"ما يحدث في كولومبيا ليس احتجاجا: إنه غوغاء عنيف مؤيد لحماس
يهددون ويهاجمون الطلاب اليهود. هذا ليس له مكان في أمريكا ولا ينبغي لكولومبيا أن
تسمح بهذه المضايقات في الحرم الجامعي" (مايك بومبيو، وزير خارجية أمريكا
السابق ورئيس جهاز المخابرات الأمريكية CIA الأسبق، في تعليقه على مظاهرات الطلبة
المناهضة للحرب على
غزة في جامعة كولومبيا الأمريكية).
وبالمناسبة فالوزير بومبيو كان ضابطا سابقا في الجيش الأمريكي وعمل أيضا كـ"شماس"
في إحدى الكنائس المحلية التابعة للمشيخية الإنجيلية وقام بالتدريس في "مدارس
الأحد" في الفترة من 2007-2009، يعني أن الرجل لم يكن وزيرا عاديا للخارجية
بل وزيرا بطعم الكنيسة والمخابرات والجيش، وأترك لك استنتاج ما تراه مناسبا من
تصريحه المقتبس.
لا يرى الوزير السابق المظاهرات على أنها حق مشروع للطلبة وللجميع في بلد
لطالما أعلن قادته عن رغبتهم في تطبيق الديمقراطية الغربية في بقية بلدان العالم،
ولطالما صدعوا رؤوسنا بأهمية الديمقراطية ودورها في تنمية المجتمعات وازدهارها،
ولما وصلت الديمقراطية الحقيقية إلى أروقة ودهاليز وحرم
الجامعات كفروا بها ونعتوها
بالغوغائية والعنف والتطرف.. يا الله، كأني حين وقعت عيناي على تصريح بومبيو تذكرت
تصريحات رجال المخابرات في بلادنا ضد أي معارض للسلطة.
المعركة كما لخصها بنيامين نتنياهو في أخطر تصريحاته هي معركة وجود، وأن المعركة لا تقتصر على الكيان الصهيوني بل ستؤثر على دول المنطقة. وأعتقد أن استنتاجه صحيح بنسبة كبيرة، فالحرب لم تنتقل إلى الدول العربية فقط عبر المظاهرات ثم عبر مشاركة بعضها في حماية الكيان الصهيوني من مسيّرات وصواريخ إيران ردا على استهداف الكيان لقنصلية إيران في العاصمة السورية دمشق، بل وصلت إلى قلب أمريكا وأصبحت محورا هاما من محاور الانتخابات الرئاسية المقبلة في أمريكا، وهي اليوم في قلب الجامعات الأمريكية الكبرى
من بين كثير من التحليلات التي تناولت عملية طوفان الأقصى كنت أكثر ميلا
لفكرة أن طوفان الأقصى وما سوف يليها سيكون مختلفا عما كان قبلها، وأن الوضع سيتحول
من صراع في منطقة محدودة جغرافيا إلى فضاء أوسع؛ ليس جغرافيا ولكن إنسانيا وثقافيا
على نحو كبير، واليوم وبعد مرور ما يقرب من سبعة أشهر على الحرب الصهيونية الدموية
تبين للجميع أن أمريكا تقود الحرب ومعها حلفاؤها الطبيعيون مثل فرنسا وإنجلترا
وألمانيا، وأن عنوان هذا التحالف المدعوم عربيا وهدفه هو حماية الكيان الصهيوني من
الفناء.
