أولاً محاولة الوسيط تثبيت هدنة مع بقاء الجيش داخل
غزة تعبر عن مأزق
الاحتلال في تضارب الوقت والهدف لحربه، وبات الاستنزاف سيد الموقف، لذلك يراد من
هكذا ضغط من أجل هدنة عدة نقاط:
ـ إنقاذ الاحتلال عسكريا وسياسيا
واجتماعيا وكذلك على الصعيد الدولي من الهزيمة الإعلامية والإنسانية والأخلاقية.
ـ استمرار الوسيط بدور الضاغط قبل رمضان والآن قبيل العيد وسابقاً قبل دخول خانيونس هو بنفس السياسة التي تكون فيها معايير "إسرائيل" وأمريكا هي المرتكز، وبالتالي لا جديد في دور الوسيط وأيضا لم يحصل على هامش تحرك، فيبقى ضاغطا على المقاومة.
ـ محاولة امتصاص غضب الشعوب العربية ومنع إدخال وسيط دولي كما روسيا، وهذا يتم من خلال الترويج والإعلان المضلل على "قرب وصول اتفاق" و"هناك أجواء إيجابية" وغيرها من كلمات التخدير حتى لا يصل للشارع المصري غضب الجماهير، وهناك يصبح ما صنعته أمريكا من ثورات مضادة للشعوب على المحك وفي خطر، وبالتالي كلها محاولات بهلوانية من الوسيط المستخف أصلا بالحقوق
الفلسطينية.
ـ إعطاء مساحة لتخطيط اليوم التالي المتضمن لدور السلطة وقوات دولية، وهكذا مخطط لا ينجح إلا بدخول هدنة الآن وإبقاء غزة مقسمة عسكريا، وبالتالي غطاء لخطة أمريكا الرامية لاستعمال العرب بالتزامن مع قبضة أمنية وعسكرية للإسرائيلي، وهذا بحد ذاته ما تم الحديث عنه منذ البداية عن اليوم التالي للحرب.
ثانيا "إسرائيل" خسرت الرواية والسردية
والتعاطف والقانونية في الساحة الدولية، ونسفت جهدا بنته على مدار ٧٥ عاما في
تثبيت نفسها كدولة، فباتت مشتتة وغير موثوقة الجوار وعدائية واسمها مرتبط بجريمة
حرب واحتلال، فقواعد عالمية اهتزت وتغيرت في تطورات المشهد، وما كان هذا ليحدث
لولا طول أمد الحرب، وما كان هذا ليحدث لولا صمود الشعب الفلسطيني ومقاومته وتحرك
النشطاء في البث والتصوير والتوثيق وعمل الجاليات والمؤثرين في النشر والتوثيق
بعدة لغات، فهُزمت خطة أمريكا لتغطية الجريمة وفُضح الاحتلال.
ثالثا تقلصت أوراق "إسرائيل" التي كانت بحوزتها لصالح
المقاومة، فلا الردع تم ترميمه ولا الجنود الأسرى عادوا ولا الضغط العسكري كما
توقعوا أسفر عن شيء، ولا الجبهات الأخرى تم ترهيبها أو تخديرها.
لا يمكن لإسرائيل أن تعيد عقارب الساعة للوراء، كما أنها عاجزة عن تسريعها، فلا ردع يترمم ولا رواية بقيت سائدة ولا سمعة حسنة بعد الإبادة الجماعية، ولا قطار تطبيع خدمها ولا تنسيق أمني غطى جريمتها، ولا حدود آمنة في ظل تنكرها للشعب الفلسطيني ولا جبهات انفصلت وعُزلت ولا حماس سُحقت ولا غزة تشردت.
رابعا على وقع انحسار خيارات "إسرائيل" يتحول التعامل مع
المقاومة من نظرة أمنية إلى سياسية بحكم تطور الأحداث وعودة تاريخ القضية إلى
مربعها وتفعيل القوانين الدولية، وهذا مكسب استراتيجي للمقاومة سيلاحظ الجميع أثره
لاحقاً.
خامسا فشلت "إسرائيل" في فصل الجبهات وعزلها لتتمكن على
قاعدة "فرّق تسد" من الاستفراد بفلسطين ثم تتفرغ لغيرها تارة بحجة
طائفية وأخرى حزبية وغيرها جغرافية، والهدف إبقاء الردع والأمن والاقتصاد بيدها،
وهذا كله بات مفقودا بعد ستة أشهر، بل تعززت الجبهات وتنسيقها فيما بينها وتفعلت
الشعوب رويدا رويدا، وهذا سينعكس على الأنظمة العربية التي ترى أمريكا أن هناك
خطورة على وجودها مع استمرار عدم حسم المعركة.
ختاماً لا يمكن لإسرائيل أن تعيد عقارب الساعة للوراء، كما أنها
عاجزة عن تسريعها، فلا ردع يترمم ولا رواية بقيت سائدة ولا سمعة حسنة بعد الإبادة
الجماعية، ولا قطار تطبيع خدمها ولا تنسيق أمني غطى جريمتها، ولا حدود آمنة في ظل
تنكرها للشعب الفلسطيني ولا جبهات انفصلت وعُزلت ولا حماس سُحقت ولا غزة تشردت.
بالتالي انحسرت خياراتها بين:
ـ إعلان هزيمة وانسحاب، وهذا يرفضه
العربان وأمريكا لأنه خطر استراتيجي على المشروع الأمريكي والذي سينعكس على أحادية
القطبية المهيمنة.
ـ الذهاب نحو تخدير مؤقت لجبهة غزة وفتح النار على جبهة أخرى؛ هروبا من
رأي عام دولي وهزيمة أخلاقية في غزة، وإقحاماً لأمريكا في مشهد إقليمي بحجة أنها حرب بين جيوش، خاصة أن بايدن الآن هو من يحتاج الحرب بعد استطلاعات الرأي التي أظهرت هزيمته أمام ترامب، وبالتالي يحاول المقامرة بالوقت في ملف الحرب على إيران التي سيعطي وكالة البدء بها "لإسرائيل" وسيدخل منقذا لها مستغلا الرأي العام الأمريكي المناهض لإيران، ومستبعداً عن المشهد تأييد الشارع للفلسطينيين ورفض الإبادة في غزة، وهذا أسلوب خبيث قد يلجأ له بايدن للتخلص من كابوس غزة المهدد لتجديد ولايته، وبالتالي
يكون أخيراً تلاقى مع نتنياهو على مصلحة البقاء مهما كلف ذلك.
ـ هذا يعني أن التصعيد سيد الموقف والأمور متدحرجة، وفقط الذي يحدث هو إعادة انتشار للمواقف والخطوات، وتقديم جبهة على جبهة وتجميد أخرى مع الاستعدادات لاجتياح رفح، ولكن في المحصلة هناك قرار مسبق لدى أمريكا بترتيب المنطقة دون وجود مقاومة وجبهات وحاضنة شعبية؛ ليتسنى قطع الطريق على التحالفات الدولية على ضوء ما يجري مع روسيا والصين، وكذلك رسم خريطة الشرق الأوسط الجديد الذي يشطب فلسطين ويمكّن "إسرائيل" من إلغاء جامعة الدول العربية وإحلال جامعة دول الشرق الأوسط مكانها، وحتى اللحظة ما زال الفشل يلازم المخطط والأدوات، بل باتت المقاومة بمحورها تثبت
معادلات لا يمكن أن تشهد تراجعا بقدر ما هي تقدم وتطوير له ما بعده في الخريطة.