لقد
وصلت الأزمة الإنسانية في
غزة إلى أبعاد كارثية، حيث أدت الحرب
الإسرائيلية المستمرة
والتدمير المنهجي للبنية التحتية على يد القوات الإسرائيلية إلى تفاقم الوضع
المتردي بالفعل. وقد أثر هذا
الدمار بشكل خاص على القطاع الصحي، مما ترك السكان،
وخاصة الأطفال، في حاجة ماسة إلى المساعدة. إن وصف الوضع المتردي في قطاع غزة بأنه
الأسوأ منذ الحرب العالمية الثانية لا يعتبر مبالغة، بل هو وصف للوضع الموجود في القطاع
الذي كان محاصرا لسنوات وزاد من معاناة أهله حربا شعواء ومستمرة لما يقارب عشرة
أشهر من التدمير المنهجي والحصار الخانق، الأمر الذي يتطلب تدخلا دوليا فوريا
وقويا.
كشفت
التقارير الأخيرة وصور الأقمار الصناعية عن أضرار جسيمة لحقت بـ24 مستشفى في جميع
أنحاء غزة، بما في ذلك مستشفى الشفاء، وهو أكبر منشأة طبية في المنطقة. وبحسب
منظمة
الصحة العالمية، فقد أصبح مستشفى الشفاء خارج الخدمة بسبب الاستهداف
المتكرر، الذي أدى إلى تدمير أقسام الطوارئ والجراحة والتوليد، إلى جانب مصنع
الأكسجين الخاص به. وقد أدى ذلك إلى شل خدمات الرعاية الصحية في شمال غزة، مما جعل
من المستحيل توفير حتى الرعاية الطبية الأساسية. كما أبرز تقييم منظمة الصحة
العالمية أن استعادة الحد الأدنى من الوظائف على المدى القصير يبدو غير ممكن بسبب
الأضرار الجسيمة ووجود ذخائر غير منفجرة زرعتها إسرائيل في كل نقطة من هذه المراكز
الصحية، في محاولة منها لقتل أكبر عدد من المدنيين الفلسطينيين.
تدمير البنية التحتية للرعاية الصحية في غزة له عواقب إنسانية وصحية وخيمة على السكان المدنيين، حيث وثقت منظمة الصحة العالمية العديد من الحالات التي تم فيها تأخير أو إعاقة بعثات الرعاية الصحية، مما أدى إلى وفيات كان من الممكن تجنبها. وتواجه الفرق الطبية نقصا حادا في الغذاء والمياه والإمدادات الطبية خلال الحصار
إن
تدمير البنية التحتية للرعاية الصحية في غزة له عواقب إنسانية وصحية وخيمة على
السكان المدنيين، حيث وثقت منظمة الصحة العالمية العديد من الحالات التي تم فيها
تأخير أو إعاقة بعثات الرعاية الصحية، مما أدى إلى وفيات كان من الممكن تجنبها.
وتواجه الفرق الطبية نقصا حادا في الغذاء والمياه والإمدادات الطبية خلال الحصار.
ويؤدي الاكتظاظ في ملاجئ الأمم المتحدة، حيث يتشارك أكثر من 400 شخص في كثير من
الأحيان مرحاضا واحدا، إلى تفاقم انتشار الأمراض مثل التهابات الجهاز التنفسي
الحادة. كما أدت المساعدات الإنسانية المحدودة إلى نقص حاد وتعطيل وظائف البنية
التحتية الحيوية مثل محطات تحلية المياه وأنظمة الصرف الصحي، مما يزيد من خطر
الأمراض المنقولة عبر المياه.
وقد
سلطت التقارير الأخيرة الضوء على الأثر الخطير للحرب الإسرائيلية على الأطفال الفلسطينيين. فمنذ 7 تشرين الأول/ أكتوبر
2023، قُتل أكثر من 15.500 طفل في غزة، ويشكل الأطفال أكثر من 40 في المئة من 38
ألف حالة وفاة فلسطينية تم الإبلاغ عنها. وقد أدى العنف إلى حصار العديد من
الأطفال تحت الأنقاض، مع فقدان أكثر من 2000 طفل يفترض أنهم ماتوا، بالإضافة إلى إصابة
آلاف الأطفال بسبب العمليات العسكرية الإسرائيلية المباشرة ضدهم.
وأفادت
منظمة اليونيسف وغيرها من المنظمات الإنسانية أن وضع الأطفال في غزة مأساوي.
ويعاني واحد من كل ثلاثة أطفال في شمال غزة من سوء التغذية الحاد، ويواجه أكثر من
مليون من سكان غزة انعدام الأمن الغذائي الحاد. ويعني انهيار النظام الصحي أن
العديد من الأطفال الذين يعانون من إصابات أو أمراض يمكن علاجها لا يمكنهم الحصول
على الرعاية الطبية اللازمة، مما يزيد من معدل وفيات الأطفال.
