في
تطور غير مسبوق، أصدر
مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة القرار رقم 2728، الذي يدعو
إلى وقف فوري لإطلاق النار في قطاع
غزة وسط حرب إبادة
إسرائيلية بحق الشعب
الفلسطيني. ويمثل هذا القرار، الذي يتميز بتوقيته خلال شهر رمضان، تحولا محوريا في
الاستجابة الدولية لهذه الحرب، وعزلة أمريكية وإسرائيلية غير مسبوقة في المحافل
الدولية.
امتنعت
الولايات المتحدة، الحليف الوثيق لإسرائيل تاريخيا، عن التصويت، وهي خطوة تحيد عن
مواقفها السابقة في تقويض جميع مشاريع قرارات مجلس الأمن التي دعت إلى وقف إطلاق
النار في غزة. ولا يمكن اعتبار هذا الموقف تحولا استراتيجيا في العلاقة بين
إسرائيل وواشنطن، بل هي رسالة أمريكية إلى نتنياهو مفادها بأنّ صبر واشنطن بدأ
بالنفاد وبأن الولايات المتحدة لا تزال تدعم جرائم إسرائيل في غزة إلا أنها لا
توافق على التهور الإسرائيلي خصوصا فيما يتعلق بالهجوم على رفح.
الولايات
المتحدة تحمي إسرائيل من نفسها
لا يمكن اعتبار هذا الموقف تحولا استراتيجيا في العلاقة بين إسرائيل وواشنطن، بل هي رسالة أمريكية إلى نتنياهو مفادها بأنّ صبر واشنطن بدأ بالنفاد وبأن الولايات المتحدة لا تزال تدعم جرائم إسرائيل في غزة إلا أنها لا توافق على التهور الإسرائيلي خصوصا فيما يتعلق بالهجوم على رفح
يؤكد
القرار، الذي اقترحه الأعضاء غير الدائمين في مجلس الأمن، على الحاجة الماسة إلى
وقف فوري للأعمال العدائية في غزة. فهو لا يؤكد على الوقف الفوري للعدوان فحسب، بل
يؤكد أيضا على أهمية السلام المستقر والمستدام، ويدعو إلى إزالة الحواجز التي تحول
دون إيصال المساعدات الإنسانية. تمت الموافقة على هذا القرار بتأييد ساحق، حيث حصل
على موافقة 14 من أصل 15 عضوا في المجلس، بينما امتنعت الولايات المتحدة عن
التصويت.
ويكشف
السياق الكامن وراء امتناع الولايات المتحدة عن التصويت عن استراتيجية دقيقة تهدف
إلى إعادة ضبط مدى مشاركتها ودعمها لإسرائيل في حربها على غزة. وعلى الرغم من
امتناعها عن التصويت، فقد أوضحت الولايات المتحدة أن موقفها تجاه إسرائيل لم
يتغير. ويتجلى ذلك في سعيها لتعديل صيغة القرار الذي كان ينص على "وقف دائم
لإطلاق النار"، حيث اختارت الولايات المتحدة بدلا من ذلك لغة تشير إلى وقف للأعمال
العدائية دون الالتزام بحل طويل الأمد.
وفي
أعقاب تبني القرار، علقت ممثلة الولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة، ليندا توماس
جرينفيلد، بأن قرار مجلس الأمن لا يحمل صفة الإلزامية. لكن المندوبة الأمريكية
وجميع الحاضرين في الجلسة يدركون جيدا بأنّ جميع قرارات مجلس الأمن ملزمة بطبيعتها،
وهي من الممكن أن تتطور إذا ما رفض المعنيون الالتزام بها، وعدم الالتزام يعني بأن
تتم مناقشة فرض هذا القرار تحت الفصل السابع، لأن ما ترتكبه إسرائيل في غزة هو
إخلال بالسلم والأمن العالميين وهذا ما يتطلب مشاركة أوسع وأكثر فعالية من قبل
مجلس الأمن. ولكن المندوبة الأمريكية سعت من خلال هذه المحاولة الفاشلة إلى تفريغ
القرار من مضمونه والحفاظ على النفوذ في المفاوضات المستقبلية، وخاصة فيما يتعلق
بالمحتجزين.
