في حزيران/ يونيو الماضي، منها 1.2 مليار دولار تم
صرفها على الفور، رغم أن قواعد العمل لديه تمنع إقراض حكومات غير مُنتخبة، كما قامت
الإمارات والسعودية بإمداد باكستان بودائع بقيمة ثلاثة مليار دولار إضافية.
وهكذا كان الكل يترقب قيمة المكافأة الغربية للنظام المصري على خطواته
للإجهاز على المقاومة، والتلكؤ في السماح بمرور
المساعدات لسكان غزة، خاصة بعد
لقاء وزير الخزانة الأمريكية بمسؤوولين اقتصاديين مصريين.
وحرصا على استمرار الصورة الخادعة لدور النظام تجاه غزة، رأت تلك القوى
الغربية أن تجىء المكافأة من قبل دولة خليجية على شكل مشروع استثماري، بعد أن فضح
المحامى الإسرائيلى بمحكمة العدل الدولية الموقف المصري بأنه المسؤوول عن منع
المساعدات لغزة، وتصريح الرئيس الأمريكي بأنه الذي أقنع النظام المصري بالسماح
بتمرير بعض المساعدات لغزة.
وكانت مديرة الصندوق قد صرحت بأنها قد تحدثت مع دول خليجية لدعم النظام المصري
إلى جانب قرض الصندوق له، وأشار رئيس الوزراء المصري لوجود مديرة الصندوق مؤخرا في
الإمارات خلال قمة دبي للحكومات، ومعها مسؤولون كبار من البنك الدولي والاتحاد الأوروبي،
بما يؤكد الاتفاق على الدعم الإماراتي.
وتوفر الصفقة الإماراتية فرصة للإمارات لتبيض صفحتها الملوثة بالدماء في
اليمن وليبيا والسودان وغيرها، كما تعد مكافأة لها لإصرارها على الممر الاقتصادي الذي
يربط الإمارات بميناء حيفا بريا، وتسيير سيارات نقل من الإمارات إلى إسرائيل
لتعويضها عن صعوبة وصول السفن إلى ميناء إيلات، بعد منع الحوثيين لتلك السفن من
عبور باب المندب.
احتياجات ملحة بأضعاف قيمة الصفقة
هكذا تكون دول الغرب قد حققت هدف إنقاذ النظام المصري المساند لإسرائيل دون أن تتكلف الكثير، وتوصل رسالة لباقي حكام الدول العربية والإسلامية بأنها وفيّة مع من يسيرون على نهجها، في السعي لمساندة إسرائيل وللقضاء على المقاومة في غزة، وأن عليهم أن يقارنوا بما حدث لمن تمردوا على أوامرها
وهكذا تكون دول الغرب قد حققت هدف إنقاذ النظام المصري المساند لإسرائيل
دون أن تتكلف الكثير، وتوصل رسالة لباقي حكام الدول العربية والإسلامية بأنها وفيّة
مع من يسيرون على نهجها، في السعي لمساندة إسرائيل وللقضاء على المقاومة في غزة،
وأن عليهم أن يقارنوا بما حدث لمن تمردوا على أوامرها، مثل حالة رئيس الوزراء الباكستاني
عمران خان، الذي تم منعه من المشاركة في الانتخابات بل وإدخاله السجن، ورغم فوز
أنصاره بأعلى الأصوات في الانتخابات البرلمانية الأخيرة، فقد تم التحالف بين ثاني
وثالث أكبر حزبين بالأصوات لتشكيل الوزارة.
والأمر الأهم في الموارد الدولارية التي ستوفرها المكافأة الغربية
الإماراتية والتي ستبلغ 24 مليار دولار، إلى أين ستتجه؟ حيث هناك العديد من
المجالات المطروحة لذلك، فهناك عجز دولار في الجهاز المصرفي شاملا البنك المركزي
والبنوك العاملة في البلاد، تخطى 27 مليار دولار في نهاية العام الماضي، ولا بد من
سده حتى تستطيع البنوك الإفراج عن السلع المكدسة في الموانئ لزيادة المعروض السلعي.
وهناك أقساط وفوائد الدين الخارجي والتي تتخطى 42 مليار دولار في العام الحالي،
ولا بد من سدادها حتى لا تطالب الجهات المُقرضة بكامل أقساطها في حالة التعسر في
السداد، وهناك واردات سلعية مطلوب توفيرها سواء لمواجهة الاحتياجات الغذائية أو من
الطاقة، وهي الواردات التي بلغت قيمتها في العام الماضي حسب جهاز الإحصاء ورغم صعوبات
الاستيراد؛ 81 مليار دولار.