ويؤدي
تدمير المرافق الطبية وحصار الإمدادات الأساسية إلى تفاقم الأزمة، وقد أدى ذلك إلى
اتخاذ إجراءات طبية مؤلمة مثل إجراء عمليات البتر دون تخدير. بالإضافة إلى ذلك،
فإن الأطفال معرضون بشكل خاص للأمراض وسوء التغذية، حيث أصبح ما لا يقل عن مليون شخص
في غزة، بما في ذلك العديد من الأطفال، على وشك المجاعة.
ومن
الناحية القانونية، تؤكد القرارات الدولية، مثل قرار مجلس الأمن التابع للأمم
المتحدة رقم 1265 (1999) والقرار 1998 (2011)، على حماية المدنيين وضرورة حماية
المستشفيات والمدارس أثناء النزاعات. ويشكل الاستهداف والتدمير المنهجي للبنية
التحتية للرعاية الصحية في غزة انتهاكات مباشرة لهذه القرارات. وعلى الرغم من
الدعوات العديدة لإنهاء العنف واستعادة الخدمات الأساسية، إلا أن الاستجابة
الدولية لم تكن كافية. ويواجه تسليم المساعدات عوائق شديدة بسبب المخاطر الأمنية،
والقيود على الحركة، والعقبات البيروقراطية التي تفرضها إسرائيل عند المعابر
الحدودية، هذا بالإضافة إلى سرقة المساعدات عبر شبكات منظمة من المستوطنين
الإسرائيليين الذين تشجعهم الحكومة الإسرائيلية على اعتراض المساعدات الإنسانية
وسرقتها.
الخسائر
المالية والبشرية في غزة هائلة، حيث يقدر البنك الدولي والأمم المتحدة أن الأضرار
التي لحقت بالبنية التحتية في غزة تبلغ نحو 18.5 مليار دولار، أي ما يعادل الناتج
المحلي الإجمالي للضفة الغربية وقطاع غزة مجتمعين، ويشمل ذلك تدمير المنازل
والمدارس والمستشفيات وغيرها من البنى التحتية الحيوية.
إن
الجهود المبذولة لإعادة بناء البنية التحتية في غزة أمر بالغ الأهمية للتخفيف من
الأزمة الحالية وضمان حماية سكانها، ويسلط هذا الرقم المخيف الضوء على ضخامة
المهمة التي تنتظرنا والحاجة الملحة إلى الدعم الدولي لإعادة بناء واستعادة
الخدمات الأساسية.
الدمار في غزة ليس مجرد مسألة المباني المتضررة والخدمات المعطلة؛ إنها كارثة إنسانية تؤثر على نسيج المجتمع ذاته. إن استهداف المستشفيات، وقتل وتشويه الأطفال، وتدمير البنية التحتية الأساسية، يشكل اعتداء مباشرا على مستقبل غزة
ويجب
على المجتمع الدولي إنفاذ القوانين والقرارات الدولية لحماية السكان الضعفاء ومنع
المزيد من الكوارث الإنسانية. إن الوضع في غزة يسلط الضوء على الأثر المدمر لحرب
الإبادة على السكان المدنيين والحاجة الملحة للتضامن والعمل الدوليين. وعلى الرغم
من النداءات العديدة التي أطلقتها المنظمات الإنسانية ووكالات الأمم المتحدة، لا
يزال تسليم المساعدات مقيدا بشدة من قبل إسرائيل. وقد دعت منظمة الصحة العالمية
مرارا وتكرارا إلى إنشاء ممرات إنسانية لضمان المرور الآمن للإمدادات الطبية
والعاملين، ولكن هذه الدعوات غالبا ما ذهبت أدراج الرياح، مما ترك الكثيرين في غزة
دون رعاية صحية أساسية.
إن
الدمار في غزة ليس مجرد مسألة المباني المتضررة والخدمات المعطلة؛ إنها كارثة
إنسانية تؤثر على نسيج المجتمع ذاته. إن استهداف المستشفيات، وقتل وتشويه الأطفال،
وتدمير البنية التحتية الأساسية، يشكل اعتداء مباشرا على مستقبل غزة. ويجب على
المجتمع الدولي أن يدرك خطورة هذه الأزمة، وأن يستجيب بالسرعة وبالحجم المطلوب
لمعالجة المعاناة والمساعدة في إعادة بناء غزة.
وفي
الختام، فإن الأزمة الإنسانية في غزة هي نتيجة وخيمة للتدمير المنهجي وحرب الإبادة
الإسرائيلية المباشرة ضد السكان المدنيين بشكل خاص. إن الأضرار الجسيمة التي لحقت
بالبنية التحتية للرعاية الصحية، إلى جانب النقص الحاد في الغذاء والمياه
والإمدادات الطبية، خلقت حاجة ملحة للتدخل الدولي. ويجب على المجتمع الدولي أن
يتصرف بشكل حاسم لتوفير الدعم والمساعدة اللازمين للتخفيف من معاناة سكان غزة،
والعمل من أجل التوصل إلى إيقاف إسرائيل عن محاولاتها إبادة شعب بأكمله.