وتشير
هذه الخطوة من جانب الولايات المتحدة إلى محاولة معقدة لتحقيق التوازن في علاقاتها
الدبلوماسية ومسؤولياتها. فهي تهدف إلى حماية إسرائيل من تهورها وعنادها والعزلة
الدولية التي تواجهها، كما يتضح من المناقشات الداخلية بين المسؤولين الإسرائيليين
والأمريكيين، والتي فشل فيها الأمريكيون في أكثر من مرة بإقناع إسرائيل بأنّ حربها
على غزة فشلت وهي لن تحقق أي هدف من أهدافها ولا بد من البحث عن حلول أخرى.
إن
امتناع الولايات المتحدة عن التصويت جاء بعد فشل إدارة بايدن إقناع نتنياهو بأنّ
الهجوم على رفح وتعريض حياة أكثر من مليون ونصف لاجئ للخطر والتهجير يعني عزلة
دولية كاملة وبأن الولايات المتحدة لا تستطيع التغطية على هذا الحجم من الإبادة. ومن
ناحية أخرى، يشكل الامتناع عن التصويت بمثابة رسالة تحذيرية لإسرائيل، ويعكس تضاؤل
الصبر إزاء ما تعتبره الولايات المتحدة تعنتا إسرائيليا. ويتردد صدى هذا الشعور تجاه
التعنت الإسرائيلي من خلال شبه إجماع في الأوساط السياسية الأمريكية، بما في ذلك
تصريحات الرئيس السابق دونالد ترامب، الذي حذر من تضاؤل الدعم الدولي لإسرائيل
بسبب أعمالها العسكرية المستمرة في غزة، وحث إسرائيل على وقف الحرب على غزة
والعودة إلى عملية السلام.
إعادة
النظر بالنظام العالمي الأممي لمنع الجريمة الإسرائيلية المنظمة والممنهجة
يتم تقسيم الأدوار بين الولايات المتحدة وإسرائيل، حيث تنخرط الأخيرة في أعمال يصفها العديد من المراقبين والنقاد الدوليين بأنها جرائم وحروب إبادة ضد الفلسطينيين، وتوفر الأولى دعما عسكريا لا غنى عنه وغطاء سياسيا في المحافل الدولية المحورية مثل الأمم المتحدة ومجلس الأمن. ويسلط تقسيم الأدوار هذا الضوء على التواطؤ المروع بينهما للعمل بشكل فعال ومشترك على تحييد أي رادع ضد الجريمة الإسرائيلية المنظمة على نطاق عالمي
في
عصر أصبحت فيه الدبلوماسية العالمية والدفاع عن حقوق الإنسان أكثر أهمية من أي وقت
مضى، يجد النظام الدولي، بقيادة الأمم المتحدة، نفسه غارقا في مستنقع من عدم
الكفاءة والتسييس. ويتجلى هذا الفشل بشكل صارخ في دعم الولايات المتحدة الثابت للجرائم
الإسرائيلية بحق الشعب الفلسطيني، الأمر الذي يلقي بظلال طويلة على قدرة الأمم
المتحدة على التصرف بشكل محايد وفعال. إن الدعم غير المشروط الذي تقدمه الولايات
المتحدة لا يشجع إسرائيل فحسب، بل يعيق أيضا أي تقدم ملموس نحو معالجة الأزمات
الإنسانية، وخاصة في غزة. ويتطلب التفاعل بين هذه الديناميكيات إعادة تقييم وتصحيح
عاجلين للنظام الدولي لمنع المزيد من تفاقم هذه الأزمات.
يتم تقسيم
الأدوار بين الولايات المتحدة وإسرائيل، حيث تنخرط الأخيرة في أعمال يصفها العديد
من المراقبين والنقاد الدوليين بأنها جرائم وحروب إبادة ضد الفلسطينيين، وتوفر
الأولى دعما عسكريا لا غنى عنه وغطاء سياسيا في المحافل الدولية المحورية مثل
الأمم المتحدة ومجلس الأمن. ويسلط تقسيم الأدوار هذا الضوء على التواطؤ المروع
بينهما للعمل بشكل فعال ومشترك على تحييد أي رادع ضد الجريمة الإسرائيلية المنظمة
على نطاق عالمي. ويدفع هذا الواقع القاتم إلى إجراء فحص نقدي لمدى ملاءمة الولايات
المتحدة كدولة مضيفة للأمم المتحدة، مما يشير إلى وجوب نقل هذه الهيئة الدولية
الحيوية إلى دول أخرى، مثل الصين أو روسيا أو دول أخرى قد توفر منصة جيوسياسية
أكثر توازنا لمعالجة القضايا العالمية.
