أثار إعلان وزارة
التجارة التركية إيقاف التجارة بشكل كامل مع دولة
الاحتلال الإسرائيلي ردود فعل واسعة في الأوساط التركية، حيث أشاد معارضون بالقرار في حين دعا آخرون إلى استكمال التصعيد ضد "إسرائيل" عبر ضمان استدامة الإجراء.
وكان قطع التجارة بالكامل مع الاحتلال الإسرائيلي من أبرز القضايا التي تصدرت أجندة السياسة الداخلية التركية خلال سباق الانتخابات المحلية، التي أسدلت ستارها في 31 مارس /آذار الماضي عن خسارة كبيرة لحزب "العدالة والتنمية" الحاكم، بقيادة الرئيس رجب طيب
أردوغان.
وكانت العديد من الأحزاب المعارضة، وفي مقدمتها حزب "الرفاه من جديد" و"المستقبل"، وجهت انتقادات حادة للحكومة التركية بسبب تواصل التجارة مع الاحتلال الإسرائيلي.
وأشار مراقبون تحدثوا سابقا لـ"عربي21"، إلى أن "العدالة والتنمية" خسر جزءا من كتلته التصويتية بسبب تواصل التجارة مع الاحتلال، لصالح أحزاب محافظة مثل "الرفاه من جديد" الذي تمكن بزعامة فاتح أربكان من توسيع قاعدته الشعبية ليصبح ثالث أكبر حزب من حيث أصوات الناخبين والأعضاء المنتسبون.
وتبنى الحزب المحافظ خلال حملته الانتخابية حينها، خطابا حادا ضد الحكومة مطالبا بقطع العلاقات التجارية بشكل كامل مع الاحتلال الإسرائيلي نصرة للشعب
الفلسطيني الذي يتعرض لحرب إبادة جماعية في قطاع غزة.
دعوة إلى "إيقاف دائم"
وفي معرض تعليقه على قرار أنقرة الأخير، أشاد أربكان بوقف جميع الصادرات والواردات مع دولة الاحتلال "إلى أن تسمح الحكومة الإسرائيلية بتدفق غير متقطع وكاف للمساعدات الإنسانية إلى غزة".
وشدد على أن حزبه الذي دعا منذ مدة بعيدة إلى قطع العلاقات التجارية بالكامل يجد القرار تطورا إيجابيا للغاية، موضحا أنه يقف إلى جانب الحكومة في هذا الصدد.
وأكد السياسي التركي عزمه "دعم الخطوات الإضافية التي ستتخذها الحكومة بما يتماشى مع حقيقة أن إسرائيل تفهم بالقوة، وليس بالكلمات"، حسب تعبيره.
من جهته، أعاد العضو في حزب "الرفاه من جديد"، صباح الدين حزين أوغلو، مشاركة بيان أربكان، مطالبا بضمان استدامة قطع العلاقات التجارية مع الاحتلال الإسرائيلي.
بدوره، ثمن رئيس الوزراء التركي الأسبق، زعيم حزب "المستقبل" المعارض، أحمد داود أوغلو، قرار قطع العلاقات التجارية، الذي نادى به بقوة منذ بدء العدوان في السابع من تشرين الأول /أكتوبر الماضي.
وقال في تدوينة عبر حسابه في منصة "إكس"، إن "القرار متأخر لكنه قرار صحيح".
واتفق الناشط التركي فورقان بولوك باشه مع السياسيين الأتراك بشأن أهمية القرار، إلا أنه شدد في تدوينة عبر منصة "إكس" على أن قطع العلاقات التجارية "خطوة كان ينبغي أن يتم اتخاذها قبل الانتخابات".
أما وزير الاقتصاد التركي الأسبق، وزعيم حزب الديمقراطية والتقدم المعارض "ديفا - DEVA"، فقد شدد على أن التجارة كان يجب أن تتوقف منذ اليوم الأول للمجزرة المتواصلة في قطاع غزة.
وأضاف في تدوينة عبر منصة "إكس" مخاطبا الحكومة: "لماذا تأخرتم إلى هذا الحد، وماذا كنتم تنتظرون؟".