فالمعركة كما لخصها بنيامين نتنياهو في أخطر تصريحاته هي معركة وجود، وأن
المعركة لا تقتصر على الكيان الصهيوني بل ستؤثر على دول المنطقة. وأعتقد أن
استنتاجه صحيح بنسبة كبيرة، فالحرب لم تنتقل إلى الدول العربية فقط عبر المظاهرات
ثم عبر مشاركة بعضها في حماية الكيان الصهيوني من مسيّرات وصواريخ إيران ردا على
استهداف الكيان لقنصلية إيران في العاصمة السورية دمشق، بل وصلت إلى قلب أمريكا
وأصبحت محورا هاما من محاور الانتخابات الرئاسية المقبلة في أمريكا، وهي اليوم في
قلب الجامعات الأمريكية الكبرى من هارفارد إلى كولومبيا وكاليفورنيا إلى ييل إلى
ماساتشوسيتس ونيويورك وغيرها.. هي معركة وعي وضمير حي يعبر عن جيل جديد لم يشارك
في حروب ولم ينضم لثورة من الثورات وربما لا يعرف الكثير عن جغرافية
فلسطين، ولكن
وبكل تأكيد يعلم أكثر وأكثر عن معاناة الشعب الفلسطيني وآلامه وعن جبروت وظلم
والإبادة الجماعية التي يقوم بها الكيان الصهيوني على مدار عقود ضد الفلسطينيين
أصحاب الأرض والنضال.
ثورة الطلبة في الجامعات الأمريكية هي إحدى أهم إفرازات وتوابع طوفان
الأقصى، والحرب الهمجية على أهل غزة ليس من أجل القضاء على حماس والمقاومة بل بهدف
الإبادة والإزاحة، فالكيان الصهيوني ومنذ أربعينيات القرن الماضي يتعامل مع فلسطين
على أنها أرض بلا شعب، وحتى إن وجد الشعب فيجب قتله أو إبعاده بحجة أن وجوده فوق
هذه الأرض يعني وبطريقة مباشرة أن فلسطين لها أصحاب وأهل وشعب، وهذا ما يحير
أفهامهم ويتعب عقولهم بحثا عن طريقة للتخلص من الشعب الفلسطيني.
في المشهد الطلابي داخل جامعات أمريكا ثمة ملاحظات جديرة بالذكر لعل على
رأسها وأهمها هو دور بعض الأساتذة القادمين من العالم العربي مثل نعمت شفيق،
الأستاذة المصرية التي تحمل الجنسيتين الأمريكية والبريطانية والتي ترأست أرقى
الجامعات في كلا البلدين قبل أن يحط بها الرحال في جامعة كولومبيا، فتقوم (على
الطريقة المصرية) باستدعاء جهاز الشرطة فيلقي بدوره القبض على الطلبة والطالبات في مشهد
لا أتصور أنه سيزول من ذاكرة الطلبة في أمريكا لعقود قادمة، ثم تقوم بالإدلاء
بشهادتها ضد الطلبة في جلسة الاستماع أمام الكونجرس الأمريكي وهي شهادة فيها تحريض
ضد الطلبة وربما هي التي دفعت وزير الخارجية الأمريكي الأسبق (بومبيو) للإدلاء بتصريحه
السخيف أعلاه.
ثم إن تدخل الكونجرس واستجوابه بل وإهانته لرئيسات كبريات الجامعات الأمريكية
مثل كلودين جاي (هارفارد) وليز ماجيل (بنسلفانيا) وسالي كورنبلوث (معهد ماساشوستس)
ودفع بعضهن للاستقالة أو التوصية بالإقالة أو الإقالة فعليا؛ هو دليل على أن
الحراك الطلابي أو انتفاضة الطلبة في طريقها إلى التحول نحو ثورة طلابية عارمة.
في أوقات سابقة كانت تظاهرات الطلاب سببا رئيسيا في تغيير السياسات العامة والخارجية للدول الكبرى وعلى رأسها أمريكا
في أوقات سابقة كانت تظاهرات الطلاب سببا رئيسيا في تغيير السياسات العامة
والخارجية للدول الكبرى وعلى رأسها أمريكا، فقد تسببت ثورة طلبة الجامعات
الأمريكية ضمن أسباب أخرى في وقف الحرب على فيتنام (1966-1969)، وكان للتظاهرات
الطلابية ضد العنصرية في جنوب أفريقيا (1976) دور في تحريك الرأي العام الغربي في
بريطانيا وأمريكا ضد سياسة كلا البلدين المؤيدة للفصل العنصري الذي انتهى في بداية
التسعينيات من القرن الماضي (1990-1993)، كما كان لتظاهرة الطلاب الصينيين في
ميدان تيانانمين في عام 1989 والمشهورة بصورة الطالب الذي يدعى وانج واي لين أمام
الدبابة؛ دور في التغيير في الصين بعدما قمعت الدبابات انتفاضة الطلبة آنذاك. وبالمناسبة
هذه التظاهرات الجامعية اعتبرت أهم ثلاث تظاهرات طلابية غيرت التاريخ وفقا لموقع "Study International".