إن
تشكيل جبهة المقاومة العالمية (على المستوى السياسي والدبلوماسي والحراك الشعبي) يظهر
كإجراء مضاد إلزامي وضروري للجرائم المنهجية والتصفية العرقية التي تمارسها
إسرائيل بحق الشعب الفلسطيني. والفكرة ليست نظرية بل هي تنبع من الحاجة الماسة إلى
دعم القانون الدولي ومعايير حقوق الإنسان، ومن الممكن أن يكون مثل هذا التحالف
بمثابة حافز للتضامن العالمي ضد الإجراءات الأحادية التي تعرض السلام والأمن
العالميين للخطر.
إن
توصيف إسرائيل والصهيونية ضمن هذا الخطاب يؤطرهما ككيانات تشكل تهديدات كبيرة
للسلام العالمي ومستقبل الأطفال. إن تشبيه الصهيونية وإسرائيل باعتبارهما سرطانا
خبيثا يسلط الضوء على التهديد الوجودي الذي تشكله هذه الأيديولوجيات، ليس فقط على
المستوى الإقليمي، بل وربما على نطاق عالمي. إن الدعوة الموجهة إلى شعوب العالم
المتعاطفة للرد على "النظام الإسرائيلي المحتل والمزيف" هي مثلما يفعل
المرء مع الغدد السرطانية، وهي بمثابة نداء للتضامن الدولي واتخاذ إجراءات أشبه
بالتدخل الطبي ضد ورم خبيث.
الترتيبات الجيوسياسية والمؤسسية الحالية تتطلب إعادة تقييم عميقة وفورية. إن التطلع إلى الأمام لا بد أن يشتمل على فحص نقدي لأدوار ومسؤوليات الجهات الفاعلة العالمية الرئيسية، وإعادة تنشيط المعايير القانونية والأخلاقية الدولية، وتجديد الالتزام بالسلام والأمن والكرامة الإنسانية على مستوى العالم
ويقدم
تقرير مقرر الأمم المتحدة الخاص لحقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية، فرانشيسكا
ألبانيز، بعنوان "تشريح
الإبادة الجماعية"، تقييما نقديا قائما على
الأدلة للوضع الحالي في غزة وعجز المجتمع الدولي عن وقف هذه الانتهاكات. إن
النتائج التي توصلت إليها ألبانيز، والتي تشير إلى أن الجرائم الإسرائيلية في غزة
يمكن تفسيرها على أنها أعمال إبادة جماعية، تضيف صوتا موثوقا إلى الأصوات الأخرى التي
تدعو إلى إعادة تقييم عاجلة لتصرفات إسرائيل بموجب القانون الدولي. ويتناول
التقرير بالتفصيل الطبيعة الثلاثية لأعمال الإبادة الجماعية، التي تشمل قتل أعضاء
الجماعة، والتسبب في ضرر جسيم لسلامتهم الجسدية أو العقلية، وفرض شروط عمدا لتدمير
الجماعة جسديا.
إن
الحرب المستمرة على غزة، والتي اتسمت بعدد هائل من الضحايا وتحذيرات من المجاعة،
تشكل شهادة قاتمة على الحاجة الماسة إلى نهج دولي مُعاد ضبطه لحل الصراعات وتقديم
المساعدات الإنسانية. إن الجرائم الإسرائيلية التي أودت بحياة أكثر من 32 ألف شخص،
معظمهم من الأطفال والنساء، والإصابات التي لحقت بحوالي 75 ألف فرد، تؤكد الضرورات
الإنسانية والأخلاقية الملحة التي تواجه المجتمع العالمي.
وفي
ضوء هذه الاعتبارات، فإن الترتيبات الجيوسياسية والمؤسسية الحالية تتطلب إعادة
تقييم عميقة وفورية. إن التطلع إلى الأمام لا بد أن يشتمل على فحص نقدي لأدوار
ومسؤوليات الجهات الفاعلة العالمية الرئيسية، وإعادة تنشيط المعايير القانونية
والأخلاقية الدولية، وتجديد الالتزام بالسلام والأمن والكرامة الإنسانية على مستوى
العالم.