"مكسب وليس خسارة"
أعرب رئيس جمعية الصناعيين ورجال الأعمال المستقلين في
تركيا "موسياد"، محمد أسماله، عن دعمه لقرار وقف التجارة بشكل كامل مع الاحتلال الإسرائيلي، مشددا على أن التحرك التركي "ليس خسارة اقتصادية، بل مكسب إنساني".
وقال في بيان عبر حسابه في منصة "إكس"، إنه بعد قرار تقييد التصدير الذي اتخذته وزارة التجارة لدينا في 9 نيسان /أبريل الماضي، ذكرنا في جمعية الصناعيين ورجال الأعمال المستقلين، أنه ينبغي تنفيذ ممارسة مماثلة للمنتجات المستوردة.
وأضاف أنه يرى أن "العالم الذي لا يتحرك ضد العدوان الإسرائيلي الوحشي المتزايد (في غزة)، والنظام الدولي الحالي الذي لا يستطيع تحقيق العدالة والسلام، قد أفلسا"، حسب تعبيره.
وشدد على أن "دولة واحدة والإدارة التي تحكمها (الاحتلال الإسرائيلي وحكومته)، تجر الإنسانية جمعاء إلى الفوضى أمام أعين العالم أجمع"، مشيرا إلى أنه "من الآن فصاعدا، فإن الخطوة الأكثر أهمية التي ينبغي اتخاذها ضد هذه العقلية يجب أن تكون فرض حظر اقتصادي".
وأوضح أن جمعية الصناعيين ورجال الأعمال المستقلين الأتراك "تؤيد قرار الحكومة بوقف الصادرات والواردات لجميع المنتجات إلى إسرائيل، وتعتبره خطوة مهمة من أجل تحقيق وقف دائم لإطلاق النار في غزة وضمان سهولة نقل المساعدات الإنسانية".
وأكد أن الجمعية التركية ترى "قطع العلاقات التجارية مع إسرائيل أنه مكسب إنساني وليس خسارة اقتصادية"، مشددا على أنهم ينتظرون "اتخاذ هذا القرار وقرارات مماثلة من قبل جميع مسؤولي الدول ذوي الضمائر الحية في العالم".
"9.5 مليارات دولار نعتبرها غير موجودة"
وفي وقت سابق الجمعة، شدد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، على أن بلاده "اعتبرت حجم التجارة الثنائية البالغ 9.5 مليارات دولار غير موجود وأغلقت هذا الباب"، موضحا أن أنقرة "اتخذت الخطوات التي يتوجب عليها أخذها".
وتطرق أردوغان بشكل مقتضب إلى أسباب تأخر بلاده في اتخاذ قرار إيقاف التجارة، قائلا في تصريحات صحفية، إن "هناك بعض الأحزاب في بلدنا الذين يمثلون الوجه القاسي للسياسة، استخدموا هذه القضية (التجارة مع الاحتلال) بشكل قاس خلال الانتخابات، لكننا أردنا تقييم الوضع دون تعجل. والآن انتهت الانتخابات وأقدمنا على هذه الخطوة (إيقاف التجارة بالكامل)".
وفي 9 نيسان /أبريل الماضي، فرضت تركيا قيودا على صادرات 54 منتجا إلى دولة الاحتلال الإسرائيلي بهدف دفعها إلى وقف إطلاق النار في غزة.
وربطت أنقرة على لسان وزير خارجيتها هاكان فيدان، قرارها تقييد الصادرات التي تضمنت مواد بناء ووقودا للطائرات، بعرقلة "إسرائيل" المساعي التركية الرامية إلى تنفيذ إنزالات جوية للمساعدات الإنسانية على قطاع غزة.
تجدر الإشارة إلى أن تركيا توجهت خلال الشهر الأخير بخطوات متسارعة إلى التشديد على وقوفها إلى جانب فلسطين ومقاومتها بشكل لا لبس فيه عبر اتخاذ العديد من القرارات المهمة، بما في ذلك إعلانها الانضمام إلى دعوى جنوب أفريقيا ضد الاحتلال الإسرائيلي أمام محكمة العدل الدولية.