نشرت صحيفة "
لوموند" الفرنسية، تقريرا، سلطت فيه الضوء على الأثر المدمر للاحتلال الإسرائيلي على قطاع التعليم العالي في
غزة، حيث تعرّضت جميع الجامعات الـ12 في القطاع إما للتدمير أو لحقت بها أضرار جسيمة.
وقالت الصحيفة، في تقريرها الذي ترجمته "عربي21"، إن قوات الاحتلال الإسرائيلي استهدفت جميع مؤسسات التعليم العالي في القطاع
الفلسطيني، وقُتل في التفجيرات ثلاثة رؤساء جماعات، وما يقارب 100 عميد وأستاذ جامعي.
وذكرت الصحيفة أن القبول في جامعة فلسطين مثلا في غزة بمثابة "بوابة نحو الاستقلال" بالنسبة للفلسطينية، بيسان القولاق. وهي تتذكر كم كانت سعيدة عندما تلقت المكالمة الهاتفية التي أعلنت قبولها في برنامج إجازة الصيدلة السريرية في أيلول/ سبتمبر 2021. واليوم، لم تعد جامعتها سوى كومة من الأنقاض فقد قصف الجيش الإسرائيلي الجامعة ودمّرها في كانون الأول/ ديسمبر 2023، بعد شهرين من بدء الحرب على القطاع.
وحسب وكالة الأنباء الفلسطينية "وفا"، قام جيش الاحتلال الإسرائيلي منذ ذلك الحين بتدمير أو إلحاق أضرار بـ 12 جامعة في
قطاع غزة خلال الغارات الجوية أو القصف. ووفقا للأمم المتحدة، حتى أوائل كانون الثاني/ يناير، تضرر حوالي 75 بالمئة من البنية التحتية التعليمية في القطاع.
من جهتها، تقول بيسان، البالغة من العمر 20 سنة: "قبل السابع من تشرين الأول/ أكتوبر، كانت غزة مكانا جميلا جدا. كانت جامعتي، التي ليست بعيدة عن البحر، رائعة للغاية". ولدت الشابة في الشارقة، في الإمارات العربية المتحدة، حيث يعمل والدها. في هذه الإمارة الخليجية، كان إكمال ثلاث سنوات للحصول على درجة الإجازة، خاصة في تخصص مثل تخصصها، سيكلف عائلتها "100 ألف درهم (25000 يورو)". وأوضحت قائلة: "لم تكن لدينا الإمكانيات" ومن هنا جاءت فرحتها بالحصول على مقعد في إحدى جامعات غزة.
"لم أعد أعرف ماذا أفعل بحياتي بعد الآن"
في سن الثامنة عشرة، تركت منزل والديها وانتقلت للعيش مع أجدادها في مدينة غزة بالقرب من الحرم الجامعي. عبر حسابها على منصة "إنستغرام"، نشرت بيسان العديد من الفيديوهات التي تظهر فيها في صف الجامعة وفي المكتبة مع زميلاتها وفي مختبر الكيمياء وهي تجري تجارب أو تجلس مستمتعة بالشمس في حديقة الحرم الجامعي.
وتقول الشابة التي تم إجلاؤها نهاية شباط/ فبراير المنقضي إلى أبوظبي مع والدتها وشقيقاتها: "السنتان اللتان قضيتهما في جامعة فلسطين كانتا الأفضل بالنسبة لي. اليوم، لا أعرف ماذا أفعل بحياتي بعد الآن. ماذا سيحدث لسنتين من دراستي، التي لم يعد لي أي أثر فيها؟ هل ذهب كل شيء أدراج الرياح؟".
وفقا للمرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان ومقره جنيف، فإن هجمات الاحتلال الإسرائيلي ضد قطاع غزة أدّت إلى تدمير البنية التحتية للتعليم العالي. وتقدر المنظمة أن الأضرار التي لحقت بالجامعات تبلغ أكثر من 200 مليون يورو. وقُتل ما لا يقل عن ثلاثة رؤساء جامعات منذ السابع من تشرين الأول/ أكتوبر وأكثر من 95 عميدا وأستاذا، واضطر نحو 88 ألف طالب إلى تعليق دراستهم، ولم يتمكن 555 طالبا آخرين من حاملي المنح الدولية من السفر إلى الخارج بسبب الانتهاكات.
