قالت مجلة "إيكونوميست" إن واحدا من أقدم النزاعات في الشرق الأوسط دخل مرحلة جديدة، مشيرة إلى أن الهجوم
الإيراني على دولة الاحتلال الإسرائيلي أنهى القواعد القديمة ووضع الحلفاء في موقف حساس.
وعلقت: "حتى الفعل غير المؤثر قد يكون تحويليا، فقد قضى الشرق الأوسط النصف الأول من هذا الشهر وهو ينتظر انتقام إيران من غارة إسرائيلية في 1 نيسان/ أبريل قتلت جنرالين بارزين في مجمع السفارة الإيرانية بدمشق.
وعندما حدث في 13 نيسان/ أبريل، فقد كان جريئا أكثر من المتوقع، وابل من السلاح مكون من أكثر من 300 صاروخ ومسيرة موجهة ضد دولة الاحتلال الإسرائيلي، وكونه لم يؤد لمقتل أحد والقليل من الضرر لا يقلل من أهميته: فهذه هي المرة الأولى التي تضرب فيها إيران دولة الاحتلال الإسرائيلي مباشرة".
والآن تنتظر المنطقة وبعصبية متى وكيف سترد دولة الاحتلال الإسرائيلي ردها المحتوم. ومن هنا فيجب على شركاء الاحتلال الإسرائيلي في الغرب، وتحديدا أمريكا، بناء توازن حساس بين الدفاع عن حليفتهم ومحاولة ضبطها.
وتقول المجلة إن "الدول العربية الصديقة في وضع حرج، أيضا. وعلى المتحاربين أنفسهم، إيران ودولة الاحتلال الإسرائيلي الإبحار في نزاع تمزقت فيه قواعد الاشتباك بشكل مفاجئ".
وعلقت المجلة أنه "لا أحد شك بانتقام إيران، في أشهر من الغارات الإسرائيلية قضت بشكل شبه كامل على قيادة الحرس الثوري الإيراني في سوريا. وكان الهجوم على القنصلية الإيرانية القشة الأخيرة للمتشددين الذين طالبوا برد قوي. ولكن المراقبين، بمن فيهم إسرائيل، اعتقدوا أن إيران سترد بطريقة أقل مباشرة، ومواصلة سياستها الطويلة وضرب إسرائيل عبر جماعاتها الوكيلة بدلا من المواجهة المباشرة".
وقالت المجلة: "إن إيران أعلنت عن هجومها المرتقب ولأيام طويلة ومنحت وقتا طويلا لتحضير الرد، ليس فقط لإسرائيل ولكن لتحالف أعدته أمريكا خصيصا للرد وضم بريطانيا وفرنسا والأردن ودولا عربية أخرى".
وتابعت: "أسقطوا كل المسيرات والصواريخ التي أرسلتها باستثناء حفنة ضربت إسرائيل، منها أربعة صواريخ ضربت قاعدة نيفاتيم الجوية في جنوب إسرائيل وتسببت بأضرار طفيفة".
وتعهد قادة إسرائيل بالرد، عبر القول: "أي عدو يقاتل ضدنا، فإننا سوف نعرف كي سنضربه، أيا كان"، هذا ما قاله وزير الحرب، يوآف غالانت، في 16 نيسان/ أبريل. وقالت المجلة إن الرد يتراوح من ضرب القواعد العسكرية الإيرانية إلى حرب سيبرانية إلى تدمير البنى التحتية وضرب الحرس الثوري الإيراني في الخارج.
وتضيف: "إن الحلفاء قضوا أياما وهم يدعون إلى ضبط النفس، فقد أخبر جو بايدن، رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، بأن الولايات المتحدة لن تدعم أي ضربة مباشرة ضد إيران. ويخشى الرئيس الأمريكي من توسع الحرب الانتقامية والقصف، واندلاع حرب إقليمية حاول منعها في تشرين الأول/ أكتوبر، وأرسل قادة أوروبا نفس الرسالة".
ومن أجل إقناع دولة الاحتلال الإسرائيلي بعدم الرد، فعليهم التعهد لها بأنهم يتعاملون مع الخطر الإيراني بجدية. وهذا كلام من السهل قوله بدلا من فعله. فقد وعدت أمريكا بفرض عقوبات على برامج إيران الصاروخية وصناعة المسيرات، لكن هذا لا يكفي لطمأنة دولة الاحتلال الإسرائيلي.
ويشير بعض المسؤولين الأمريكيين لفكرة أكبر، حيث يشيرون للتعاون غير المسبوق بين الدول الغربية والعربية خلال الهجوم الإيراني. فقد أسقط
الطيران الأردني مسيرات إيرانية، فيما ساعدت قطر والسعودية والإمارات العربية المتحدة من خلف الأضواء. وتعاون كهذا يحقق الهدف الطويل الذي تسعى إليه الولايات المتحدة.