وحتى إذا انتهجت السلطات سبيل منع استيراد بعض السلع كالسيارات والسلع المُعمرة
كما تردد، فإن نسبة 75 في المائة من تلك الواردات ضرورية ولا يمكن الاستغناء عنها
سواء للبشر أو للصناعة، كمواد خام ومستلزمات إنتاج ووقود، وبدون توفيرها ستتأثر
الصادرات كما حدث في العام الماضي.
وهناك واردات خدمية بلغت في العام المالي الأخير (2022/2023) نحو 13 مليار
دولار، وكذلك أرباح الشركات الأجنبية العاملة في مصر والتي تطلب إخراجها لبلدانها
الأصلية والتي بلغت في العام المالي الأخير 12.5 مليار دولار رغم ما واجهته من
صعوبات، ويتسبب تأخير خروج تلك الأرباح في تردد الاستثمار المباشر بل غير المباشر في
القدوم لمصر، رغم وصول الفوائد على أدوات الدين الحكومي لأكثر من 28 في المائة
مؤخرا.
وعود المؤتمر الاقتصادي والقناة الجديدة
وهناك أيضا مشروعات يراها الجنرال أولوية من وجهة نظره، كاكتمال العاصمة
الإدارية التي كان موعد افتتاحها منتصف حزيران/ يونيو 2020، ومشروع المونوريل لربط
العاصمة الإدارية بالعاصمة القديمة، وغير ذلك من المشروعات التي يعتبرها الجنرال
رمزا لحكمه، وبالطبع لن يستطيع أحد مخالفة تعليمات الجنرال بتحديد أولوية الإنفاق.
الدول الغربية معنية بإنقاذ النظام الحاكم، وليس بإنقاذ المصريين ليتم شغلهم بمعاناتهم، مع خداعهم بما يسمى إبداء الدول الإسلامية لشهادتها ضد إسرائيل في محكمة العدل الدولية، لكسب مزيد من الوقت لإسرائيل حتى تجهز على المقاومة
واذا كانت وسائل الإعلام تغرق الجمهور بالأحلام والآمال في انتهاء المشاكل التي
يعانى منها الاقتصاد المصري، مع موارد المشروع الإماراتي وأنه سيجلب 8 ملايين سائح
إضافي، مستغلين ضعف ذاكرة الكثيرين حيث سبق للمصريين سماع مثل تلك الوعود مسبقا
دون تحقق، مثلما حدث مع المشروعات التي تم الإعلان عنها في المؤتمر الاقتصادي في آذار/
مارس 2015 وتبين أنها مجرد مذكرات تفاهم، كما تكررت مع مشروع تفريعة قناة السويس
وأنها ستحقق 100 مليار دولار سنويا، ومع تعويم الجنيه عام 2016 وبحلول منتصف عام
2020، ومع مؤتمر المناخ عام 2022 والتي لم تتحقق جميعها.. فإن
المواطن البسيط لم يعد يثق بتلك الوعود، وأصبح سؤاله الأهم: هل ستحقق الموارد
الإماراتية انخفاضا للأسعار التي لم يعد يتحملها؟
وهنا نشير إلى أن الدول الغربية معنية بإنقاذ النظام الحاكم، وليس بإنقاذ
المصريين ليتم شغلهم بمعاناتهم، مع خداعهم بما يسمى إبداء الدول الإسلامية
لشهادتها ضد إسرائيل في محكمة العدل الدولية، لكسب مزيد من الوقت لإسرائيل حتى
تجهز على المقاومة، ولكي يواصل حكام تلك الدول مواقفهم الخادعة لشعوبهم.
كما يحرص الحكام المستبدون دائما على تحقيق شعار "جوّع كلبك يتبعك"
كوسيلة لشغل الناس، بتدبير طعام أولادهم عن الإنشغال بالمواقف المتخاذلة للحكام، أو
بممارساتهم المستبدة أو بالمعتقلين.
وبالطبع من الوارد أن تنخفض أسعار بعض السلع مع تراجع سعر صرف الدولار،
لكنه تراجع محدود وغير مضمون استمراره، لأن السبيل الأصيل لخفض الأسعار المستمر هو
زيادة الإنتاج الزراعي والصناعي والخدمي، وهو طريق يحتاج إلى وقت وقبل ذلك إلى إرادة،
في عالم لا يسمح للدول النامية أن تسلك طريق التنمية حتى تظل تابعة لهيمنتها
ومستهلكة لما تصدره لها.
twitter.com/mamdouh_alwaly