في البداية، قام جيش الاحتلال الإسرائيلي بتحويل بعض المنشآت في غزة إلى ثكنات أو مراكز اعتقال قبل أن يتم هدمها. هذه هي حالة جامعة الإسراء، التي دُمرت في 17 كانون الثاني/ يناير نتيجة قصف، وانتشرت صورها على مواقع التواصل الاجتماعي. وحسب الإدارة، قبل الانفجار سرق الجنود آثارا من المتحف الوطني الموجود في أحد أجنحة المؤسسة.
بالإضافة إلى ذلك، تم تدمير الموقع الرئيسي لجامعة الأزهر في مدينة غزة وفرعها في منطقة المغراقة في ثلاث غارات جوية متتالية في 11 تشرين الأول/ أكتوبر و4 و21 تشرين الثاني/ نوفمبر 2023. وقبل السابع من تشرين الأول/ أكتوبر، كان كرم جاد الله، البالغ من العمر 22 سنة، يدرس اللغة الفرنسية والأدب الإنجليزي هناك. وفي سنته الرابعة، خطّط للتقدم للحصول على درجة الماجستير في القانون في إحدى جامعات بروكسل.
"كان لدينا أساتذة رفيعو المستوى"
يقول الشاب، الذي أصبح الآن لاجئاً في رفح ويعمل في مؤسسة خيرية توزع الطعام في المنطقة: "لقد تم استثمار ملايين الدولارات في المباني الأخيرة لجامعتي. كان هناك الكثير من الأشجار. كان لدينا أساتذة رفيعو المستوى. في بعض الأحيان، بعد أن تفقد شيئا تدرك كم كان ثمينا".
من جانب آخر، يردد زاهر كحيل، المؤسس والرئيس السابق لجامعة فلسطين، الذي فر من القطاع إلى مصر في تشرين الثاني/ نوفمبر، بفضل جنسيته البريطانية: "هذه الحرب الدموية الغبية". وتجدر الإشارة إلى أن زاهر هو دكتور في الهندسة المدنية من إحدى الجامعات البريطانية، عاد إلى غزة سنة 1989 للتدريس هناك. وقد كان شاهدا على الحروب العديدة التي هزت المنطقة الساحلية، لكن حجم الحرب الحالية يثير قلقه بشدة بشأن المستقبل.
وقد أكد كحيل أن "ما يحدث في غزة هو حرب على التعليم. لقد شيدنا البنى التحتية الأكاديمية بعرقنا ودمائنا وبفضل التبرعات. استغرق تجهيز المختبرات في جامعتنا الكثير من الوقت، لأن المعدات كان يجب أن تمر عبر الجمارك الإسرائيلية. لم ننته حتى من إصلاح الأضرار التي سببتها الحرب السابقة سنة 2014. كم من الوقت سوف تستغرق هذه المرة لإعادة بناء كل شيء؟".
تحدثت
الصحيفة عن أكرم حبيب (68 سنة)، الذي يدرّس الأدب الإنجليزي في الجامعة الإسلامية بغزة، وهي من أرقى الجامعات في القطاع. ويقول الأستاذ الذي غادر إلى تركيا: "لقد شكلنا النخبة في غزة. لقد أصبح طلابي السابقون سفراء ومحامين ومهندسين وضباط شرطة ومعلمين. واليوم، مات الكثير منهم".
وأشارت
الصحيفة إلى أنه بـ"اعتبار أن الجامعة كانت معقلا للنشاط المؤيد لحماس حيث درس العديد من المديرين التنفيذيين للحركة، تعرضت للقصف في 11 تشرين الأول/ أكتوبر 2023"، ويتابع حبيب: "قال الإسرائيليون إن حماس أسستها، وهذا غير صحيح. ولكن إذا افترضنا أن هذا صحيح: لماذا إذن تم استهداف الجامعات الأخرى بهذا الشكل؟ لماذا يتم تصوير جنود الاحتلال أمام هذه المنشآت المهدمة؟ لا يمكن لنا إلا أن نعتقد أن هذه الحرب لها هدف واحد فقط: "جعل غزة منطقة غير صالحة للسكن"".