فعلى مدى سنين حثت الدول العربية ودولة الاحتلال الإسرائيلي لبناء تكامل في الدفاعات، على أمل إضعاف ترسانة إيران العسكرية. ولو تجنبت دولة الاحتلال الإسرائيلي الرد، فهناك إمكانية لتعزيز التحالف الإقليمي كما يقول هؤلاء المسؤولون. والفكرة جاذبة للمسؤولين الإسرائيليين، وقال عضو حكومة الحرب بيني غانتس: "هذا الحادث لم ينته" و"يجب تقوية التعاون الإقليمي الذي بنيناه وصمد أمام امتحان مهم".
وكلام كهذا لا يريح الدول العربية الغاضبة من ضرب دولة الاحتلال الإسرائيلي
غزة والخائفة من الانتقام الإيراني، حيث هددت الأردن بالرد إن تعاون أكثر مع دولة الاحتلال الإسرائيلي.
وقال الأردن، وهو مصيب بأنه استهدف المسيرات والصواريخ الإيرانية لأنها خرقت مجاله الجوي. كما اعتقد الأردن أن هناك منفعة سياسية، فإن المملكة هي واحدة من أكثر الدول في العالم اعتمادا على المساعدات.
وتعتبر أمريكا من أكبر المانحين للأردن، وقدمت له 1.2 مليار دولار إلى جانب دعم عسكري يمثل 20 في المئة من ميزانية الدفاع في الأردن عام 2022. ومساعدة إسرائيل تعطي ملك الأردن دفعة لدى المشرعين الأمريكيين. ولدى دول الخليج دوافع أخرى، فقد شعر المسؤولون الخليجيون بالانزعاج من رؤية أمريكا وهي تسارع للدفاع عن إسرائيل، وقارنوا ردها عندما ضربت المسيرات والصواريخ الإيرانية المنشآت النفطية السعودية عام 2019 و2022، عندما ضربت أبو ظبي، حيث لم تفعل الولايات المتحدة إلا القليل.
وتعتقد المجلة أنه لا يمكن المقارنة بين الوضعين، ففي حالة الضربة السعودية والإمارات لم تكن هناك تحذيرات مبكرة. وتأمل السعودية بالحصول على معاهدة أمنية مع الولايات المتحدة مقابل دعمها أمريكا في العملية الأخيرة، ومن هنا فقادة الخليج أرادوا إظهار أن الترتيبات الرسمية تعود بمنافع ملموسة على الجميع.
ورغم التشارك بين هذه الدول العربية ودولة الاحتلال الإسرائيلي بخطر إيران، إلا أن هذا لن يلغي الغضب العربي مما تفعله دولة الاحتلال الإسرائيلي في غزة أو الخوف من الرد الإيراني بسبب مشاركتها في الدفاع عن دولة الاحتلال الإسرائيلي.
والشروط التي تضعها هذه الدول هو وقف إطلاق النار في غزة وتعهد أمريكي بالدفاع عنها لو تعرضت لهجوم، ولا يبدو أن أيا من هذا سيتحقق قريبا.
وتحذّر المجلة قادة دولة الاحتلال الإسرائيلي من الثقة الزائدة بالنفس، فقد كانت الدفاعات الجوية لديهم مثيرة للدهشة، هذا لأنهم حصلوا على تحذيرات مبكرة وللدفاع عنهم من الدول الخارجية. فهجوم مفاجئ سيكون أفعل. ويمكن لإيران تكرار العملية بالكثير من المرات، فلديها ترسانة من الصواريخ الباليستية تقدرها أمريكا بحوالي 3,000 صاروخ.
ولم تستخدم في العملية الأخيرة سوى 4 في المئة من قدراتها الصاروخية، ووصلت نسبة كبيرة منها دولة الاحتلال الإسرائيلي وفي ليلة واحدة وإن لم تترك أثرا. وكان وراء الهجوم الإيراني هدفان وهما إرضاء المتشددين وردع الاحتلال الإسرائيلي عن القيام بغارات في المستقبل.
والفشل في تحقيق الهدف الثاني، في عدم إصابتها أي هدف ذا قيمة، كشف عن ضعفها وفتح المجال أمام رد وليس ردع هجمات جديدة. كل هذا يقترح خطرا طويل المدى، يتعلق بالمشروع النووي الإيراني. فقد قضى بايدن الفترة الأولى من رئاسته في محاولة لإحياء المعاهدة النووية التي خرج منها دونالد ترامب عام 2018، وفشل.
ولدى إيران مخزونها من اليورانيوم بحجم 122 كيلو وبنقاوة 60 في المئة، وتستطيع إنتاج ثلاث قنابل نووية لو قامت بتخصيب مزيد من اليورانيوم للمستوى المطلوب لإنتاج القنبلة.
واتسم الإيرانيون بالحذر ووصلوا "عتبة القنبلة النووية" ولكنهم ابتعدوا عن تجاوزها خشية عقوبات عسكرية متعددة أو ضربة عسكرية. وغيرت الأسابيع الثلاثة الحسابات، فإن لم تكن المسيرات والصواريخ كافية لردع دولة الاحتلال الإسرائيلي، فلربما فكروا في تطوير برنامجهم النووي، وقد يستدعي هذا ردا إسرائيليا. وقررت إيران إخراج حربها القديمة مع دولة الاحتلال الإسرائيلي للعلن، ولا يمكن لأحد والحالة هذه التكهن بنتائج قرارها.