لقد أثارت مظاهرات الطلبة في الجامعات الأمريكية الرأي العام ودفعت العديد
من المراقبين والمحللين، وخصوصا ما جرى في كاليفورنيا، للقول بأن حرم الجامعة في
بيركلي بات في حالة اضطراب وأن ما يجري هو أمر غير مسبوق ولا يشبه أي نظير له في
الذاكرة، على حسب تعبير موقع بوليتيكو الأمريكي.
وحسب بعض ما جاء في كتاب "عندما يتظاهر الطلبة" والذي
كتبه (جوديث بيسانت وناليشيا ميزانس وسارة بيكارد)، فإن "العمل السياسي
للطلبة سمة رئيسية ومتكررة في جميع أنحاء العالم، فقد شارك الطلبة في مجموعة من
القضايا العامة التي تهم الرأي العام من بينها الحركات المناهضة للاستعمار
والحركات المضادة الرافضة للحروب إلى الحركات المؤيدة للديمقراطية إلى الحركات
المضادة لليبرالية الجديدة والعنصرية والحركات المؤيدة للحفاظ على البيئة وحمايتها،
وعادة ما ينظر إلى هذه الحركات من قبل السياسيين على أنها حركات مراهقين وتلاعب
بعقول الشباب".
أتوقع أن تستمر ثورة الطلبة الحالية كرد فعل على المجازر وحملات الإبادة وحرب التجويع ضد شعبنا في فلسطين، والجميل في هذه الثورة أنها لا تقاوم العدو الصهيوني فقط بل كل أعداء الإنسانية
وفي عالمنا العربي يذكرنا التاريخ الحديث بمظاهرات الطلبة في ميدان التحرير
في عام 1972 بعد أن أخل الرئيس المصري أنور السادات بوعده في أن يكون عام 1971 هو
عام الحسم (الحرب)، وقامت مجموعات من الطلبة المنتمين لليسار بقيادة الدكتور
المناضل أحمد عبد الله رزة بالتظاهر والاعتصام في الجامعة وتم تفريقهم واعتقالهم،
وتداعى حوالي 20 ألفا من طلاب الجامعات للتظاهر في ميدان التحرير وتم تفريقهم.
وكان لهذه التظاهرات تأثير كبير في اتخاذ قرار الحرب في أكتوبر 1973.
وبعد مجزرة فض رابعة (آب/ أغسطس 2013) انتفضت جامعة الأزهر بجميع كلياتها
ضد الانقلاب، وشهدت مجازر وحشية بسبب دعوة الطلبة والطالبات إلى عودة الشرعية، ولعل
أشهر صورة منشورة في هذه التظاهرات والتعامل الوحشي معها هي صورة عقيد الشرطة الذي
يمسك برقبة إحدى الطالبات وهو يجرها دون وازع من دين أو قانون أو ضمير.
أتوقع أن تستمر ثورة الطلبة الحالية كرد فعل على المجازر وحملات الإبادة وحرب
التجويع ضد شعبنا في فلسطين، والجميل في هذه الثورة أنها لا تقاوم العدو الصهيوني
فقط بل كل أعداء الإنسانية، سواء منهم من يحمل مسدسا أو بندقية أو يمسك بيده قلما
ويكتب واصفا نفسه بأنه أستاذ جامعي ومفكر..
يحيا الطلبة.. عاش الطلبة.